"اللي عنده معزة يربطها"!


16-3-2017 | 16:45


نجوى درديري,

تلقفت وسائل التواصل الاجتماعي بشكل ساخر ضاحك باكي الفيديو الشهير الذي كان بطل "هري" هذا الأسبوع؛ ويحمل تسجيلًا صوتيًا لرسالة يرد فيها طرف على الآخر عبر "جروب" على "واتس آب" خاص بمجموعة من الأمهات لإحدى المدارس، والرسالتان اللتان تم جمعهما في فيديو واحد تم تسريبه، كانتا لأم تشتكي من أن زميل طفلتها - البالغة من العمر سبعة أعوام، وهو أيضًا من عمرها - قد تحرش بابنتها، وقام بتقبيلها وحضنها خلال وجودهما بالمدرسة، وأنه في مرات سابقة قام بضربها وعضها.
حملت رسالة الأم المنفعلة، والتي بدأت بمخاطبة والدة الطفل، واصفة نفسها بأنها منتقبة وزوجها "ملتح"، ولا تقبل أن تختلط طفلتها بـ"البويز" وأن دينها يمنعها من ذلك، وناهيك عن الطريقة الركيكة التي تحدثت بها الأم عدة كلمات إنجليزية، منها الكيلاس، والتي التقطها مستخدموا السوشيال ميديا بشكل ساخر، خصوصًا بعد معرفة أن الطفلين في مدرسة دولية! فإن الأمر لم ينته عند ذلك الحد.
ولقد رد والد الطفل بمقطع صوتي هو الآخر - عبر واتس آب - بشكل رآه البعض كوميديًا، فيما رأى آخرون أن حديثه يحمل دلالات آل إليها حال المجتمع المصري من تدن في التربية والأخلاق في ظل سيطرة المادة، فقد حملت رسالته الصوتية عدة مقاطع غير لائقة مخاطبًا بها أم الطفلة منها "يا اختي" ويا "حبيبتشي"، ثم ختمها بأكثر الجمل تداولًا الآن على الفيسبوك قائلًا" ابني يبوس إللي هو عايزه" و"اللي عنده معزة يربطها"، في إشارة منه إلى الطفلة واصفًا إياها بأنها "معزة"، وأن ابنه ليس مخطئًا، وعلى أمها أن تربطها أي تربيها وتبعدها عن ابنه، خاتمًا الرسالة بجملة "السلام عليكم ورحمة الله وبركاته" بشكل هادئ ورصين، بعد تسجيل عاصف!.
أدلى كلا الطرفين بدلوه، وعبر بشكل واضح وصريح وصادم عما وصل إليه حال المجتمع، من مفاهيم مغلوطة حول الدين والتربية، وكذلك علم نفس الأطفال، فالأم وصفت نفسها بأنها منتقبة وزوجها ملتح، وأن دينها تقصد الدين الإسلامي ينهاها عن الاختلاط، في الوقت الذي تناقض فيه الأم نفسها، وتلحق طفلتها بمدرسة مشتركة، برغم وجود مدارس كثيرة للبنات فقط!، بينما رأى والد الطفل أن ابنه حر فيما يفعل، يقبل من يريد، ويحضن من يريد، ضاربًا بكل الأخلاقيات عرض الحائط، ويبدو أنه صاحب "مفرخة" يخرج منها المتحرشون، يفعلون ما يشاءون في بنات الناس.
المتلقفون للفيديو اعتبروه في بادئ الأمر مادة ساخرة، وحللوا كل ما قد جاء فيه من تفاصيل؛ سواء في طريقة التحدث، أو في "الأكسنت" لدى الأم، أو الطريقة التي رد بها الطرف الآخر "والد الطفل"، في الحقيقة لم تصدمني كلمات والدة الطفلة تلك السيدة المنتقبة التي تغلق على نفسها وبناتها، وهي حرة في ذلك، ولكنها لا تعلم أنها غير قادرة على الحوار مع المجتمع الذي تعيش فيه، واكتفت بقشور الدين، وأخذت منه ما يتناسب مع فكرها وعقيدتها التي تربت عليها هي الأخرى، فالسجن لا يولد غير الظلام والقهر والذل، وهي لا تعلم أنها بذلك تقضي على فطرة الطفولة والبراءة التي أنعم بها الله على الأطفال، ليكونوا على سجيتهم، فربما كانت قبلة ذلك الطفل ذي الأعوام السبعة لطفلتها براءة اعتذر بها لها عما بدر منه مسبقًا عندما ضربها كما قالت.
أما والد الطفل، والذي اعتبر الطفلة أو المرأة من - وجهة نظره - "معزة" وأنه يجب ربطها حتى لا يتحرش بها أحد، لا يقل عن صاحبة النقاب في شيء، فالطرفان يتبعان نفس المنهج، الأم لا تريد طفلتها تختلط بـ"البويز" وتخرج ما عاشته من قهر وذل وقمع كامرأة أنهته بارتدائها للنقاب، راغبة في أن تكون طفلتها البالغة من العمر ستة أعوام على شاكلتها، والأب يترك لابنه العنان، وأن يفعل ما يشاء لأنه "ذكر"، وأن المخطئة هي الطفلة، فلو كانت "متربية" - حسبما قال في الفيديو - لما اقتربت من ابنه، ويتبع والد الطفل في ذلك مبدأ المتحرشين، الذين يرون أن المرأة، هي السبب الرئيسي في التحرش بملابسها العارية، واختلاطها بهم في المواصلات العامة والعمل والمدارس والجامعات، كلا الطرفان يقمعان المرأة أو الطفلة التي ستكون امرأة، واعتبارها "معزة" يتم ربطها في أي جذع عفن.
وينقلك محتوى التسجيل الصوتي بين طرفين يمثلان أسرتين مصريتين، وفرت لهم الظروف مالًا ليلحقا به أطفالهما بمدرسة دولية، إلى دور المدرسة وغيابها في براثن الرجعية وافتقاد الدور التربوي، برغم التقدم الظاهري في الشكل وليس الكيف، والبحث عن "سبوبة" التعليم وفقط، وعن وزارة التربية والتعليم الغائبة في غيابات الجُب، وصوتها "الصامت" دائمًا، وأن آخرها سيكون لجنة "تشرب شاي بالياسمين" ثم تعود بتقرير لصالح المدرسة!