هل لعبت السياسة والصهيونية دورًا في فوز الأمريكي بوب ديلان بنوبل للآداب؟


18-10-2016 | 11:01


منة الله الأبيض - محمد فايز جاد

ديناميتُ آخر يتفجر ويتجدد سنويًا قبل وعقب الإعلان عن اسم الفائز بجائزة نوبل للآداب، هو ديناميتُ مغايرٌ لاختراع ألفريد نوبل (1833 – 1896)، كون شظاياه تُشعل الأوساط الثقافية العالمية، وتستفز الأقلام الصحفية. كذلك من توابعه، أن تهب عاصفة من الاتهامات والإطراء بشأن قرار لجنة "نوبل" السنوي.

وقبل أن يلتقط التاريخ صورة أبدية تُحفر بين ثنايا صفحاته لحائز نوبل للآداب، لا يفلتُ أبدًا فائزها من الوقوع بين مرارة المطرقة والسندان.

وفوز الفنان والشاعر الغنائي الأمريكي بوب ديلان، البالغ من العمر 75 عامًا، هذا العام 2016 بالجائزة، أثار حفيظة كثير من الأدباء، وبدا استياؤهم يتمحور حول فكرة أن جائزة نوبل للآداب، وهي الجائزة الأغلى والأشهر في العالم مخصصة فقط للأدباء، وكل من أنتج أدبًا.

كما أثار حالة من الفرح لدى الأمريكيين، لشعورهم بالظلم، وتحيز لجنة "نوبل" ضد الأمريكيين في مجال الآداب في الأعوام الفائتة التي غضت فيها "نوبل" بصرها عن المبدعين الأمريكيين، كما هو الحال بالنسبة للعرب.

وبوب ديلان بدأ حياته الفنية كمغنٍ للـfolk ، أو ما يمكن أن يسمى بالأغاني التراثية، في المقاهي، بعد أن كون فرقة موسيقة خاصة به، مقتفيًا أثر مغني الروك الشهير إلفيس بريسيلي. وكانت فترة الستينيات هي الفترة الذهبية في حياة ديلان، حيث قدم مجموعة من الأغاني التي تفاعلت معها الجماهير، وما زالت تتفاعل معها حتى الآن، وعلى رأسها أغنية "Blowin' in the Wind" التي قدمها في أحد ألبوماته عام 1963، ليأتي ألبومه التالي The Times They Are A-Changin"" فيجعله أحد أشهر كتاب الأغنية الفلكلورية في تلك الحقبة.

تختلف تبريرات سارة دانيوس، رئيس الأكاديمية السويدية، في حيثيات منح جائزة نوبل لـ"ديلان"، التي بدت كأنها تروّج نوعًا جديدًا ومغايرًا لتعريف الأدب العالمي، وتخرج على القالب المعهود لنوبل، والتي اتبعته مُنذ تأسيس الجائزة، لتتناقض مع ما قاله بيتر إنجلند، السكرتير الدائم للأكاديمية السويدية، في إجابته عن سؤال حول اختيار تخصص الفائز بالجائزة، والمنشورة على موقع نوبل الرسمي، حيث قال نصًا: "الشخص الذي يحصل على جائزة نوبل للآداب يجب أن يكون أنتج أو خلق أدبًا".

وجاء في حيثيات "دانيوس" لمنح جائزة نوبل للآداب لـ"ديلان" التالي: أنه "خلق تعبيرات شعرية جديدة ضمن التراث الغنائي الأمريكي العظيم، كما يجسد بوب ديلان التراث، وكان في القلب منه لمدة 54 عامًا، يعيد إنتاج نفسه بشكل مستمر، ويخلق هوية جديدة، وعندما تنظر إلى الوراء فأنت تجد هويمروس وسافو، لقد أنتجا نصوصًا شعرية كان الغرض منها أن تسمع، وتؤدى، وغالبًا مع آلات موسيقية، والأمر نفسه بالنسبة لبوب ديلان. ما زلنا نقرأ هوميروس وسافو ونستمتع بهما، الأمر نفسه بالنسبة لديلان، هو من الممكن أن يقرأ، ولابد أن يقرأ".

الاعتراضات المثارة دائمًا حول مدى أحقية الكتاب الأمريكيين بالجائزة، والتي نراها في وثائق اللجنة المفرج عنها، ترتكز على أنهم ليسوا مؤثرين خارج نطاق بلادهم، ولكن الاعتراضات بالنسبة لـ"ديلان" قد تذهب إلى تأثيره خارج الولايات المتحدة، ولكن في مكان مختلف، وهي "فلسطين المحتلة".

الجائزة المتهمة من كثير من العرب، والمهتمين بالشأن العرب، بمحاباة الكيان الصهيوني، ذهبت إلى كاتب لطالما حظي باهتمام كبير من المواقع الصهيونية المتطرفة دينيًا، والتي راحت تصفه، قبل سنوات، بأنه صهيوني المذهب، متحمس جدًا للدولة السرطانية، ولكنها تبقى كلها تخرصات لا داعم لها، قبل أن تخرج صحيفة "هآرتس" الصهيونية لتحسم الجدال.

الصحيفة الصهيونية الشهيرة نشرت تقريرًا في يوليو الماضي، أي قبل فوز المغني الشهير بالجائزة بثلاثة أشهر، حول قيام شخصين صهيونيين خلال فترة الستينيات بتعليم "ديلان" اللغة العبرية، وتعريفه بالصهيونية.

ويشير التقرير إلى أن "ديلان" كان متحمسًا للغاية، رغم تعلمه العبرية، اللغة الميتة الصعبة، ببطء، ولكنه، حسب التقرير، كان متحمسًا للكيان الصهيوني، ليؤكد حماسه بزيارة فلسطين المحتلة، وحائط المبكى تحديدًا.

وفي السنوات الأخيرة أثير جدل كبير حول ما إذا كان ديلان سيحيي حفلًا في فلسطين المحتلة، وهو الأمر الذي اهتمت به الصحيفة اهتمامًا غير عادي، قبل أن يحسم بوب الجدل، ليغني في فلسطين المحتلة.

ربما تكون أمورًا غير ذات دلالة، ولكنه أيضًا يبقي السؤال مفتوحًا حول الدور السياسي للجائزة، بخاصة إذا ما أخذنا في الاعتبار ما أثير حول فوز البلاروسية سفيتلانا أليكسيفيتش بالجائزة في نسختها قبل الأخيرة.

"سفيتلانا أليكسيفتش"، من مواليد 31 مايو 1948 ، في بلدة أوكرانية، لأب بيلاروسي وأم أوكرانية. بعد أن أنهى والدها خدمته العسكرية انتقلت عائلتها إلى بلاروسيا حيث عمل والداها كمعلمين، في حين درست هي الصحافة، لتعمل في بداية حياتها العملة كمراسلة صحفية في بلدة نافارول.

دخلت أليكسيفيتش عالم الكتابة عن طريق القصة القصيرة، لكنها سرعان ما تأثرت بالكاتب البيلاروسي "أليس أداموفيتش" الذي ابتكر جنسا أدبيا جديدا صار يعرف بـ"الرواية الجماعية".

السرد الواقعي والسير الذاتية والشهادات الحيّة، أبرز ما يميز قلم "أليكسيفيتش"، فهي تبحث عن نوع الكتابة الذي من شأنه أن يكون أكثر ملاءمة للعالم، فاختارت النوع حيث تتحدث الأصوات البشرية، أناس حقيقيون تسمعهم في أعمالها، يسردون ويلات الحروب، وكارثة تشيرنوبل، وسقوط الإمبراطورية العظيمة.

كتابات "أليكسيفتش" أوقعتها في أزمة سياسية مع النظام السوفيتي، ومن ثم مع النظام البيلاروسي، الأمر الذي أجبرها على السفر للخارج لتتنقل بين عدة بلدان أوروبية كإيطاليا وألمانيا وفرنسا والسويد.

وفي حين تصاعد التوتر بين الولايات المتحدة الأمريكية وروسيا في الآونة الأخيرة، واشتعال "الحرب الباردة" بينهما، يُحسب لنوبل، أنها جمعت الأمريكي بوب ديلان والبلاروسية سفيتلانا أليكسيفتش على مائدة واحدة، حيث يجمعهما شبه توجه واحد، باشتهار "سفيتلانا" بانتقادها للاتحاد السوفيتي، وتوافق الأمريكي "ديلان" مع الصهيونية. فهل تُغازل "نوبل" السياسة الأمريكية؟