من الاستخدامات اللغوية الخاطئة، التى تضر الحوار العام، ما يُقال عن «استعادة» الديمقراطية! وأن يتردَّد هذا فى شكل برنامج مطلبى يُوحِى بالجدية! وكأنه كان هنالك فى تاريخنا ديمقراطية تتفق مع القواعد المعمول بها فى الدول الديمقراطية، وأن استعادتها تلبى تطلعاتنا! ولا يشير القائل إلى ملامح هذه الديمقراطية السابقة التى ترضيه، كما أنه لا يحدد زمنها ولا يشير إلى رموزها وإلى خطابهم وممارستهم! اختصاراً للفكرة.
فإن الصحيح أن يُقال كلامٌ عن إنشاء الديمقراطية إنشاءً، بدلاً عن الاستعادة، ليس فقط لأنها لم تكن موجودة قط، ولكن لأنه يجب كشف تجارب ماضينا التى تتمحك فى الديمقراطية والتى لم تنطو على أهم شروطها وأوضح أمارتها! فلم يحدث فى تاريخ مصر تداول سلمى للحكم إلا فى استثناءات معدودة أعقبها ارتداد، ولم يكن هنالك اتفاق على نزاهة العملية الانتخابية، التى لا يكون الصندوق إلا أحد عناصرها، وإنما الثابت تاريخياً أن التحايل على إرادة الأغلبية كان هو الأصل! أضف أيضاً أن دستور 1923، الذى لا يزال البعض يمجده، كان يتحدث عن توريث الحكم وفق القانون «نمرة» 25، الذى أصدره الملك فؤاد بنفسه قبل الدستور، ثم جاء الدستور لينص على أن الملك يحكم بمساعدة الحكومة، ويشرع بمساعدة البرلمان، وليست هنالك نصوص تتحدث عن أى آلية تنظم مساءلته! فهل هنالك دليل أقوى من هذا على دسترة وتقنين الحكم الاستبدادي؟!
وعودة إلى أيامنا هذه، فإنه ينبغى أن نتذكر دائماً أن الديمقراطية ليست كائناً خارقا يولد مكتملاً ناضجاً، ولكنها تحتاج إلى نضال لبذرها ولرعاية إنباتها، مع تذكر أن التجارب التى نجحت فى تأسيس الديمقراطية تطلبت تضحيات ورؤى عملية، لأنه لم يحدث فى تاريخ الديمقراطيات المعتبرة أنها كانت هبة من السلطة. كما يجب، فى حالتنا، تحديد الخطر الكبير الذى يتهدد السعى للديمقراطية. لذلك ينبغى أن ندرس تجربة ثورة يناير وكيف انقض الإخوان عليها فأجهضوا عُودَها. أما أن يقال إن الإخوان ضحايا أعداء الديمقراطية، فهذه شهادة زور بأسوأ من أن تكون مجرد خطأ فى استخدام اللغة!.