يتداول بعض اللبنانيين هذه الأيام فيلم «بنت الحارس» الذى يرمز إلى الانتصار على الفساد، فى سياق أحد الخلافات التى يدور جدل حولها هذه الأيام، وهو الخلاف عما إذا كان فساد الطبقة السياسية جديدًا, أم جزءًا من تكوين هذه الطبقة.
يلجأ بعض من يرون أن الفساد السياسى جديد إلى هذا الفيلم الذى قامت الفنانة الكبيرة فيروز ببطولته، مع الفنان القدير نصرى شمس الدين، وأخرجه هنرى بركات عام 1967. تدور قصة الفيلم فى بلدة تتمتع بالأمن والاستقرار بفضل حارسيها، اللذين يراقبان فى الوقت نفسه كل ما يدخل إليها أو يخرج منها، الأمر الذى يثير نقمة بعض أعضاء مجلسها الفاسدين الذين لا يستطيعون, والحال هكذا, استغلال نفوذهم.
ويتمكن هؤلاء الأعضاء من استصدار قرار لإعفاء الحارسين من عملهما. لكن ابنة أحدهما التى تعمل مدرسة موسيقى وتؤدى فيروز دورها، تقوم بمغامرة سعيًا لإعادتهما إلى عملهما، فتتنكر ليلا وتطلق أعيرة نارية لنشر الخوف فى البلدة. وعندما فشل أعضاء المجلس فى استعادة الشعور بالأمن، ضغط رئيس المجلس الذى يرفض الفساد من أجل إعادة الحارسين إلى عملهما.
ويرى من يؤمنون بأن عمر الفساد السياسى قصير فى الفيلم تعبيرًا دراميًا عن هذا المعني. ويجدون فيه صورة مصغرة لزمن يعدونه جميلا ويحنون إليه حين كان أركان جيل الاستقلال ثم أبناؤهم وتلاميذهم يشكلون الطبقة السياسية. فعندما أُنتج هذا الفيلم، كان رئيس الوزراء رشيد كرامى نجل عبد الحميد كرامى أحد زعماء حركة الاستقلال، وكان رئيس الجمهورية شارل حلو الذى عُين وزيرًا فى حكومات عدة عقب الاستقلال. إنه زمن تعايش حقيقى بين الأديان والثقافات حين كان الدولار يساوى ليرتين وربعًا, ويوم استحقت بيروت لقب «دُرة الشرق».
غير أن من يدفعون بأن الفساد السياسى كان كبيرًا، وإن بدرجات متفاوتة طول تاريخ لبنان، يرون أن هذا الفيلم عبر عن شوق إلى الخلاص منه، وليس عن واقع فى المرحلة التى أُنتج فيها أو ما قبلها.
ولأن هذا النوع من الخلافات لا ينتهي، فالمرجو أن يكون تشكيل حكومة جديدة بداية إصلاح يضع حدًا للفساد المختلف على تاريخه.
* نقلًا عن صحيفة الأهرام