"حارس الفيسبوك".. بناء روائي مركب يفضح العالم الافتراضي


14-3-2017 | 11:01


حارس كامل يوسف ,

بعد ست مجموعات قصصية جاءت رواية "حارس الفيسبوك" للقاص والروائي شريف صالح، وهي رواية شيقة تتكون من 36 فصلا.
اعتمدت الرواية في بنائها على أسلوب جديد وغير مألوف للقراء؛ حيث بدأت أحداثها من النهاية إلى البداية، على طريقة فيلم "The moment"، حتى إنه بدأ ترتيب الفصول من رقم 36، الذي يحمل عنوان "تقرير موقع "فيروس"، وهكذا حتى يصل إلى الفصل رقم 1 الذي يحمل عنوان "يوم القيامة الافتراضي"، وهي طريقة صعبة ومركبة، تحتاج إلى براعة للإمساك بالأحداث وتفاصيلها الكثيرة وعدم الإفلات بأي منها، وهو ما نجح فيه الكاتب من وجهة نظري، وكأنه كتب الأحداث وفقًًا لترتيبها الطبيعي من الفصل رقم 1 حتى الفصل رقم 36، ثم أعاد بناءها وفقًا لما جاء بالرواية.تدور الأحداث في فترة زمنية قصيرة تبلغ 12 ساعة، من التاسعة مساء حتى التاسعة صباحًا، لكنها مليئة بالأحداث المعقدة والمتشابكة لكل أبطالها، التي تمضي وكأنها حياة لكل منهم.وتناقش الرواية، في أسلوب مشوق، ما يحدث مع مستخدمي ورواد صفحات التواصل الاجتماعي "الفيسبوك"، أو على الأدق مدمنيه، وتحول عالمهم الافتراضي إلى واقعي، والواقعي إلى افتراضي، وما يحدث وراء ذلك من انهيارات في حياتهم وأخلاقهم، ويربط الكاتب تلك الأحداث بطريقة مثيرة يمزج فيها بين انهيار الواقع الحقيقي والواقع الافتراضي والتداخل الكبير بينهما حتى إنك تشعر أنهما جزءان لا ينفصلان عن بعضهما البعض.تبدأ الرواية بسؤال بنيت عليه بقية الأحداث أو هو الثيمة الأساسية: "ماذا لو انهارت صفحتك إلى الأبد؟ سقطت مثل ورقة شجر؟ لو أصبح بإمكان أي شخص أن يرى "الشات" الذي تقوم به؟".من هذا السؤال تنطلق الرواية في فضح كل الرسائل الخاصة والعلاقات السرية لمستخدمي الفيسبوك، وهو ما تم وصفه بدقة "يوم القيامة الافتراضي".تعددت الشخصيات داخل الرواية رغم حجمها الصغير، ورغم ذلك يشعر القارئ كأنه يعرف كل حياتهم، وهو أسلوب برع فيه الكاتب؛ لما يمتلكه من أدواته، والتي اكتسبها من قدرته الكبيرة في كتابة القصة القصيرة.وشيئًا فشيئًا سيجد القارئ نفسه متورطًا لمعرفة ما حدث لهدى وحيرتها الشديدة بين ذهابها إلى خالها المريض، بعد تلقيها لاتصال منه، وخوفها عليه، لكن قبل ذهابها إليه، يأتيها اتصال آخر من زوجها عبد الرحمن، يطلب منها أن تذهب إلى أبيه، لسحب عشرين ألف جنيه، بعد أن تم احتجازه في قسم الشرطة، ثم نكتشف في الفصول التالية علاقة زوجها بمهلبية، التي ورطته في قضية لم يرتكبها، وجاء عنوان الفصل رقم 33 أصدق تعبير لما هو فيه "طريقة من ألف طريقة لتهذيب مواطن".كما نتعرف داخل الرواية على زيزو وعلاقاته النسائية المتعددة وأشهرها مع مهلبية التي أوشك أن يسقط في يدي زوجها، لولا هروبه من البلكونة، وترك حذاءه وراءه، حيث استخدمه رشدي زوج مهلبية كدليل في ابتزاز عبد الرحمن.وفي الفصول التالية تتكشف أكثر العلاقات المركبة والمتشابكة بين كل شخصيات الرواية، فها هي ذي منال، الفتاة المتحررة، التي صاحبت الشاب اليهودي، كانت على علاقة بأستاذها علوي من قبله، وهو نفسه الرجل الذي تعمل هدى لديه كسكرتيرة. إلى أن نكتشف الحقيقة الصادمة للواقع الافتراضي الذي يعيشه الناس على صفحات الفيسبوك أو ما يسمى شبكات التواصل الاجتماعي، والذي تحول إلى واقع داخل حياتهم، لا يستطيعون الإفلات منه، وما نتج عنه من انهيار في العلاقات الأسرية، والفوضى الشديدة في حياتهم، كانهيار صفحاتهم تمامًا.وقد تتابعت الأحداث في قالب وحبكة مشوقة، تجعل القارئ يمسك بالرواية منذ بدايتها وحتى نهايتها دون أن يمل من قراءتها. كما جاءت لغة الرواية سلسلة ومن صميم ما يستخدم على صفحات الفيسبوك، وكأن الكاتب انتقى كلماته بعناية شديدة حتى تلائم الأحداث والشخصيات.وفي النهاية سيجد القارئ نفسه أمام مشكلة كبيرة وهي أن الرواية لن تجيب على كل أسئلته إلا بالقدر اليسير، ولن تعطيه نهاية للأحداث بصورة كافية لإشباعه، بخاصة للقارئ العادي، الذي يريد أن يعرف كل التفاصيل، بعيدًا عما يمكن أن يكتشفه بمهارة خاصة ووعي شديد داخل الفصول، وسط الأحداث المتلاحقة. فمثلًا ماذا جرى لعبد الرحمن داخل القسم وتورطه مع مهلبية، وماذا فعلت هدى؟ هل ذهبت إلى خالها أم زوجها؟ كذلك علاقة زيزو بمهلبية، وعلاقة منال بصديقها اليهودي. كلها أسئلة سيجد القارئ نفسه عليه أن يعيد قراءة الرواية مرة أخرى أو أكثر، ليكتشفها، وهي تقنية وضح تأثر الكاتب فيها بفن كتابة القصة القصيرة وولعه بها، والتي تعتمد على عدم الإجابة على كل الأسئلة، وعلى القارئ الواعي أن يكتشفها بنفسه.