ليس هناك، للأسف، ما يطمئن في العالم إلى أن هناك إمكانية للوصول قريبًا إلى التقليل من العنف، الذى يصل أحياناً إلى القتل، فى معارك الخلافات على ما يعتبره كثير من المسلمين إهانة لمقدساتهم ورموزهم الدينية، والتى يكون وراء بعضها، بالفعل، تعمد الإساءة من بعض العنصريين والمتطرفين فى الغرب من رافضى الإسلام وكارهيه، ولكن بعضها يكون فى إطار آخر.
انظر إلى الجريمة البشعة فى باريس الجمعة الماضى، وفق الأخبار المُتداوَلة حتى الآن، التى تقول إن مواطنا شيشانيا مسلما قام بذبح أستاذ تاريخ فرنسى انتقاماً على عرض الأستاذ على طلبته، فى حصة عن حرية التعبير، صور الكاريكاتير الشهيرة التى كانت تسبَّبت، عند نشرها قبل خمسة أعوام، فى أحداث عنف فى أوساط المسلمين سادت فرنسا وعدداً من الدول، بعد أن اعتبرها كثير من المسلمين مسيئة إلى مقدساتهم. ولم تذكر الأخبار ماذا قال الأستاذ لطلبته، وما إذا كان حديثه علميا صرفا مستشهدا بواقعة الكاريكاتير، أم أنه تبنى وجهة نظر مجلة «شارل إبدو» التي نشرت الكاريكاتير. ولم يُعرَف بعد ما إذا كان حديث الأستاذ مع طلبته خرج إلى وسائل الإعلام، أم أنه كان محصوراً داخل قاعة التدريس!.
وقد أحسنت بعض المؤسسات الإسلامية عندما سارعت بإصدار بيانات تدين جريمة الذبح، ولكنها أوحت، عكس السياق، بتفهمها لأسباب الجريمة، عندما طالبت بوضع تشريع عالمى يُجرِّم الإساءة للأديان ورموزها المقدسة، كما عمَّمت نداءها للجميع باحترام معتقدات الآخرين. وكان الأفضل، تأكيداً لمكانتها ونزاهتها وإدراكها لمسئوليتها، أن تخصّ المسلمين المتطرفين بعدم التطاول على الآخرين وعلى مقدساتهم من فوق المنابر، ومن تدريس آرائهم فى المعاهد الإسلامية.
أما الشرطة الفرنسية، وكما اعتادت فى السنوات الأخيرة، فإنها لم تتردَّد فى قتل القاتل قرب موقع جريمته، ولم تسع للقبض عليه والتحقيق معه! وأما منظمات حقوق الإنسان هناك، فلم تذكر الأخبار أنها احتجت، كما يحدث لدينا، بوجوب القبض على المتهم، والحرص على سلامته البدنية والنفسية، لتقديمه لمحاكمة تتيح له الدفاع عن نفسه، لأنه بريء حتى تثبت إدانته..إلخ!
* نقلًا عن صحيفة الأهرام