عندما بدأ فيروس كورونا المستجد فى الانتشار خارج الصين، كانت هناك احتجاجات شعبية متفاوتة فى ثلاثة بلدان عربية، فى الجزائر دخل الحراك، المتمثل فى مسيرات عامة يوم الجمعة وأخرى طلابية يوم الثلاثاء، عامه الثانى، انحسرت هذه المسيرات منذ أن بدأ الإعداد لانتخابات رئاسة الجمهورية التى أُجريت فى ديسمبر الماضى، نتيجة إدراك معظم من شاركوا فيها أن التغيير الشامل الذى طالبوا به ليس واقعيا، وأن الإصلاح التدريجى أصبح ممكنا.
ولكن المُصرين على الاستمرار حافظوا على أطول حراك سلمى فى العالم. وفى كل من العراق ولبنان، بقى الحراك الذى بدأ فى أكتوبر الماضى مستمرا، ولكن بمعدلات مختلفة فى البلدين. وبينما انحسرت الاحتجاجات فى لبنان، خاصة بعد تشكيل حكومة حسان دياب فى يناير وأصبح ما بقى منه رمزيا، لم تتوقف الاعتصامات والمسيرات فى بعض مناطق العراق، للمطالبة بتشكيل حكومة مستقلة.
داهم الفيروس المُميت المحتجين فى البلدان الثلاثة، وفرض عليهم ما رفضوه وقاوموه فى الفترة السابقة، فأقدموا طواعية على وقف الحراك الذى تمسكوا به بعد أن أدركوا أن الخطر الجديد أكبر من أى خلاف سياسى. أوقفت المسيرات فى الجزائر طواعية، ووجهت الشخصيات المعروفة فى الحراك دعوات إلى عدم النزول إلى الشوارع، والبقاء فى المنازل، واتباع الإجراءات التى تتخذها سلطات كانت احتياجاتهم موجهة ضدها، وأخلى المعتصمون فى العراق الساحات التى احتلوها لأشهر وواجهوا كل محاولات إخراجهم منها، لأن تهديد الفيروس القاتل يطغى على أى خلاف سياسى.
ولا غرابة فى أن يحدث تحول من حراك إلى سكون، أى من نقيض إلى نقيض. إذ يتضمن تعريف معجم المعانى الجامع لمعنى حراك أنه ضد السكون، هناك أخطار وتهديدات تتضاءل بجانبها الخلافات السياسية، ويتكاتف الجميع فى مواجهتها، ويؤجلون كل ما يمكن أن يعوق هذه المواجهة الأخطار التى تهدد الأمن القومى بأشكالها المتعددة هى أهم ما يؤدى إلى توحيد المجتمعات، أو على الأقل إرجاء أى خلافات إلى ما بعد مواجهة هذه الأخطار.
وقل مثل ذلك عن الأوبئة الأكثر خطرا، والأسرع انتشارا، مثل الوباء الذى أوقف الحراك فى ثلاثة بلدان عربية.