Close ad
6-7-2020 | 15:44

هل توجد علاقة بين التقدم الاقتصادى وثقافة المجتمع أو فئات معينة فيه؟ لا يعرف أحد متى بُدئ فى طرح هذا السؤال. لكن الأكيد أنه أُثير منذ أن شقت أوروبا طريقها تدريجيا نحو هذا التقدم، عبر التحول من الإقطاع إلى الرأسمالية. وكان طبيعيا أن يُثار السؤال عن عوامل نشأة الرأسمالية فى غرب أوروبا تحديدا، وليس فى أى منطقة أخرى كالصين أو الهند أو روسيا أو غيرها. نعلم متى بدأت محاولات الإجابة عن هذا السؤال، الذى تصعب معرفة متى بُدئ فى طرحه. وبخلاف اعتقاد سائد، لم يكن عالم الاجتماع الألمانى ماكس فيبر أول من سعى إلى هذه الإجابة فى كتابه المشهور الأخلاق البروتستانتية وروح الرأسمالية الصادر عام 1904. فقد سبقه مواطنه وعالم الاجتماع أيضا والمفكر الموسوعى كارل ماركس. اختلفت الإجابتان، وتعارضتا، إذ ربط ماركس التطور الاقتصادى بقوى الإنتاج وعلاقاته، فى إطار تفسيره المادى للتاريخ. فطبيعة الصلة بين قوى وعلاقات الإنتاج هى التى تحدد مستوى التطور الاقتصادى. ولكن فيبر أخذ هذه القضية فى اتجاه آخر، حيث ربط التقدم الاقتصادى بثقافة المجتمع، وركز على التقاليد البروتستانتية معتقدا أنها مصدر أساسى لروح الحياة الاقتصادية الحديثة، لاعتقاده أن هذه التقاليد تميزت بانفتاح افتقدته الكاثوليكية حينئذ، وأباحت الاستمتاع بمباهج الحياة، وشجعت روح المبادرة والتعاون. غير أنه مع تقدم العلم الاجتماعى، يتبين تعذر تفسير التقدم الاقتصادى الذى حدث فى ظل تطور الرأسمالية فى أوروبا بناء على عامل واحد، اقتصاديا كان أو ثقافيا, وضرورة الاعتماد على كليهما. ولا يخلو تفسير فيبر من وجاهة، ولكنه يغفل بُعدا اقتصاديا مهما ارتبط بتأثير الأخلاق البروتستانتية، وهو اعتناق أعداد متزايدة من الأمراء فى ألمانيا، ثم فى بلدان أوروبية أخرى، هذا المذهب بسبب مصالحهم الاقتصادية. فقد تعرضت هذه المصالح لضرر كبير على مدى قرون بسبب تجارة صكوك الغفران، التى كانت عائداتها تخرج من مقاطعاتهم إلى روما، مما حال دون استثمارها. وعندما أوقف بيع هذه الصكوك، توفرت مدخرات أمكن استثمارها، ومن ثم تحقيق التراكم الرأسمالى الذى حقق التطور الاقتصادى فى غرب أوروبا.

نقلا عن صحيفة الأهرام

كلمات البحث