Close ad

طريق النجاة والرقى باستعادة القيم

4-12-2020 | 10:39

إذا أدى كل منا عمله بكل كفاءة وبضمير متيقظ فسنربح جميعا، فالمعلم الذى يشرح دروسه جيدا، سيعطى نموذجا يحتذيه طلابه، وسيتخرجون أعلى كفاءة، والطبيب المتحلى بالأخلاق الكريمة سينقذ الأرواح، والموظف الكفء الذى يؤدى عمله فى خدمة العملاء سيوفر الكثير من الوقت والجهد.

الأنانية الفردية تجر معها الوبال على الجميع، وتهدم المجتمع على رءوس الجميع ولا ينجو أحد، فالمعلم السيئ سيعالج ابنه طبيب سيئ، والطبيب السيئ سيجد موظفا سيئا ومعلما سيئا، فيصبح ابنه هو الآخر سيئا، وهكذا يتفشى وباء التدنى والانحراف والتراجع.

مصر لديها تاريخ طويل ومجموعة من القيم الأصيلة التى تأسست عليها حضارتها العريقة، ويجب استعادة هذا الإرث من القيم والتقاليد والأخلاق التى نصف بها ابن البلد الأصيل، الذى نصفه بالشهامة، ويمد يد العون للمحتاج، ولا يقبل بالسلوك المعيب.


تنحدر القيم الأخلاقية عندما يسعى كل فرد لحل أزمته على حساب الآخرين، فلا يكرس الموظف جهده فى إنجاز عمله، بل يهدر الوقت القصير فى النميمة أو استغلال المواطنين، ويتلكأ فى تأدية واجبه ويستهدف الحصول على رشوة أو يمارس أى شكل من الفساد ليحل أزمته الشخصية بإلحاق الضرر بعمله وباقى المتعاملين معه.

وعندما يتفشى هذا السلوك سنجد كل فرد أو فئة قد أصابهم وباء أخطر وأشد فتكا من الكورونا، وهو داء الأنانية والتسيب والفساد الإدارى؛ فالطبيب يرفع قيمة الفحص والعلاج، ولا يكترث بحياة المريض، وكل ما يهمه أن يجنى أكبر قدر من المال، ويمكن أن يطلب فحوصا، ويجرب أدوية أو يجري عملية جراحية لا ضرورة لها، لمجرد أن يربح أكثر من وصف علاج بسيط أكثر فائدة وأقل تكلفة، فتتحول المهنة النبيلة إلى تجارة فاسدة على حساب سلامة وأرواح المرضى. والمعلم يتكاسل فى شرح الدروس فى المدرسة ليجبر الطلاب على الدروس الخصوصية بمبالغ أكبر، والمهندس يتلقى الرشوة ليتلاعب فى مواد البناء، وتقليل التكلفة على المقاول فينهار المبنى أو يصاب بالشروخ وبالعيوب التى يصعب تداركها.

وهكذا ينحدر الأداء فى كل مهنة، ويندفع عدد أكبر وأكبر من الناس ليلحقوا بالفاسدين، حتى يمكنهم أن يعيشوا هم أيضا، ويضع كل شخص يده فى جيوب الآخرين، ويبرر أفعاله المتدنية بأن غيره يفعل ذلك، وأنه مضطر إلى طريق الفساد والرشوة والتكاسل والإهمال لأن هذا الطريق هو الأسهل والممهد لكى يستطيع العيش، ويشير إلى غيره وما يفعلونه، وكيف أنهم حققوا قدرا أكبر من المكاسب عن طريق الانحراف، فيصبح الانحراف والفساد معتادين، وتخرج الأجيال الجديدة لتعتقد أن هذه طريقة الحياة الطبيعية، وأن الفساد والتكاسل والرشوة من الأمور العادية، بل من قوانين الحياة التى عليهم أن يسايروها، فتكون النتيجة أن نجد الفشل والتراجع فى كل المهن، ونعانى جميعا من هذا التراجع، وكل منا يشكو من هذا التدنى فى المجتمع.

ورغم إدانتنا هذه السلوكيات المشينة فإننا نفعل مثلهم، ولا ننظر لأهمية الخروج من تلك الدوامة التى تجذب المجتمع إلى أسفل، وننحدر جميعا ونستمر فى الشكوى، بينما الطريق القويم والأخلاق السامية يمكن أن تنقذنا.
فإذا أدى كل منا عمله بكل كفاءة وبضمير متيقظ فسنربح جميعا، فالمعلم الذى يشرح دروسه جيدا، سيعطى نموذجا يحتذيه طلابه، وسيتخرجون أعلى كفاءة، والطبيب المتحلى بالأخلاق الكريمة سينقذ الأرواح، والموظف الكفء الذى يؤدى عمله فى خدمة العملاء سيوفر الكثير من الوقت والجهد.

وعندما نستعيد تلك القيم النبيلة ستتغير حياتنا إلى الأفضل، ونعلو بالمجتمع والوطن، ونحقق التنمية المستندة إلى قيم وأخلاق راقية، فنرتقى جميعا، بدلا من الإضرار بالجميع، نحافظ على الملكية العامة وكأنها ملكنا الخاص، ونحافظ على نظافة الشوارع وكأنها بيتنا، فلا نكتفى بأن نشكو من أن القمامة تنتشر فى كل مكان، فهذه القمامة نتيجة سلوك الكثيرين منا، ولم تأت من فراغ، ولو حافظ كل منا على النظافة وعدم إلقاء المهملات فى الشوارع، فإن النظافة ستكون عنوانا وسلوكا معتادين ــ فالمشكلة الكبرى أن نعتاد على السلوكيات السلبية، ونراها عادية، ونتكيف مع تلك السلوكيات السيئة، فتكون النتيجة أسوأ، والأسوأ من كل هذا أن يكتفي كل منا بأن يلقى باللوم على الآخرين وعلى المسئولين الحكوميين، ولا ننظر إلى عيوبنا وما نفعله.

إن الأنانية الفردية تجر معها الوبال على المجتمع، وتهدمه على رءوس الجميع ولا ينجو أحد، فالمعلم السيئ سيعالج ابنه طبيب سيئ، والطبيب السيئ سيجد موظفا سيئا ومعلما سيئا، فيصبح ابنه هو الآخر سيئا، وهكذا يتفشى وباء التدنى والانحراف والتراجع.

إن مصر لديها تاريخ طويل ومجموعة من القيم الأصيلة التى تأسست عليها حضارتها العريقة، ويجب استعادة هذا الإرث من القيم والتقاليد والأخلاق التى نصف بها «ابن البلد» الأصيل، الذى نصفه بالشهامة، ويمد يد العون للمحتاج، ولا يقبل بالسلوك المعيب، ويؤدى عمله بكل جد ودأب ومهارة، ويحترم المرأة فى الشارع وكأنها أمه أو أخته أو ابنته، فيحميها ويراعى شعورها، فيتخلى عن مقعده فى المواصلات عندما يجد امرأة واقفة أو رجلا مسنا لا يحتمل الوقوف طويلا، ويحافظ على النظافة والملكية العامة، وعندما يجد سلوكا معيبا يتصدى له.

هذا هو «ابن البلد» الذى افتقدناه، وهو موجود داخلنا، ويظهر فى وقت الأزمات، فأثناء حرب الاستنزاف وحرب أكتوبر حققت مصر أعلى معدلات التنمية، وتراجعت الجريمة، بل اختفت تماما أثناء حرب أكتوبر، لكن للأسف طغى صراع الكسب بأى طريقة على الكثيرين، ولم تعد الكفاءة معيارا للكسب وتحقيق الذات، إنما الطريق الملتوى والمنحرف، وعندما يتفشى هذا الانحراف فإنه يصيبنا جميعا، ونخسر جميعا، ونشكو جميعا، ونظل فى دائرة من التحسر التى لا يمكن أن نخرج منها إلا باستعادة تلك القيم الإنسانية النبيلة، وبأن نستعيد نموذج «ابن البلد» الشهم، الذى يتصدى لأى لفظ خارج أو سلوك مشين، ويصبح نموذجنا الذى نحتذيه، فكلنا أولاد البلد، ذلك البلد الذى بنى حضارات علمت العالم، واحترمت العقل، ونظرت إلى المرأة بكل إجلال ورقى.

وهذا المخزون الحضارى هو كنزنا الحقيقى الثمين، الذى يمكن أن يخرجنا من الأزمات، بالتكاتف والتحضر والرقى الذى ورثناه، ونكاد نبدد هذا الإرث العظيم بالأنانية والحلول الفردية والانحراف وعدم الجدية، والتدين الشكلى الذى لا ينعكس على السلوك، فالدين المعاملة وليس فقط الالتزام الشكلى دون جوهر التدين الحقيقى، الذى يركز على العطاء والتراحم وتقدير العلم والعمل الجاد، وعلينا أن نستعيد هذا الجوهر وتلك القيم حتى يمكن أن نبنى بها وعليها الوطن، الذى هو الغاية لجميع ما نفعله، ولنبدأ بأنفسنا فى العمل والشارع والبيت، فهذا هو الطريق الأمثل والوحيد لإقامة نهضة حقيقية، لنعيش حياة أفضل، نقيم بها وطنا نرتقى به ويرتقى بنا، ونفخر به ويعتز بنا.

* نقلًا عن صحيفة الأهرام

كلمات البحث