تظل لحظات الانتصار مصدر إلهام وإشعاع ينير حاضر وماضي ومستقبل الأمم والشعوب، ومعينًا لا ينضب لمكامن القوة والعزيمة التي لا تعرف اللين في الشدائد والمحن، وانتصار السادس من أكتوبر من تلك اللحظات المجيدة الخالدة في تاريخ الأمة المصرية الحديث، ولا نزال حتى الآن، على الرغم من مرور 45 عامًا على حرب 73، نستكشف ونتعرف على المزيد من الخفايا والأسرار الكاشفة لحقيقة معدن الشعب المصري وقدر صلابته في أحلك الظروف وأشدها تعقيدًا وتأزمًا، وأن روح أكتوبر بكل ما فيها من مجد وافتخار ستظل حية نابضة في صدر كل مصري ومصرية.
انتصار أكتوبر لم يكن مجرد معركة حربية صعبة خاضها جيشنا الوطني العظيم ومن خلفه الشعب المصري، وهزمت فيها قواتنا المسلحة الباسلة عدوًا متغطرسًا استحوذ عليه الغرور والخيلاء، لكنه كان عبورًا من ضفة اليأس إلى ضفة الرجاء والأمل، ومن أوجاع ومرارة الانكسار إلى نعيم النصر والافتخار ورفع الرأس عاليًا، وعبور من الشك إلى الثقة بالنفس والمقدرة، وأن المستحيل يتبخر أمام الإرادة القوية.
ثقتنا بأنفسنا وبقواتنا المسلحة مكنتنا من المقاومة وتلاحم مكونات الشعب المصري، وقام جيشنا باستعراض قدراته ومهاراته الفذة بإعداده خطة محكمة للحرب، وأخرى للخداع الإستراتيجي، خطة كسرت أنف الجيش الإسرائيلي المتغطرس الذي صور له خياله المريض أن مصر لن تستطيع محاربته، وأن إمكاناته في العتاد ستحافظ له على التفوق والاستعلاء، ولم يضع في حسبانه أن مصر تمتلك سلاحًا فتاكًا، هو المحارب المصري الذي لا يرضى بالهزيمة، ولا يسكت عنها، ولا يستسلم لها.
وعبر الرئيس السيسي في كلمته للأمة صباح اليوم - السبت - عن المعنى السابق بقوله: "يوم أثبت فيه جيشنا الوطني مقدرة تفوق ما توقعه الجميع، وقدم فيها شعبنا القوي الصامد عطاء يفوق كل تصور".
فلم يكن أحد يتصور أو يتوقع أن تحارب مصر وتحرر أرضها، ويفر جنود الجيش الإسرائيلي وهم مذعورون من هجمات الجيش المصري، وأن تجبر إسرائيل لاحقًا على الجلوس إلى طاولة المفاوضات لإحلال السلام، لكن مصر وشعبها ضربت مثالاً في الصمود والإصرار على تخطي محنة نكسة 1967، ولم يكن صمودها وإصرارها نابعًا من فراغ، وإنما بني على أساس إيمان راسخ لا يتزعزع بقدرة المصريين وجلدهم، وأن مصر غنية وزاخرة بكفاءات يحسب لهم ألف حساب، فالنصر كان نتاجًا طبيعيًا ومنطقيًا لتضافر جهود الكفاءات داخل القوات المسلحة وخارجها، وكان بيانًا عمليًا على أن وضوح الهدف وتهيئة الأجواء المناسبة لتحقيقه كفيلة بحدوث المعجزات، فالصدفة لم يكن لها دور في هذا الانتصار المبهر.
روح التحدي والإصرار لم تخبُ جذوتها، وكانت حاضرة وملهمة للأجيال التالية لحرب 73، ورأينا أبناء وأحفاد أبطال أكتوبر يقومون بالعبور الثاني خلال السنوات الخمس الماضية بمشروعات تنموية في سيناء وغيرها من المناطق، ونهضة عمرانية غير مسبوقة في شتى أرجاء البلاد، والخروج من نفق الفوضى وعدم الاستقرار، التي كانت تسعى لإدخالنا فيها بعض الجماعات الإرهابية والمتطرفة ومن يمولها ويدعمها من الدول المعادية، وحافظنا على ثبات الدولة المصرية التي أكدت حضورها القوي في مواجهة ضربات ومكائد لا حصر لها، وأن من يفكر في مناطحتها سيناله العقاب الأليم والمستحق، وكسرنا شوكة الإرهاب وشبكاته، وبذلت قواتنا المسلحة ومعها الشرطة المدنية جهدًا وعرقًا في محاربته، وقدمت شهداء افتدوا بدمائهم الزكية وطنهم وشعبهم، ولم يتمكن إرهابي خسيس من تدنيس شبر واحد من أرض مصر الطاهرة.