"هواؤنا عليكم حرام" في ديوان "حمالة الحطب" للشاعر جلال عابدين


20-4-2017 | 13:59


عزوز علي إسماعيل‎,

ديوان "حمالة الحطب" للشاعر جلال عابدين أحدث إصداراته الشعرية، وقد ضم بين صفحاته ست عشرة قصيدة هي من القصائد الرائقة التي تناول فيها ألمًا أصابنا جميعًا، تناول فيها قضايا عديدة حملت همًا عربيًا وإنسانيًا مشتركًا، وأكثر ما لفت انتباهي في هذا الديوان الرائع هو قصيدته "هواؤنا عليكم حرام" والتي أبدأ بها حديثي عن هذا الديوان. فقد أشار في هذه القصيدة إلى أولئك الظلاميين الذين يعثون في الأرض فسادًا وهم يحسبون أنهم يحسنون صنعًا، مراوغًا في مطلع المقاطع الشعرية بين "بربكم قولوا لنا" وبين "قولوا لنا بربكم". بين حرف الجر وفعل الأمر، محاولًا وضع مجموعة من الدوائر الشعرية ليبرهن على تلك الأفكار الهدامة التي روعت الآمنين وخربت عقول الكثيرين من شبابنا الذين لا يفهمون حقيقة الدين ويأخذون الآيات على ظاهرها دون إدراك لمعناها الحقيقي، فهم لا يميزون بين الحرب والسلام وكل ما في عقولهم هو القتل؛ لأن كبراءهم استطاعوا أن يغسلوا عقولهم بل قل إلغاء عقولهم، فأصبحوا عصابة من الذئاب لا تفرق بين الحلال والحرام؛ حيث يخلطون في كذبهم حين يفرقون بين البوم والحمام وشتان ما بين الاثنين، لذلك فالشاعر يلح على أن هواءنا عليهم حرام بل والسماء التي تظلنا عليهم هي الأخرى حرام، كما أن دماءنا ونساءنا عليهم حرام، وكأنه يريد أن يخرجهم من دائرة المحبين للحياة حيث السؤال الاستفهامي التعجبي يقول الشاعر: بربكم قولوا لنا:هل تعرفون الله حين تقتلون حلمنا. ولا تميزون بين الحرب والسلام. هل تعرفون الله حين تسفكون دمنا؟. ولا يهمكم دم النساء والشيوخ والغلام.يؤكد الشاعر أيضًا على أن هؤلاء لا يعرفون الله، لأنهم لو كانوا قد عرفوه حق المعرفة ما تطاولوا وقتلوا وسفكوا الدماء وأيضًا لا يُميّزون بين الأشياء وأصبحوا قومًا ضالين تلعنهم الناس في الصباح والمساء، لأنهم قد ضلوا الطريق وأصبحوا يتخبطون في الطرقات. لا يعرفون إلى أين هم ذاهبون، بعد أن أخضعوا عقولهم لمرؤسيهم، فالقتل عندهم سواء للكبير والصغير والشاب والغلام، لذلك لم يفرقوا بين النور والظلام لذلك يخاطبهم الشاعر بقوله: وحينما يصيبكم سعار الدم والجنون. هل تدركون الفرق بين النور والظلام؟"تلك كانت البداية لتلك القصيدة التي يطرح فيها الشاعر أسئلة استنكارية يستنكر فيها معرفة أولئك الظلاميين بالفارق بين النور والظلام بين الحقيقة والخيال بين الحب والاحترام والكره والتشفي، ويظل في تساؤلاته حتى نهاية القصيدة فهل أولئك البشر مثلنا يمشون في الأسواق ويأكلون عيشنا وملحنا، وهل أولئك البشر لديهم عقل واع وفكر سديد؟! ولو كان كذلك ما أقدموا على تلك الأمور التي نالت من وحدة وطننا العظيم. وحين يستحلفهم الشاعر بقوله "بربك قولوا لنا" هل هم مدركون أن لهم ربًا عظيمًا من صفاته الرحمة والحلم؟ ولو كانت لديهم جزءًا من تلك الرحمة ما قتلوا طفلًا ولا شيخًا ولا راهبًا في حرابه وصومعته. وهو ما يفسر سؤالنا لماذا ليست لديهم أي شيء من تلك الرحمة؟. وهنا يتبادر إلى الأذهان بعض المقولات التي تحثنا على التكاتف والتعاضد ضد من يقتلون ويزهقون الأرواح، فليس هناك دين على الإطلاق يدعو إلى سفك الدماء أو إلى القتل والتنكيل، يقول الشاعر: لم تخجلوا أن تفسدوا أعيادنا. أو تقتلوا أولادنا. ولا يهمكم بكل دم بارد. أن تسفكوا دماءنا.وتغييب العقول أصبح هو السائد عند أولئك المغيبين، حيث غابت ضمائرهم ونامت عيونهم وألقوا كل ما فيه قيمة خلف ظهورهم؛ رغبة في إرضاء أسيادهم من أولئك الذين يدفعون الشباب إلى التهلكة من أجل الجنان التي يتحدثون عنها وعن الحور العين. فالله لم يرض لعباده جميعًا ذلك القتل، فقد خلقهم جميعاً للعبادة ومن أجل السلام وعمارة الأرض وليس الهدم أو القتل والتدمير هنا أو هناك، وهو ما يتخذه البعض منهم حيث يطعنون ظهورنا ويطفئون فجرنا كما عبر عن ذلك الشاعر في هذه القصيدة التي حملت ألماً يضاف إلى تلك الآلام التي عشناها في الماضي وما زلنا نحياها في الوقت الحاضر يريدون الفتنة من أفعالهم ولكن الله يأبى ذلك لأن الله سبحانه وتعالى حافظ لهذا البلد العظيم وأهله منذ القدم وحتى الآن وسيظل حافظاً لمصر طول الزمن. يعيد الشاعر قوله " بربكم قولوا لنا " ليرسم بريشته الرائعة سطوراً معبرة عن الألم:بربكم قولوا لنا هل يومكم كيومناهل صومكم لله مثل صومناأم تمسكون عن الطعام وتقتلون عيالنا؟هل شيخكم وإمامكمذاك الذي دوماً أباح قتلناقد أصدر الفتوى لكم ليضلكم..لا تخجلون إذا عصيتم ربكم وربناأو اتبعتم ملة أخرى تخالف شرعنالن يخجلوا أولئك الصنف من الناس، فهم عصوا وبغوا في الأرض باسم الدين والدين بريء من تلك الأفعال جميعها لأن ديننا الحنيف هو دين السلام والرحمة ومن يفعل تلك الأفعال فهي ليست من الدين في شيء وقد قال الله تعالى " منْ قَتَلَ نَفْسًا بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسَادٍ فِي الْأَرْضِ فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعًا وَمَنْ أَحْيَاهَا فَكَأَنَّمَا أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعًا "المائدة: 32. وقد قال الرسول الكريم محمد صلى الله عليه وسلم: من أشار إلى أخيه بحديدة فإن الملائكة تلعنه حتى يدعها، وإن كان أخاه لأبيه وأمه" وهذا إن دل فإنما يدل على أن الدين لم يدع إلى القتل أو ترويع الآمنين في بيوتهم وأماكن عباداتهم بل إن الدين جاء لنشر القيم والأخلاق الحسنة.. لذلك فإن الشاعر جلال عابدين في هذه القصيدة يحاور أولئك الصنف من البشر ويتساءل بهل دائماً، فهل أيامنا مثل أيامكم وهل صيامنا مثل صيامكم أم أن دينكم له نظام آخر بعيداً عما فعله وعما تعلمناه يقول: هل يومكم كيومنا. هل صومكم لله مثل صومنا" ويظل الشاعر في تلك الأسئلة الاستنكارية طوال مراحل القصيدة رغبة منه في أن يخرج ذاك المكبوت بداخله تجاه ما يفعلون بنا وتجاه ما يُقدمون عليه. وأفضل ما رأيته في هذه القصيدة تلك الكلمات العذبة التي تناول فيها فضل مصر على الجميع وكيف أن مصر ستظل شامخة مهما حاولوا أو دبوا لأن كف مصر سيظل ممدداً للجميع يقول الشاعر في ذلك معبراً عما قدمته مصر لأولئك ناكري الجميل وكيف أن مصر باعت كل ما تملك من أجل أبنائها:يا من عميتم هل نسيتمكفَّ مصر وفضلها؟تلك التي من أجلكم..باعت ضفائرها وقصت شعرهامن أجلكم ما استخسرت..في أن تبيع سوارها.قولوا لنا بربكم حينما كنتم صغارًا أين كنتم تلعبون وتلهون؟ لقد استمتع هؤلاء بدفء شمس مصر ونيل مصر العظيم ويأتون الآن وقد نسوا أو تناسوا فضلها بل ويجحدون ذلك الفضل. محاولات متكررة من الشاعر في تذكير هؤلاء بفضل البلد التي ربتهم وعلمتهم وآوتهم، ويصفهم بأنهم ومن معهم ومن يتزعمهم أعداء للحياة بقوله :" أم أن أعداء الحياة جنوا عليكم. فانقلبتم دون وعي ضدها؟. ثم صرتم عاشقين لموتنا ولموتها" وهو هنا يؤكد على تبعية هؤلاء لفكر متطرف فكر يهدم ولا يبني. إن هؤلاء البشر قد ضلوا الطريق وما علينا إلا أن نقف في وجوههم محاولين إفهامهم بالكلمة والفكر؛ لأن محاربة الفكر لا تكون إلا بالفكر، وهذا ما تبناه الشاعر في هذه القصيدة التي عبر من خلالها عما يجيش بصدور الكثيرين من أبناء هذا الوطن العظيم. ويناشدهم بالعود الحميد إلى رشدهم وأن يبتعدوا على العصبية القبلية الجاهلية وأن يبتعدوا عن شيوخ التكفير والضلال والقتل وسفك الدماء، يدعوهم أن يبتعدوا عن الوهم الذي زرع في عقولهم " هل تعقلون وترجعون لعقلكم؟. هل تقبلون بأن تعودوا. إلى صحيح ديننا ودينكم. ذاك الذي نبذ القطيعة والخصام. ذاك الذي نشر السكينة والسلام.