"تجميد البويضات" أباحه الشرع بشروط.. ورفضه المجتمع.. وطوق النجاة للمتأخرات في الزواج ليصبحن أمهات


16-3-2017 | 12:26


نجوى درديري,

تظل قضية تجميد بويضات المرأة شائكة اجتماعيًا ودينيًا؛ وبرغم تقدم العلم في هذا الإطار بشكل مذهل؛ يبقى المجتمع متحفظًا ويقف حائلًا دون الاعتراف بها؛ وإن كان الدين الإسلامي لا يحرم عملية التجميد تحريمًا تامًا ويسمح بها في حالات بعينها سواء طبيًا أو عند الزواج فى سن متأخر مما يتسبب في تأخير الإنجاب.كانت الشابة شريهان نور الدين منذ فترة قريبة، قد فتحت أعين المجتمع مرة أخرى على تلك القضية حينما طرحت فيديو لها بثته عبر صفحتها الشخصية على "الفيسبوك"؛ تطلب فيه شراء حيوان منوي من أي شاب؛ لافتة إلى أن سن الزواج تأخر بها وأن نسبة الحمل لديها بناءً على التحاليل الطبية لا تتجاوز الـ 40% فقط، وكان الأمر الأكثر أهمية في حديثها هي أنها توفر أموالًا كثيرة لتجميد بويضاتها الخاصة، حتى يتسنى لها الحمل في حالة دخولها مرحلة سن اليأس.نور الدين لم تطرح فكرة جديدة على المجتمع عمومًا فهناك كثير من بنوك تخصيب الأجنة بالفعل تعمل في مجال تجميد البويضات، وإن كانت بنسبة قليلة للغاية، وتتم في ظروف بعينها، ولكن الغريب في طرحها كان من الناحية الاجتماعية التي ترفض الفكرة من الأساس خصوصًا خارج إطار الزواج.تجميد البويضات طبيًا.ويقول الدكتور عمر عبد العزيز أستاذ النساء والتوليد لـ"بوابة الأهرام"، إن قضية تجميد البويضات وتخزينها لا زالت شائكة من الناحية الاجتماعية، وإن كان معترفًا بها من الناحية الطبية، وتخصص لها مراكز أطفال الأنابيب والتخصيب مساحة خاصة بها. ويلفت عبد العزيز، إلى أن المرأة لديها في كل مبيض ما يعادل 300 ألف بويضة؛ وأنه ببلوغها سن اليأس تتحول تلك البويضات إلى أجسام غير مفيدة، لافتًا إلى أن الكثيرات يلجأن في مصر لهذه العملية لأمراض صحية فقط كالإصابة بمرض عضال مثل السرطان-وتعرضهن للعلاج الإشعاعي والكيماوي مما يؤثر على صحة تلك البويضات– وكذلك الإصابة بالأمراض المعدية وأمراض نقص المناعة"الإيدز"، فيسرعن بعملية التجميد قبل أن تفسد تلك البويضات جراء المرض رغبة في عدم حرمان أنفسهن من الإنجاب، بعد شفائهن، بشرط أن يكون ذلك في إطار الزواج الشرعي والرسمي. وكانت شركات كبرى مثل الفيسبوك قد أعلنت من قبل أنها تسعى لتجميد بويضات الموظفات العاملات لديهن ودفع كافة التكاليف اللازمة وذلك لتحفيزهن على تأجيل الإنجاب، لعدم تعطيل سير العمل، ولكن في مصر والدول العربية لازال يكتنفه بعض التحفظ من قبل المجتمعات خوفًا من اختلاط الأنساب، رغم تأكيد عبد العزيز بوجود إجراءات أمنية مشددة تحول دون الوقوع في هذا الخطأ. عملية حفظ وتجميد البويضات تتكلف مبالغ كبيرة لذا لا يستطيع دفعها الكثيرين، وهي عملية رغم تطورها السريع علميًا إلا أنها شديدة التعقيد؛ وتحتاج إلى تكنولوجيا عالية حيث يتم استخراج البويضات من مبيض المرأة وتجميدها وتخزينها في سائل النيتروجين تحت تأثير درجة حرارة تصل إلى -147 درجة مئوية ويمكن أن تعيش البويضة ألف سنة، وفي حالة الحاجة لها يتم فك التجميد، وإخصاب البويضة بواسطة الحقن المجهرى أو عملية أطفال الأنابيب.في المجتمعات الغربية فكرة تجميد البويضات وتخزينها والتبرع بها أيضًا لسيدات متعثرات في الإنجاب أمر عادي ومرغوب فيه وتحميه القوانين؛ ومن الشائع أن تجد إعلانًا يطلب متبرعات لبويضات، أو عرض خاص على تكاليف تجميد البويضات، و طرح مركز طبي يوناني على مواقع التواصل الاجتماعي عرض لأسعار تجميد وتخزين البويضات، فتخزين الواحدة لمدة عام مثلًا يتكلف 1600 يورو، وتزداد القيمة على حسب المدة، وإذا كانت صاحبة البويضة تريد التبريد والتخزين في اليونان أو خارجها.أما الوضع في مصر فمختلف للغاية، ولا يلقى قبولًا كبيرًا سوى في إطار الزواج فقط، فحتى الفتيات الراغبات في تجميد بويضاتهن قبل بلوغهن سن اليأس ومع تأخر سن الزواج؛ لا يكون ذلك مقبولًا منهن إلا في إطار الزواج الرسمي.ووضعت الشريعة الإسلامية عدة ضوابط تحكم الأمر برمته، فلا تتركه حتى لا يحدث ما لا يحمد عقباه، ولا تقيده فتقف حائلًا أمام كثيرات يحتجن إلى تجميد البويضات في حالة المرض أو تأخر سن الزواج. وللدين رأي أيضًا .يقول الدكتور عبد الحليم منصور أستاذ الفقه المقارن بجامعة الأزهر، أنه لا يجوز للمرأة التي لم تتزوج أن يؤخذ منها بويضات لتجميدها إلى بعد الزواج لإكمال عملية التلقيح، ذلك لأن المرأة التي لم تتزوج لا حاجة لها لإجراء هذا الأمر، لأنها يمكن أن تكون صالحة للإنجاب بلا أي تدخل طبي.ويضف، لـ "بوابة الأهرام" إلى أن أخذ البويضات من المرأة قبل الزواج فيه عدة مفاسد منها:أنها تؤدي إلى مفسدة الإطلاع على عورة امرأة أجنبية بلا مسوغ شرعي، ومعلوم شرعًا أن الاطلاع على عورة المرأة الأجنبية إنما يُباح لأجل الضرورة المسوغة لذلك، وليس ثمة ضرورة في هذه الحالة؛ ولا حاجة لذلك وبالتالي فهذا عبث لا فائدة من ورائه فيكون محرمًا.ويضيف منصور، كما أن أخذ البويضات من هذه المرأة وتجميدها في بنوك الأجنة ربما يؤدي مع طول الوقت إلى ضياعها أو اختلاطها بغيرها، وهذا يؤدي إلى مفسدة اختلاط الأنساب، التي تنافي مقصود الشرع الحنيف في الحفاظ على الأنساب والأعراض. من المعلوم شرعًا أن الإسلام دين العلم، ويدعو إلى الاستفادة من منجزات العلم الحديث لإسعاد الإنسانية والبشرية، وتحقيق معاني الخلافة عن الله عز وجل بشكل صحيح، ولكن كل ذلك في إطار الضوابط الدينية والأخلاقية التي دعت إليها الأديان السماوية ومنها الشريعة الإسلامية .ويضيف منصور لـ"بوابة الأهرام" أنه في ظل وجود حالات عقم، أو حالات عدم القدرة على الإنجاب يمكن للمرضى الاستفادة مما أنجزته القرائح البشرية في مسألة الإنجاب من خلال التلقيح الصناعي الداخلي، أو الخارجي، عن طريق أخذ البويضة من المرأة والحيوان المنوي من الرجل، وإتمام عملية التلقيح خارجيًا، ثم بعد ذلك وضع اللقيحة أو الجنين في رحم المرأة، وهذه الصورة على النحو المشار إليه صحيحة وجائزة شرعًا.قد يحتاج التلقيح الصناعي إلى الحصول على عدد من البويضات تحسبا لفشل عملية التلقيح، فيقوم الطبيب بأخذ عدد من البويضات وتجميد بعضها في ثلاجات معينة معدة للحفظ وتحت درجة حرارة معينة حتى تبقى صالحة للاستخدام؛ ويخيف ذلك الكثيرين من الوقوع في خطأ خلط الأنساب ويجعلهم يرجعون خطوة للخلف قبل اتخاذ قرار التجميد. ويعقب شيخ الأزهر على ذلك بقوله، في هذه الحالة يتأتى القول بالجواز أيضًا بشرط أن يكون هناك من الضوابط ما يمنع من اختلاط الأنساب عن طريق اختلاط هذه العينات بغيرها، وأن يتم حفظ هذه البويضات لمدة قصيرة لحين الانتهاء من عملية التلقيح ثم التصرف فيها بإعدامها، أو تعريضها للتلف، حتى لا تختلط بغيرها، أو يساء استخدامها بعد ذلك، مؤكدًا على أن يقوم بإجراء هذه العملية طبيب ذو خبرة في هذا المجال، وأن يكون متحليا بالأخلاق الحميدة التي تمنعه من إساءة استخدام هذه العينات فإذا توافرت هذه الشروط والضوابط فهنا يتأتى القول بالجواز.والزواج العرفي زواج خارج دائرة الاعتراف به من الدولة المصرية وكل التشريعات تعمل على الحد منه، وإن كانت تعترف ببعض آثاره كالاعتراف بنسب الطفل، عن سبل الإنجاب حتى يؤمن حقوق أولاده، وكان السؤال المطروح هل يحق للمزوجة عرفيًا تجميد البويضات الخاصة بها والاستعانة بها في حالة الزواج العرفي؟. ويقول منصور لـ"بوابة الأهرام":إنه يُحرم اللجوء إلى هذه الوسيلة فيمن يتزوجون عرفيًا، ويحرم على الطبيب المعالج أن يساعد من هذه حالهم، بل عليه أن يتحقق من وجود رباط شرعي موثق من قبل الدولة قبل أن يجري هذه العملية.