لست أريد أن أتناول سقطة الإساءة لأهلنا في صعيد مصر بإعادة التأكيد على ما هو مؤكد عن الجذور الاجتماعية والثقافية والوطنية لأهل جنوب الوادى، ودورها غير المنكور في صياغة الوجدان الشعبى وتأصيل المعانى الحقيقية للكرم والشهامة بالمفاهيم الصحيحة لمعانى الشجاعة والرجولة، ولكننى أريد أن أتناول المسألة من زاوية المسئولية التى تقع على عاتق من يملكون منابر التوجيه ولديهم أدوات التأثير في الرأي.
ولعلى بداية أقول:إن المسئولية تتعاظم بمقدار الحرية وطالما أن مساحات الحرية آخذة في الاتساع في برامج «التوك شو»، التى يجرى بثها على الهواء مباشرة، فإن التأهيل المهنى والخبرة المتراكمة والنجومية الحاضرة لمقدمى هذه البرامج ليست وحدها صمامات الأمان لعدم الانزلاق نحو مثل هذا النوع من الأخطاء القاتلة، وإنما ينبغى وجود مدونة أداء وكراسة سلوكيات لا يجوز الخروج عليها بدلا من استمرار النهج القائل بأن الشعور بالمسئولية نتاج مباشر لممارسة الحرية عمليا والتى ليست خاضعة لوصاية أى رقيب، وإنما تعتمد فقط على تجربة الصواب والخطأ دون خوف ودون رهبة تؤدى إلى تثبيت فكر المتحدث وتلعثمه أمام المشاهدين.. وتلك مغالطة لا يجوز الأخذ بها!
نعم إن المسئولية مرادف طبيعى للحرية ولا يمكن في غياب الحرية أن تتضح أبعاد المسئولية، ولكن لابد من عملية تحديد جوهرية لحدود هذه الحرية وضوابطها التى ستكون بمثابة ميثاق واضح وملزم للأداء الإعلامى الرصين الذى ينشر الإحساس في النفوس بأن الإعلام أداة في خدمة الناس واحترام مشاعرهم، لا أن يبث رسالات خاطئة توحى بأن مهمة الإعلام الوصاية عليهم.
ولست أظن أن ما أتحدث عنه الآن يغيب عن فطنة أصحاب «الكار» وعلى رأسهم الرموز الوطنية الممسكة بمسئولية الهيئات الدستورية المكلفة بإدارة شئون الصحافة والإعلام.. وأتصور أن معالجة ما حدث هذه المرة ينبغى أن يكون شيئا جديدا يتجاوز ضرورات الاعتذار لأهل الصعيد مثلما يتجاوز القرارات التقليدية بمعاقبة المخطئين.
ولنكن صرحاء مع أنفسنا ونعترف بأن انفلات الإعلام المرئى بات ظاهرة مقلقة، وكما أنها ليست المرة الأولى فإنها أيضا لن تكون الأخيرة ما لم تكن هناك معايير واضحة لحرية الكلام على الهواء في البث المباشر، بحيث لا تترك أى مساحة للانفلات المسيء للمشاعر والأحاسيس ومن ثم لابد من وجود ضوابط صارمة تحت راية الفهم الصحيح بأنه لا حرية بدون مسئولية، والمسئولية هنا لا تقتصر على المذيعين ومقدمى البرامج فقط وإنما المسئولية تشمل المنظومة الإعلامية وفق اللوائح الحاكمة بما في ذلك المحاسبة الصارمة للقنوات الفضائية والقائمين عليها حسابا مهنيا وقضائيا وليس مجرد توقيع الغرامات المالية والإنذارات الشفوية والكتابية.
والمسألة ببساطة شديدة أنه في غياب المسئولية لا تحدثنى عن إعلام رشيد يخلو من الانفلات والعشوائية!
خير الكلام:
<< تكرار نفس السلوك سيؤدي فقط إلى نفس النتائج!