لست ممن تستفزهم التصريحات الإثيوبية المنفلتة التي يدلي بها المسئولون الإثيوبيون تباعا في الآونة الأخيرة بدءا بتصريحات رئيس الحكومة أبي أحمد بأن بلاده ستبدأ خطوات المرحلة الأولي لملء بحيرة سد النهضة في شهر يوليو المقبل دون انتظار موافقة مصر والسودان ووصولا إلي تصريحات نائب رئيس الأركان الإثيوبي الجنرال « برهانو جولا» قبل يومين فقط والتي انزلق فيها إلي دق طبول الحرب بالزعم الكاذب بأن مصر تلوح باستخدام القوة ضد إثيوبيا وأنه علي المصريين أن يعرفوا أنه لا يمكن تخويف إثيوبيا لأن جميع مفاتيح النصر في يد إثيوبيا علي حد زعمه!
إن مثل هذه التصريحات ربما تكون موجهة في الأساس للداخل الإثيوبي وربما أيضا تكون بهدف استدراج مصر للرد بكلام مماثل والأرجح – حسب اعتقادي – أنها محاولة إثيوبية للضغط بدفع الأمور إلي حافة الهاوية من أجل تحسين الموقف التفاوضي لإثيوبيا بعد انكشاف هشاشة حججها التي طرحتها في المفاوضات الدائرة منذ أيام والتي اتضح أمام المجتمع الدولي أنها تمثل تراجعا عن كافة المبادئ والقواعد التي سبق التوافق عليها في المفاوضات الدائرة منذ سنوات والتي بلغت ذروتها مطلع العام الحالي في مفاوضات واشنطن التي جرت بمشاركة ورعاية الولايات المتحدة الأمريكية والبنك الدولي وأفضت إلي مسودة اتفاق متوازن قبلت به مصر ووقعت عليها في حين تهربت إثيوبيا من التوقيع.
ومن يتابع التقارير الدولية المحايدة حول مفاوضات سد النهضة سوف يكتشف دون عناء أن هناك تقديرا واسعا لبراعة وحكمة التعامل المصري مع الأزمة واستمرار استمساك القاهرة بأقصى درجات ضبط النفس مع الأمل في أن ترتقي المواقف الإثيوبية إلي مراعاة القوانين الدولية المنظمة لتقسيم وتوزيع المياه في الأنهار العابرة للحدود.
وما أبعد الفارق بين رؤية مصر التي تؤيد حق إثيوبيا وسائر دول حوض النيل في التنمية وبين ما تقول به إثيوبيا عن أن مياه النهر ملكية خاصة بها ويحق لها الحصول منها علي ما تراه وفق مفهومها الخاطئ بأن ما تقوم به من إنشاءات علي النهر يندرج في إطار حق السيادة.
وحتى لو سلمنا بحق إثيوبيا في بناء سد النهضة فقد كان من المفروض عليها أن تلتزم قبل الشروع في وضع طوبة واحدة بالإخطار المسبق لدول المصب وفق المتعارف عليه عالميا.. ولكن للأسف الشديد انتهزت إثيوبيا اضطراب الأوضاع في مصر بعد أحداث 25 يناير 2011 وذهبت إلي وضع حجر الأساس في إبريل 2011.. ومع أن مصر بكل حسن النية تجاوزت عن ذلك فإن إثيوبيا مازالت تتوهم أن بمقدورها فرض الأمر الواقع مع أن الكل يعلم أن مصر اليوم ليست هي مصر عام 2011.
خير الكلام:
<< الأوهام مجموعة أكاذيب لا تنتهي إلا بواقع يصفع الواهمين!
نقلا عن صحيفة الأهرام