رواية "رئيس التحرير".. وملاحظات كثيرة


18-2-2017 | 11:34


صبحي فحماوي,

في روايته "رئيس التحرير"، الصادرة مؤخرًا عن دار "الآن ناشرون" بعمان، تقرأ لأحمد فضل شبلول بعض السطور (ص5) تفهم منها أو منه أشياء كثيرة: "لم أخبر أحدًا أنه جار تعاقدي مع مجلة خليجية، بخاصة أصدقائي القاهريين الذين من المؤكد سوف يحاولون خطف هذه الفرصة، وترشيح أحد منهم..." وهذا يوحي بأن هناك منافسة ليوسف عبد العزيز الإسكندراني من زملائه القاهريين؛ حيث أن تركيز الثقافة عادة ما يتم في العواصم العربية، وعلى مثقفي أو مدعي الثقافة في هذه العواصم، وذلك على حساب حصص مثقفي الأقاليم، الذين لا يصلهم إلا فتات الثقافة المركزية، والقاهرة ليست استثناء في هذا المجال، بعكس ما نراه في دول العالم الأخرى مثل مدينة كان الفرنسية، وفرانكفورت الألمانية، ونيويورك الأمريكية، وسان بطرسبرغ الروسية، وغيرها من غير العواصم العالمية، حيث يزداد النشاط الثقافي بعيدًا عن العواصم.كان المؤلف أحمد شبلول في هذه الرواية يثير قضية ثقافية عربية بحاجة إلى مواجهة، وذلك للتنوير على مثقفي الأقاليم العرب، وليس المصريين وحدهم، وعلى إبداعاتهم الثقافية، وهذا هو المطلوب من الرواية الحداثية، أن تشرح صدر القارىء بما تكتبه عن همومه وتحدياته المهنية والاجتماعية والنفسية.والرواية تذكرنا بأوجاع انتفاضة 18، 19 يناير 1977، التي أطلق عليها السادات "انتفاضة الحرامية" وتصور بعض الشعارات التي كان يجأر بها الشعب، مثل: "يا ساكنين القصور..الفقراء عايشين في قبور" وقولهم( ص-11): "سيد مرعي يا سيد بيه..كيلو اللحمة بقى بجنيه"..ما بالك لو كتب عن سعر كيلو اللحمة اليوم الذي يزيد عن مائة جنيه؟ وتجد أن هذه الرواية "عالم صحافة" يسجل كثيرًا من الأحداث الوطنية المفصلية في الوطن العربي؛ إذ نقرأ في (ص144) عن "الفوضى الخلاقة" التي جاءت بها سيئة الذكر (كوندليزا رايس)، وعن إشعال الشاب محمد البوعزيزي النار في نفسه، وعن مقتل الشاب خالد سعيد في الإسكندرية على يد أفراد الشرطة، وغيرها وغيرها كثير مثل أحداث ماسبيرو و... تجده في كل هذا السرد يقف إلى جانب الفقراء المضطهدين.وفي ص-14 - من الرواية يكتب مباشرة، ودون تماه في الخيال الروائي الضبابي: "وصلني رد من رئيس تحرير مجلة "الثقافة العربية" الليبية، يخبرني فيه بنشر القصيدة... في مساء اليوم نفسه، جاءني أول استدعاء من مباحث أمن الدولة..."ومما يحزنك قراءته، بعد أن غادر رئيس تحرير الصحيفة الخليجية مكتب الشاعر فاروق جويدة، سأله يوسف عن سبب رفضه عرض الخليجي، الإشراف على القسم الثقافي في الصحيفة، مع مغريات مالية كثيرة، فقال جويدة(ص36): إن رئيس التحرير هذا يقول لي الآن يا أستاذنا، وأيها الشاعر الكبير، ولكنني لو ذهبت إلى هناك، واشتغلت بالجريدة، فسوف يقول لي: يا فاروق، يا أنت..! دون حتى ذكر الاسم."وبعكس كثير من الكتاب المصريين الذين لا يذكرون في كتاباتهم سوى الثقافة المصرية، والمثقفين المصريين، تجد شبلول يكتب في (ص 41) عن شعراء ومبدعين عرب مثل نزار قباني، وسعيد عقل، وبشارة الخوري، ومحمد الماغوط، وفيروز، تمامًا كما يتحدث عن منى فارس الإسكندرانية، وفاروق جويدة المصري، ولم ينس أن يصور ليالي ذهابه إلى مقهى"ساعة صفا" ليقضي فيه الوقت مع أصدقائه العرب، بعد انتهاء الدوام لتدخين الشيشة وشرب الدارسين"القرفة بالحليب" والاستماع إلى حكايات المغتربين المصريين والسوريين والأردنيين والفلسطينيين والسودانيين. وفي هذا وحده مؤشر على عروبية أحمد شبلول بنصوصه وإبداعاته، ونهجه. وهذا ما جعله ينتشر عربيًا محبة وتقديرًا، وحتى نشره لهذه الرواية في الأردن، وليس في مصر، لخير دليل على انتمائه العروبي أولًا وأخيرًا، وكأنه يخلف في هذا النهج الروائي الكبير يوسف القعيد، الذي يصر دائمًا على قوله أنه: "روائي عربي" وليس روائيًا مصريًا".ولم تخل رواية "رئيس التحرير" من الشعر الذي يعرف به أحمد شبلول؛ إذ نقرأ لعاشق أمه؛ الإسكندرية (ص48)"البحر في فمي واسكندرية المهاجرةتبيت في دميوتستحم في ضلوعي وترتمي على رمال غربتي."يحزنك أنه قد حدث مع يوسف عبد العزيز نفس ما فكر به فاروق جويدة؛ إذ أنه وصل إلى مكتب رئيس تحرير المجلة الخليجية، "فقال له، دون أن يشير إليه بالجلوس: لا تجادلني في الاجتماعات، هل لاحظت أحدًا غيرك تحدث اليوم؟" هكذا هم يعاملونك عندما تكون في حوزتهم، لا يريدونك أن تناقش، أو تعترض، أو تزعج ذهن أحدهم فتضطره للتفكير، ما هذا الوسط العربي المتقارب المتضاد، ليسوا زملاءه المصريين فقط، بل حتى رئيس التحرير يؤكد على "حضرته" مصانة غير مربكة بالأسئلة والرأي الآخر، وليس هذا فحسب، بل إن رئيس التحرير الذي منعه من الجلوس في حضرته، يريد منه أن يتجسس على زملائه، وينقل له كل ما يدور بالمجلة من أحاديث؛ إذ يقول (ص53) "يريدني أن أنقل له ما يدور وما يقال هناك أيضًا، ومتى أدخل الحمام ومتى أخرج" وبهذا الأسلوب السردي نكتشف سخرية لاذعة في كتابات شبلول، يندر أن تجدها بين الروائيين العرب، سخرية تجعل شبلول يكتب بالسكين، وهو الصامت اجتماعيًا، الثائر على تحكُّم رأس المال، تحكُّم صاحب الوظيفة، تحكُّم "رئيس التحرير" بمن يدفع لهم القرش، ولا يستثني شبلول من تلك السخرية تحكم زملائه المصريين به، إذ يلفق أحدهم رسالة كيدية إلى رئيس تحرير المجلة الثقافية، هدفها الوقيعة بين يوسف ورئيس التحرير، وذلك لتشويه سمعة يوسف عبد العزيز المهنية، ممهورة باسم مصطنع هو د.زهرة بيروك- جامعة الرباط- المملكة المغربية. فيضحك يوسف قائلًا إنه لا توجد أصلًا جامعة في المغرب اسمها جامعة الرباط.إنه نقد أدبي لسلوك أفراد المجتمع المصري والعربي، بعضه ببعض.وفي (ص70) يفضح يوسف عبد العزيز مهنة الصحفي، ويفضح أوراق الصحافة؛ إذ يعلن أنه كان يكتب المقال الافتتاحي الذي ينشر باسم "رئيس التحرير"، الله أكبر، إذن لماذا يعينون "رئيس التحرير"، ليكون "رئيس تحرير"؟ أليس لكفاءته في كتابة أفضل مقال، أو افتتاحية؟ ألم يكن محمد حسنين هيكل هو أفضل من يكتب مقال الجمعة في "الأهرام"، الذي ينتظره كل العرب فيشترون الجريدة فقط لقراءة مقال هيكل، ويعيشون يوم الجمعة يتفحصون هذا المقال، ويفسرونه، ويفهمونه ويتبعون أحسنه؟ ولكن هذا لا يحصل مع رئيس تحرير مجلة يوسف عبد العزيز.ولا أخفي عليكم أن ما حصل مع يوسف عبد العزيز قد حصل معي -كاتب هذا المقال- شخصيًا، عندما أمرني وزيري في العمل أن أكتب له مقالًا مطولًا لينشر باسمه في الصحيفة التي كنت أعمل فيها محررًا، فكانت نتيجة رفضي زحلقتي من الوظيفة وإنهاء عملي، بطرق لا يعرفها سوى معالي الوزير. وبهذا الأسلوب السردي الروائي الجميل يرسخ شبلول الكرامة الإنسانية للصحفي العربي، أو الإنسان حيثما كان، والذي لا يتسع الوقت لذكر محاسنه، مما يضطر القارئ هنا لقراءة الرواية بالضرورة، ليعرف معانيها وشؤون وشجون الرواية الحديثة.كنت فقط أتمنى لو أنه لم يكتب تحت عنوان الرواية"أهواء السيرة الذاتية".