ورحل ملحم بركات.."تلميذ الرحبانية الذى "اعتزل الغرام" مع ماجدة الرومى وحارب داعش بالبندقية


28-10-2016 | 16:35


أحمد عادل

كان يُنظر إليه باعتباره تلميذًا نجيبا لجيل ذهبي من الكبار الذين أرسوا أسس المدرسة اللبنانية في الغناء والتلحين، ولكن برحيله اليوم تكون تلك المدرسة قد فقدت أستاذا أثرى فن الغناء بطابعه اللحني الذي يجمع بين الطرب الأصيل و التجديد الموسيقى.. إنه المطرب والموسيقار اللبناني ملحم بركات الذي وافته المنية ظهر اليوم بعمر الحادية والسبعين.

ولد ملحم بركات في الخامس عشر من أغسطس عام 1945 ببلدة كفر شيما بين الدروب الخضراء لجبل لبنان، وبين أحضان تلك الطبيعة التي تفوح منها رائحة الليمون، وجد نفسه محاطا باثنين من عمالقة الطرب اللبناني ، أولهما الموسيقار فيلمون وهبي ، صاحب الأغاني الشهيرة لفيروز ، مثل "يا مرسال المراسيل، من عز النوم تسرقني، وجايبلى سلام، يا دارة دوري بينا" ، إلى جانب الموسيقار حليم الرومي، والد الفنان ماجدة الرومي.

أول من جذب ملحم بركات للغناء، كان والده الذي كان يعمل نجارًا للعيدان، ينشد بين الوقت والآخر أغاني عبد الوهاب، وكان الطفل الصغير ينتظر خروج أبيه ليلتقط العود ويدندن ذات الأغاني ، حتى أطلق عليه رفاقه الصغار"مطرب الضيعة"، ويتجمعون حوله ليغنى أغاني أم كلثوم وعبد الوهاب.

ظهرت موهبته الموسيقيّة منذ أن كان تلميذًا في مدرسة بلدته كفر شيما، فوضع أول ألحانه ليكون نشيدا لمدرسته، وأقبل على شراء الجرائد ليلحن كلماتها ، حينها نال استحسان الموسيقار حليم الرومي الذي أعجب بموهبته.

رغبته في دراسة الموسيقى كانت تصطدم برأي أبيه ، الذي كان يعنفه قائلا:"كيف ستغنى وهناك عبد الوهاب؟!"، ومع ذلك ترك ملحم الدراسة والتحق بالمعهد الوطني للموسيقى دون علم والده، إلى أن اكتشف والده الأمر، الذي عاد وقبل الأمر نظرًا لإصرار ابنه وموهبته الواعدة.

درس بركات آلة العود وأصول الغناء الشرقي ، وكان من بين أساتذته الموسيقار الكبير زكى ناصيف، وهنا عمل بنصيحة فيلمون وهبي الذي نصحه بالالتحاق بمسرح الرحابنة وفيروز، وبالفعل اشترك ملحم في عدد من مسرحيات فيروز التي كانت تقيمها على مسرح "البيكاديلى" ، ولعل أشهرها "أيام فخر الدين، الشخص".

أصبح ملحم تلميذًا نجيبًا فى مدرسة الرحابنة، وآمن الأخوان عاصي ومنصور بموهبة بركات، الذين رآوا فيه امتدادا لبطل مسرحياتهم الأول نصرى شمس الدين، وهنا تدخل فيلمون وهبى ناصحا إياه للمرة الثانية، ولكن نصيحته جاءت هذه المرة بضرورة الابتعاد عن آل رحبانى، قائلا له " يا ابني انت ولد موهوب لكن مع بيت الرحابنة لن تصل إلى الشهرة، إما أن تكون مكان نصري شمس الدين أو أقل منه، ولن يتركوك تتفوق عليه" .

وبالفعل كاد الرحابنة أن يوقعوا معه عقدا رفضه ملحم بركات، وتركهم بعد أداء مسرحية "الشخص" ، ليشق طريقه نحو عالم الغناء التلحين بمفرده، حاملا نصائح أبيه الروحى فيلمون وهبه بالبساطة فى اللحن والابتعاد عن التفلسف فى الموسيقى، وقام بإحياء العديد من الحفلات فوق المسارح العربية مثل قرطاج في تونس، وجرش في الأردن ، فضلا عن مسارح فرنسا، وأميركا، وأستراليا، وكندا، وغيرها من البلدان.

وبمرور الوقت لم يعد ملحم ظلا لـ"نصرى شمس الدين" كما أراد الرحابنة، بل تخطى هذه الخطوة بتلحينه لنصرى ذاته، حيث لحن له أشهر أغانيه المنفرده "الطربوش" بعد انفصال الشراكة بين الرحابنة وفيروز ونصرى أواخر السبعينيات .

لكن ملحم بركات وقع فى خطأ مشابه لذلك الخطأ الذي وقع فيه نصري شمس الدين حين انقطع لفيروز والرحابنه فقط، حين أخذ على نفسه أن يلحن الأغاني اللبنانية فقط ، وهو ما قلص من دائرة انتشاره فى الموسيقى العربية رغم عذوبة ألحانه المتجددة.

وبعد أن لحن لنصري شمس الدين ، بدأ بركات مسيرته بتلحين عددٍ من الأغاني والمسرحيات للشحرورة صباح، وصوت الجبل وديع الصافى، ثم انطلقت ألحانه لتصبح علامة فارقة مع سائر جيل الوسط في لبنان مثل ماجدة الرومي، ووليد توفيق، ونجوى كرم ، ووائل كافوري .

وكانت في الآونة الأخيرة قد انتشرت صورة للموسيقار اللبنانى ممسكًا ببندقية آلية مدافعا عن بلدته من هجمات بعض العناصر المؤيدة لتنظيم داعش الإرهابي، فذلك الرجل الذي بدأ حياته تلميذا فى القرية الرحبانية الحالمة التى تنشد الحب والسلام، أصبح مدافعا عنها هذه المرة ، ولكن ليس بالغناء فقط بل بالرصاص أيضا ضد دعاة العنف والإرهاب، وكأنه يوجه رساله لعشاقه "اعتزلت الغرام" في زمن لم يعد له من الحب نصيب.

وكان ملحم بركات قد اختتم مسيرته مع الألحان بأغنية "اعتزلت الغرام" للفنانة ماجدة الرومي، وهى من كلمات رفيق دربه الشاعر نزار فرنسيس، الذي نعاه اليوم قائًلا:" رفيق عمري راح، نفسي حزينة حتى الموت" .