لكي أكون منصفا فلا بد لي أن أقول بمنتهى الصراحة والوضوح: إن مصر علي طول تاريخها لم تعرف خطيئة الاعتداء على الأرض الزراعية والقيام بتبويرها وتجريفها من أجل البناء عليها وجني مكاسب مالية إلا في ظل شيوع ثقافة الانفتاح التي ذهبت إليها مصر في منتصف حقبة السبعينيات إبان فترة حكم الرئيس الراحل أنور السادات بأساليب وآليات وأفكار عشوائية!
كانت مصر بعد انتصار أكتوبر المجيد عام 1973 قد تحولت إلي ساحة مفتوحة لمن يبيعون أوهام الرخاء بأكذوبة الحاجة الملحة للخلاص من القطاع العام التجاري والصناعي بالتوازي مع إزالة القيود المفروضة على القطاع الزراعي بدءا من إلغاء الدورة الزراعية التي تحدد نسب الزراعة طبقا للاحتياجات الضرورية من المواد الغذائية الأساسية ووصولا إلي إغماض العين عن التجريف والتبوير بدعوى أن لكل مالك الحق في أن يتصرف في أرضه كما يشاء.. وقد كانت تلك الخطيئة أسوأ وأخطر ما تعرضت له مصر سواء بحسن النية أو سوء القصد.. الله أعلم!
وقد جرت محاولات خجولة خلال عصر الرئيس مبارك لإيقاف هذا النزيف الذي يأكل أهم ما تملكه مصر وهي التربة الزراعية الخصبة ولكن هذه المحاولات لم تكتمل ومن ثم لم يكتب لها النجاح لأسباب غير مفهومة.. وهنا أتذكر ما جرى بيني وبين الرئيس مبارك من نقاشات خلال زيارته للأهرام عام 1984 والتي مازال من بين شهودها أحياء كثيرون حتى اليوم من شيوخ وشباب الأهرام وكيف أن الرئيس مبارك بعد أن عددت له مخاطر السكوت على استمرار جرائم تجريف الأرض الزراعية والبناء عليها لم يجد سوي أن يقول لي في نهاية الحوار: "لقد عينتك رئيسا للجمهورية وعليك أن تخبرني بماذا أنت فاعل في هذه القضية".
والحمد لله أن العمر امتد بي لكي أري رئيسا مصريا يعتلي سدة الحكم وهو الرئيس عبد الفتاح السيسي ويتعامل مع هذه القضية الخطيرة بأعلى درجات المسئولية دون أن يحسب أي حسابات سياسية ضيقة باسم "البعد الاجتماعي أو تجنب المساس بشعبيته فالمهم لديه هو المصلحة العليا للوطن!
وظني أن التاريخ سوف يسجل تلك الجرأة التي امتلكها الرئيس عبدالفتاح السيسي في التعامل مع خطيئة الاعتداء علي الأراضي الزراعية كأهم إنجاز داخلي في سلسلة إنجازاته التي يصعب حصرها بدءا من الإصلاح المالي والاقتصادي ومرورا بالإصرار علي إزالة العشوائيات البنائية وتوفير مساكن عصرية للناس جنبا إلي جنب مع الثورة الإنشائية الهائلة في محطات الكهرباء ومحطات المياه والطرق والجسور وشبكات النقل البري والنهري والبحري!
***
خير الكلام:
ــــــــــــــ
** يولد القرار الصحيح بعد تحديد الأهداف الصحيحة بناء على معلومات صحيحة!
* نقلًا عن صحيفة الأهرام