Close ad
6-6-2019 | 18:56

بينما كنا نتصافح ونتعانق وترتسم الابتسامة العريضة على شفاهنا، عقب صلاة عيد الفطر المبارك؛ ابتهاجًا وسرورًا بهذه المناسبة الجليلة، بعد انقضاء صيام شهر رمضان المعظم، كان يقف خلف ظهورنا في مختلف أرجاء بلادنا رجال أشداء صامدين أوفياء على العهد الذي قطعوه على أنفسهم، لحمايتنا من غدر وخسة كل جبان وغد تمتد يده الشريرة بأذى للمصريين، ليردوا كيد الكائدين ويقطعوا دابرهم، ويُطهروا أرضنا الطاهرة من دنسهم وفجرهم وبغيهم.

بعض هؤلاء الأبطال من الشرطة المدنية كانوا يتمركزون في كمين جنوب العريش بشمال سيناء؛ حيث هاجمهم فجرًا مجموعة من الإرهابيين، الذين ظنوا أنهم سينالون مرادهم وسيوقعون أكبر عدد من الضحايا من أفراد الكمين، وفاتهم أن الساهرين على أمننا كانوا على أهبة الاستعداد وتصدوا لهم ببسالة وشجاعة الواثقين أنهم على حق، ومن يقاتلهم على الباطل المبين؛ مما أسفر عن مقتل 5 إرهابيين وفر الباقون، ولم تكد تمر ساعات حتى وصلت قوات الأمن إلى حيث اختبأ الفارون، وقتل منهم 14 إرهابيًا خلال تبادلهم إطلاق النار مع الشرطة.

إن فئران الجماعات الإرهابية في سيناء مذعورة للغاية، ويوشك أن تقتلهم شدة خوفهم مع توالي الضربات الأمنية لبؤرهم وأوكارهم في المناطق الصحراوية والنائية، ومصرع قادتهم الكبار، وتسلم مصر الإرهابي هشام عشماوي من الجيش الوطني الليبي قبل أيام، وتجفيف منابع تمويلهم، وأرادوا - وهم في النزع الأخير - أن يبرهنوا للبقية المتبقية من قواعدهم أنهم لم يضعفوا وقادرون على تسديد الضربات المؤلمة، حتى لا ينفضوا من حولهم، وهي حيلة أصبحت مفضوحة ومكشوفة، خصوصًا وهم يرقصون رقصة الموت الأخيرة، ومع يقينهم أنه لا مكان لهم ولشرورهم على أرض الكنانة؛ التي لفظتهم ولعنهم أهلها، الذين أدركوا أن هؤلاء المتطرفين والإرهابيين ليسوا سوى قتلة مأجورين يقدمون خدماتهم القذرة لمن يمنحهم مزيدًا من الدولارات، ويتخذون من الدين الحنيف ستارًا يبررون به جرائمهم وخيانتهم لوطنهم.

ولن أكرر على مسامع حضراتكم ما بات معلومًا ومترسخًا بالضرورة لديكم من أن حركة التعمير والبناء والتنمية المتزايدة في سيناء، وإلى جانبها ملاحقة القوات المسلحة والشرطة المدنية المستمرة للإرهابيين أينما وجدوا، خنقت الجماعات الإرهابية والمتطرفة المحاصرة من كل الزوايا، لكنني سوف أستعيد معكم ما ذكره الرئيس عبدالفتاح السيسي، السبت الماضي، خلال الاحتفال بليلة القدر بشأن مواجهة الفكر المتطرف.

ففي حديثه نبه الرئيس السيسي لجزئية مهمة جدًا نلمسها في واقعنا المعاش، وهي أن سلوكياتنا وراء الإساءة لصورة الإسلام، فالمتطرفون - ومن يُشجعهم - يجعلون من أنفسهم جهة مانحة للآخرين صكوك الصلاح الديني من عدمه، دون أن ينظروا بعين النقد والفحص لتصرفاتهم وضلالاتهم وفهمهم المغلوط والملتوي للنصوص الدينية، وأنهم بأفعالهم المخزية والدنيئة يشوهون الإسلام، ثم بعدها يرفعون أصواتهم المنكرة بالشكوى من تفشي "الإسلاموفوبيا" بالبلدان الغربية والولايات المتحدة، وأنه يتحتم محاربة الغرب ومعاقبته على إساءاته المتواصلة للإسلام.

تناقض ما بعده تناقض، وانفصام ما بعده انفصام، فهم داخل بلادهم يشجعون على قتل وإيذاء المختلفين معهم فكريًا ودينيًا، ولا بأس من استخدام العنف معهم، ولا بأس أيضًا من الإغراق في الوحشية والسادية التي تعف عنها الحيوانات الكاسرة في الغابة، مثلما نري ـ ولا نزال ـ من طرف تنظيم "داعش" الإرهابي، الذي لا يتورع عن انتهاك براءة الأطفال بتدريبهم منذ نعومة أظافرهم على حمل السلاح والقتل والتخريب، وبينهم وبين التسامح عداوة مستحكمة، كما أن بينهم وبين المواطنة ما صنع الحداد كما يقولون.

ونشاهد بعض جماعات السلفية في مصر تطل برأسها كالصوت النشاز في أوقات كثيرة؛ بإصدار مشايخها فتاوى متجددة ومتحجرة بتحريم تهنئة الأقباط بأعيادهم، وبناء دور عبادة لهم في المدن الجديدة، ولا يكفون عن إقامة أسوار عالية تحول دون التآلف والتعايش بين مكونات المجتمع المصري، يفعلون كل ذلك دون أن يهتز لهم جفن، ولا يشعرون بوخز الضمير، أو أنهم يسيرون في طريق لا يتوافق مع العقيدة الإسلامية ومبادئها السمحة، والأغرب أنهم يذرفون الدموع الحارة لاحقًا على ما يعانيه المسلمون في الغرب المصر على تشوية صورة الإسلام، ولم يسألوا أنفسهم عن نصيبهم في هذه الإساءة، وأنه قبل أن يلوموا الغرب فلينظروا أولًا إلى إساءاتهم هم لدينهم وفهمهم المغلوط له، وأن حسابهم على هذه الإساءات الصادرة من معتنقي الإسلام سيكون شديدًا يوم يقف الجميع أمام رب العالمين.

وبالعودة إلى منفذي هجوم كمين العريش وقت صلاة عيد الفطر؛ فهم نموذج عملي على ما سبق، فهم لا يريدون وطنًا قويًا، ويناصبون القوات المسلحة والشرطة العداء، لأنهما يقفان بالمرصاد لكل من يبغي نشر الفوضى والخراب والعنف واستباحة أرض الوطن، ويُحزن هؤلاء المتطرفين رؤية النماء والبناء؛ لأنهم لا ينتعشون سوى وسط العوز والفقر وتردي الخدمات وضعف قبضة الدولة، وكذلك يُحزنهم استعادة مصر مكانتها الإقليمية والدولية، وأن صوتها بات مسموعًا ومؤثرًا في المحيطين الإقليمي والدولي، وأنها أضحت نموذجًا ومثلًا في مقاومة الإرهاب أمنيًا وفكريًا واقتصاديًا واجتماعيًا، وهو ما يجعل الدوائر حول المتطرفين والإرهابيين تضيق أكثر فاكثر؛ مما يدفعهم لمحاولة إثبات وجودهم عبر وسيلتهم المفضلة، وهي تنفيذ عمليات إرهابية ضد الجيش والشرطة والآمنين من عامة الناس.

الخلاصة المفيدة أن أبطال كمين العريش - وكل من سبقوهم على درب الشهادة والعزة - يمثلون قمة الإيمان والفهم الصحيح للإسلام ومعانيه الإنسانية الحقيقية، وتمتلئ قلوبهم وعقولهم بالنور والتسامح، وسيظلون مصدر افتخار للوطن ولعائلاتهم، وسيلحقون - بإذن الله - بالصديقين والشهداء في أعلى عليين، فسلام على شهدائنا الأبرار، وليحفظ الله عز وجل وطننا الغالي من المتربصين والحاقدين وتجار الدين، واللعنة على القتلة والإرهابيين إلى يوم الدين.

كلمات البحث
اقرأ أيضًا:
الوحش الأفغاني

بين جبال أفغانستان الشاهقة يختبئ مقاتلو تنظيم داعش خراسان الذى أعلن مسئوليته الشهر الماضي عن العملية الإرهابية التي استهدفت مركزًا للتسويق قرب العاصمة