قمة «العلا» رقم «41» من القمم الخليجية، التى حملت إشارات جديدة، أو مختلفة، لعل أبرزها أنها كانت بعد مقاطعة خليجية، أو عربية، لأن مصر كانت طرفا فيها، (مقاطعة من مصر والسعودية والإمارات والبحرين لقطر)، وامتدت لما يقرب من ثلاث سنوات ونصف السنة.
إننى لا أميل فى مثل هذه القضايا إلى التبسيط المخل، نظرا لأهميتها، وحساسيتها المفرطة، إلى أن نقول: مَنْ حقق أهدافه؟.. ومَنْ انتصر؟.. ومَنْ هُزم؟.. ومَنْ وافقَ؟..ومَنْ ينتظر؟..
لكن الواضح أن قطر توصلت مع السعودية إلى اتفاق، عبر الوساطات الخليجية والأمريكية، أو ما يقترب من المصالحة، وإذا شئنا الدقة، فهى خطوة نحو هذا الهدف، إذا صلحت النيات، وملكت كل الأطراف، خاصة قطر، الإرادة السياسية بأن تكمل هذا «المسار»، ولا أقول «الاتفاق»، لأننا لا نعرف المعلومات الدقيقة عنه، أو مضمونه بدقة، حيث إننا نراه ولا نعرف تفاصيله بعد، ولكن عموما أمامنا مؤشرات أن قطر استطاعت أن تُنهى عزلتها، وتخرج من «الكورنر»، الذى أوجدت نفسها فيه منذ هذا التاريخ، وخلال السنوات الماضية، وإذا أردنا أن نستعرض المعلومات، التى نحن متيقنون منها، فإن هذا الاتفاق ليس وليد القمة فقط، لكنه عملية مستمرة منذ سنوات؛ منذ أن بدأت الكويت، بدعم عمانى مباشر، وبموافقة سعودية ضمنية، المفاوضات حول المصالحة، والوصول إلى اتفاق مع قطر، والذى ظل يراوح مكانه هذه السنوات بلا خطوات مباشرة، وكانت المعلومات تجىء أن هناك خطوات متقدمة، لم تظهر مقدماتها بعد، وأن المسار مستمر، وسوف يُثمر، كما يتوقعون له، وظلت الحالة مستمرة إلى أن دخل الأمريكيون، أو إدارة ترامب، على الخط، مستهدفين التوصل إلى اتفاق مباشر يُنهى عُزلة قطر- وهو ما نجحت فيه إدارة ترامب فى زمن قياسى، أو قبل رحيلها بأيام- ولم ينهِ الخلافات بين كل الأطراف- كما هو ظاهر أمامنا، وكما ظهر للمراقبين للقمة عن كثب- ولكن أعطى للخليجيين فرصة لالتقاط الأنفاس، والتطلع إلى المستقبل، كما أعطى لإدارة ترامب إنجازا مؤقتا، سنرى نتائجه خلال الأشهر الستة المقبلة.. هل يكتمل أم يُصاب بانتكاسة جديدة؟!
وبذلك، أعتقد أن القطريين يستطيعون كشعب التقاط الأنفاس، والشعور بكثير من الراحة لفتح الطيران، والحدود، الذى يخدم الأسر، والتبادل التجارى، ولكن هذا التطور الإيجابى سوف يضع الإدارة القطرية فى امتحان صعب، ودقيق، لاستمرار هذه الحالة، وعدم العودة، كما حدث سابقا فى اتفاقى «الرياض 2013 و 2014»، اللذين لا أتوقع أن يكونا قد اختفيا فجأة، ولكنهما مازالا قيد الدراسة، والفحص، بين البلدين، بل بين جميع دول الخليج، ومستقبل منظمتها الإقليمية، الأطول عمرا بين المنظمات العربية المختلفة.
إن الوضع العربى مع قطر حول «الاتفاق» الجديد دقيق، لكننى قد لا أتفق شخصيا مع الرؤية التى تقول إن الخلاف مع قطر سياسى بحت، وليس أيديولوجيا، وأنه قد يكون فى بداياته بدأ سياسيا، لكن ما بدا لنا فى السنوات التالية، بعد ذلك التحالف «الإخوانى، القطرى، التركى»، أنه تحول إلى أيديولوجى بحت، لأن قطر تتبنى النظرية الإخوانية بكل مقوماتها، بل تقاتل من أجل تطبيقها فى معظم البلدان العربية بنسبة كبيرة، خاصة عندما وافقت على إقامة «قاعدة عسكرية تركية» فى الدوحة،حيث ظهر تماما أن مخاوفها «العربية- العربية» ليست قليلة، وأن تحالفاتها مع الإخوان أصبحت بنيوية، وأن تفكيك هذه التحالفات ليس سهلا، ويحتاج إلى إرادة سياسية قطرية فولاذية قوية، لتحمى نفسها مما أوقعتها فيه، وكذلك من أن تقع فريسة لهذه الأيديولوجية العدوانية، ولاحتلال من نوع مختلف، ستكون المؤسسات القطرية «الهشة»غير قادرة على مواجهته، وعلى تحجيم هذا «الأخطبوط»، الذى يزحف على الإمارة الصغيرة.
إننى أرى أنه إذا كان الخليجيون قد أعطوا أهمية للصراع الإيرانى، الذى يهدد بلدانهم بشكل مباشر، عن الصراع التركى، الذى يهدد المشرق العربى، ومنطقة المتوسط، فإن كلا التحالفين (التركى والإيرانى) بينهما اتفاق تقاسم مصالح كبير، يؤثر على معظم دول المنطقة العربية، خليجيا ومشرقيا، بل مغاربيا، لكننا نتطلع إلى أن تقوى هذه الخطوة، وتتطور إلى مصالحة كاملة، فلا أحد ضد المصالحات «العربية- العربية»، ولا أحد ضد أن نفتح صفحة جديدة بعد عِقد من الصراعات العربية الدقيقة، اكتشف فيه العرب أنهم حلقة ضعيفة ضد التدخلات المعيبة فى سياساتهم، وضد مصالح بلادهم، وبالرغم من تخوفاتنا من ضعف الجانب القطرى تجاه التحالفات، التى وضع نفسه فيها، وفى خدمتها، والذى يُستخدم فيها لإثارة القلاقل بين الدول العربية، وإضعافها، بل تفكيكها، وكانت أمواله، وأسلحته الإعلامية، واتفاقاته المريبة، بين الجماعات المتطرفة طريقا لفرض وجوده الإقليمى، متصورا، فى هذا المجال، أنه لاعب عربى، أو إقليمى، فى حين أن كل تدخلاته صبت فى دعم كل ما هو ضد اتجاهاته، التى كنا نعرفها، فقد كانت لمصلحة القوى الإقليمية ضد الدول العربية ككل، التى أرادت فرض نفوذها عليها، مستخدمة الإخوان، والأموال القطرية، فى لعبة دولية انزلقت إليها قطر بإرادتها، وتكشف عن مدى تورطها ضد البلدان العربية ككل.
لكننا نرفض أن نكون متشائمين، أو نعبر عن إحباط ضد هذه الخطوة، فلنتطلع ونراقب ما يحدث، خاصة فى المجال الإعلامى، والاتفاقيات مع الجماعات المتطرفة على اختلاف أنواعها، خاصة جماعة الإخوان، التى أصبحت منظمة إرهابية فى معظم البلدان العربية، بل إن العالم الآن يعيد تقييم هذه الجماعة، التى كشفت عن نياتها، وتحالفاتها، التى وضعتها فى صف العداء للشارع، والشعوب العربية ككل، كما كشفت الجانب الإرهابى، والمتطرف، الذى تستخدمه للوصول إلى السلطة، وهما ما لم يكتشفه حتى الآن الجانب القطرى فى تحالفاته معها.
وأخيرا، لا أستطيع أن أُنهى هذا المقال بغير الإشادة بقمة «العلا» التاريخية، خاصة فى توصياتها الخمسين، التى من أبرزها التعاون،والتضامن العربى، وتطوير الإمكانات، والقدرات فى مجالى أسعار النفط ومواجهة وباء «كوفيد- 19»، ومساعدة بلداننا فى المشرق العربى، التى تصدعت بالنزاعات (ليبيا، والعراق، وسوريا، واليمن، ولبنان)، ولا ننسى تركيزها، كذلك، على مستقبل القضية الفلسطينية، التى شغلت بنودا عديدة فيها، وأقصد بالتاريخية هنا تلك المدينة العريقة، التى كانت طريقا للحج، وعنوانا للتوبة، والتطلع إلى المستقبل الموحد، والتى جمعت العرب والخليجيين حول آثارها التاريخية، ورمزيتها الموحية.