ما الذي جري للبنان الذي كنا نتطلع إليه كبقعة ضوء تنير الطريق أمام العالم العربي في أشد الأوقات ظلاما وانحسارا وتراجعا؟
أين ذهبت صيدليات السياسة اللبنانية التي كان يتردد عليها معظم زعماء العالم العربي بحثا عن الدواء الناجع لأي مشكلة عويصة تطرأ علي هذا القطر أو ذاك، فإذا بالحال يتغير في السنوات الأخيرة ليصبح لبنان هو رجل الأمة المريض الذي يطلب العون والمساعدة بعد أن تفاقمت حالته، وبات بحاجة إلي جراحة اقتصادية وسياسية واجتماعية عاجلة وشاملة وجذرية!
هل يدفع لبنان الآن ثمن الانفلات الديمقراطي المعزز بالجذور الطائفية والمذهبية، التي لم تستطع أن تستوعب الامتدادات والصراعات الإقليمية، ومن ثم سقطت رايات الحيادية وفقدت شعارات النأي بالنفس كل مضامينها الحقيقية.
ومهما قيل عن أن لبنان تعرض مرات ومرات لهزات وأزمات بلغت حد نشوب الحرب الأهلية إلا أن ما يتعرض له لبنان هذه الأيام أخطر مما سبق بكثير، لأن الخطر الآن لا يتهدد الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية التي انزلقت إلي حد لا يطاق معيشيا وإنسانيا، وإنما لأن أيقونة التعددية الدينية والثقافية نالتها سهام الفرقة والخصام وتقترب من بلوغ درجة العداء المهلك ليس للبنان وحده وإنما باتت تمثل خطرا علي الوضع العربي العام.
إن لبنان يقف الآن علي مفترق طرق ويحتاج إلي صوت العقل والحكمة في الداخل، وإلي يد العون والمساعدة العربية العاجلة دون إبطاء حتي يتجدد الفهم الحقيقي لحقيقة لبنان ودوره وطاقاته الفكرية والسياسية والمعنوية، التي كانت علي مدي قرن مضي تمثل إطلالة حضارية تشع من خلالها القيم والتقاليد العربية الأصيلة كرسالة حب وسلام وتعاون مع المجتمع الدولي.
وظني أن نقطة البداية لإخراج لبنان من هذا المأزق تتطلب وعيا من كافة القوي السياسية حول ضرورة الخروج من الماضي ومخاوفه وبناء اتفاق وطني حقيقي يتطلع إلي المستقبل ومتطلباته البناءة فقد آن الأوان لكي يذهب الماضي البغيض بكل عقده ورواسبه حتي يمكن للبانيين الرهان علي وطن قادر علي حماية استقلاله بقوة الإرادة الحرة لأبنائه التي تحفظ له عروبته ولا تلغي التعددية الفكرية والثقافية والسياسية التي هي ميزته وأهم ركائز الوجود العربي والإقليمي له.
والخلاصة أن الوضع جد خطير وأقول بكل صراحة لبنان يناديكم يا أمة العرب!
خير الكلام:
<< لا تكفوا عن قراءة الماضي حتي تتمكنوا من فهم المستقبل!
* نقلا عن صحيفة الأهرام