لاحظت ذلك الحديث أو الرطان الذى شاع مؤخرا وبالذات فى مواقع التواصل الاجتماعى والذى يغرق فى لهجة دينية مؤنبة (تبكتنا) وتقول إن ابتعادنا عن الدين هو سبب ابتلائنا بفيروس كورونا (كوفيد ـ 19)، أولا نحن شعب من أكثر شعوب الأرض تدينا، وأكثريتنا الغالبة مؤمنة بالله وتؤدى فرائضه وتلتزم نواهيه، ومن ثَم لا لزوم لذلك الخطاب اللوام والتكفيرى الذى يؤكد أننا مستحقون لما حل بنا لأننا ابتعدنا عن طريق الله، وهذا اللون من الخطاب يشيع فى أوقات الأزمات، وباسمه يركب بعض الذين نصبوا أنفسهم وسطاء أو وكلاء عن السماء أدمغتنا ويشرعون فى توجيهنا إلى أية وجهة يريدون بعد اتهامنا بأننا زنادقة وتأكيد أنهم المؤمنون الورعون المتبتلون، ولا يلبث هذا الحديث الدينى الزائف أن يتحول بعد فترة إلى حديث (ديني/سياسي) ونبدأ القصة مرة أخرى من أول وجديد.
هكذا فعلوا بنا فى أزمة هزيمة 1967 حين دخل ذلك التيار (عبر اتهامنا بأننا ابتعدنا عن الدين) إلى كل تفاصيل حياتنا واستشرى فيها يعبث فى هويتنا الوطنية ويسيطر على حركة المجتمع، ثم فى أزمة أخرى تتمثل فى صعوبة الظروف الاقتصادية والبطالة وعدم كفاية الموارد عادت نفس الطبقة من الوسطاء الدينيين تتهمنا بأننا أهملنا الدين؛ ولذلك حق علينا عقاب السماء، واليوم يعودون من خلال أزمة (كورونا) ليؤكدوا أننا هجرنا الله فأرسل علينا عقابه، هذا افتعال لدور جديد يسيطرون من خلاله على الدولة والمجتمع.
هذا الحديث هو أحد تجليات (شغل اللالي) الذى يمارسه التيار الدينى علينا ليستعيد موقعه من جديد بعد أن اهتز بقوة حين أعاد المجتمع اكتشاف نفسه، وحين أدرك علاقة جزء من التيار الدينى بالإرهاب، وحين تيقن من ضرورة وحتمية الفصل بين الدين والسياسة، أما استغلال فترات الكوارث والأزمات والهزائم لاستعادة بعض المواقع السياسية والإدارية باسم الدين فهذا مرفوض من مجتمع اكتوى بنار سيطرة تيار (الدين/السياسي) وعرف خطورته وعانى من ظلاميته وأدرك حجم الفجوة التى تفصله عن معنى الإسلام الحقيقى، ومرة أخرى نحن شعب التدين ولا نحتاج إلى من يتهمنا بأننا هجرنا الدين ويجعل من ذلك بوابة لأن يسوقنا إلى حيث يريد، ونرى أن تلك المحاولة تعنى شغل اللالي!