تستحق البيانات الأخيرة من النيابة العامة التوقف أمامها، خاصة ملاحظاتها وتوصياتها التى تشير إلى أخطاء مجتمعية تتسبب فى جرائم يعاقِب عليها القانون، أو تلك التى تتعلق باقتراحات للنيابة بتعديلات تشريعية بما يساعد على درء جرائم بعينها من منابعها. وهو أداء مُقدَّر، صار واضحاً منذ تولية النائب العام المستشار حماده الصاوي. ويكفى الإشارة إلى بيانين اثنين عن واقعتين اجتماعيتين على أعلى درجة من الأهمية، كنت عرضتُ لهما فى مقالين فى الأيام القليلة الماضية، كانت أقربهما، جريمة ختان الفتيات الشقيقات الثلاث، اللائى تآمر أبوهن مع الطبيب على خداعهن، بإجراء عمليات الختان لهن دون علمهن، بالكذب عليهن بأن الطبيب سوف يُطَعِّمهن ضد فيروس كورونا، ثم خدرهن الطبيب وقيَّدهن وأجرى العملية لهن، حيث فوجئن بالجريمة بعد إفاقتهن! وقد ناشدت النيابة ولاة الأمور والأطباء والمشرع وجوب التصدى لجريمة الختان، وبضرورة إعادة النظر فى العقوبة المنصوص عليها لمرتكبها إذا كان طبيباً، كما أعربت النيابة عن إيمانها فى براءة الدين الإسلامى وسائر الأديان السماوية من تلك الجريمة البالغة الخطورة التى صارت مهازل ليست من الشرع الحنيف فى شيء. وطالبت النيابة بتصحيح المفاهيم والمعتقدات، والمحافظة على سلامة الفتيات والبنات.
كانت الواقعة الثانية فى الحادثة المروعة التى لقى فيها أربعة أطفال مصرعهم بسبب دهس سيارة مسرعة لهم، ثم تبين أن سائقها طفل دون السن القانونية المسموح له بقيادة مركبة آلية، ولكن أباه سمح له بالقيادة ضد القانون، نزولاً على رغبة الابن ودون اكتراث بالتبعات المتوقعة! وهو ما توقفت أمامه النيابة، فلفتت النظر فى بيانها إلى خطورة ظاهرة التدليل، لأن إرضاء الأبناء دون انضباط ما هو إلا هروب من مسئولية تعليمهم وتربيتهم وتأديبهم التأديب الصالح الذى يبنى شخصياتهم النافعة ويقيهم الأضرار والشرور. وحذرت النيابة من أن الإفراط فى تدليل الأطفال والسماح لهم بأشياء لا ينبعى السماح بها، وغض الطرف عما يفعلون من أمور يراها البعض بسيطة وهى فى الأثر عظيمة، تنتهى بانسياقهم إلى جرائم حقيقية وتحولهم إلى شخصيات إجرامية غير سوية.
نقلا عن صحيفة الأهرام