ليس جديدا اجتراء اللصوص على سرقة المساجد. فاللصوصية بطبعها لا تعرف ولا يهمها ماهو الحلال ولا الحرام ولكن أن تتم سرقة منير أثري ويخرج به اللصوص دون أن يشعر بهم أحد ؛ فتلك عجيبة. والأعجب من ذلك كله أن تملص الجهات الرسمية من مسئولية السرقة.
هل انتهت العجائب ؟.
الإجابة لا فهناك أعجوبة الأعاجيب هي أن المنبر قد تمت سرقته في توقيت مجهول ممتد منذ 17 عاما هي الفاصلة مابين خروج آخر المصلين منذ عام 1993 من مسجد "قاني باي الرماح" وحتى اكتشاف السرقة. وتتوالى الأعاجيب في الاتهامات المتبادلة بين الثقافة والأوقاف عن من المسئول عن إهمال حراسة المسجد؟. وهنا تنتهي القضية مثل قضايا أكبر سبقتها إلى المجهول.
ربما المدهش أيضا ليس في حادث السرقة أو إغلاق مسجد "قاني باي الرماح" الملحق لمسجد السلطان حسن فقط، وإنما الغريب أن طول المنبر يبلغ خمسة أمتار، لكن المرجح أن يكون تم فكه إلى أجزاء قد تسربت قطعة تلو الأخرى عند خروج السارق المتمكن والمقدر لقيمة هذا الأثر، وتفرق دم المنبر المسلوب بين عدة مسئوليات كل منها تحيل المسئولية على الأخرى، فالثقافة تقول :إن المسجد تابع للأوقاف، والأوقاف تتملص من ذلك وتدعي أن الآثار تسلمت المسجد للترميم.. وكلنا حائرون بين الجميع. والطريف أن اكتشاف سرقة المنبر جاءت من قبل مسئولي الآثار عندما عرفوا بالواقعة عند المرور الدوري الذي تقوم به إدارة الآثار الإسلامية للتفتيش على المساجد الأثرية.
كان ذلك منذ ثلاثة أشهر وأبلغوا الشرطة ووزارة الأوقاف، ولكن لم يعلن عنها في حينها حتى تسرب الخبر، فتبادلت الوزارتان بهيئاتهما المختلفة الاتهامات، وإن كان د. فرج فضة رئيس قطاع الآثار الإسلامية قد أكد أنه لم يتم تسليم المسجد للآثار حتى الآن، لأن المتبع عند عمل مشروع ترميم لأي مسجد يتم بموجبه عمل محضر رسمي بتسلم القطاع من الأوقاف مسجل فيه الحالة التي عليها المسجد ثم تسليمه للشركة المنفذة للترميم وفور الانتهاء يجري عمل محضر ثان لتسليم المسجد بعد ترميمه لوزارة الأوقاف، حيث إن المساجد تابعة وملك لها، طبقاً لقانون حماية الآثار "رقم 117 مادة 6" الذي يقول :إن جميع الآثار ملكية عامة ما عدا ما كان وقفاً، وبالتالي فجميع المساجد تابعة وملكا للأوقاف، ودور الآثار هو الإشراف الفني فقط على ما يمثل منها قيمة أثرية.
كشف "فضة" لـ"بوابة الأهرام" أن وزير الأوقاف منذ عامين أصدر قرارا بتشكيل لجنة كبيرة من الوزارة لحصر المساجد الأثرية وتكليف إحدى شركات الحراسة لتأمينها وحراستها، وتعاوناً من وزارة الثقافة –على حد تعبير فرج فضة رئيس قطاع الآثار الإسلامية- صدر قرار من مجلس الإدارة بمساهمة المجلس الأعلى للآثار بتحمل نصف تكلفة هذه الشركات لحماية المساجد الأثرية، وعند الاستفسار عن تلك الشركات كان الرد أنه جاري البحث عن شركة متخصصة في الأمن، وحتى الآن لم يتم شيء وإن كانت سرقات المساجد ليست بجديدة فقد تكررت من قبل ولكن كانت مقتصرة على سرقة "حشوة" من جزء أو قطعة فنية من مسجد ولكنها الأولى من نوعها أن يكون "منبرا" وبهذا الحجم، والمعروف أن التشكيلات الزخرفية الكبيرة بشكل عام لا تُصنع كقطعة واحدة وإنما تجزأ ويتم تركيبها فوق بعض حتى يكتمل الشكل الفني العام.
ويتردد بعد هذه الحادثة مطالبة كثير من الأثريين باستقلال المجلس الأعلى للآثار في وزارة تتبع رئاسة الجمهورية مباشرة وهذا ما يكرره الدكتور علي رضوان رئيس اتحاد الأثريين مطالبا بإصدار قرار جمهوري لإنشاء وزارة مستقلة للآثار باعتبارها ثروة قومية وثقافية وأن تصبح وزارة سيادية مثل وزارة الدفاع.