Close ad
15-4-2018 | 18:17

التاريخ يمقت الأغبياء ومحدودي الفهم  والاستيعاب، الذين لا يتدبرون عبره وعظاته البليغة والحكيمة، ويعطون ظهورهم لها وكأنها لم تقع من الأصل.

فلو أن رؤساء الولايات المتحدة وفرنسا وبريطانيا كلفوا خاطرهم، واستعادوا ذكريات وتوابع العدوان الثلاثي على مصر عام 1956، لما أقدموا على  شن عدوانهم الغادر والمستفز على الأراضي السورية فجر أمس السبت بذرائع واهية، وانسياقا خلف سياسة المكايدة التي تستهوي كثيرًا الرئيس الأمريكي دونالد ترامب.

المغامرون الثلاثة؛ ترامب، ونظيره الفرنسي ماكرون، ورئيسة الوزراء البريطانية تريزا ماي تجاهلوا - عن قصد - دروس الماضي البعيد والقريب، فبعد عدوان 1956، جربت أمريكا وحلفاؤها الخيار العسكري في أفغانستان والعراق، وكان وبالا عليهم، وعلى العالم الذي ذاق الأمرين؛ نتيجة موجات الإرهاب التي ضربته، وساهم في استشرائها التدخل العسكري الأمريكي الغاشم في البلدين.

واليوم تقدم الدول الثلاث شحنات دعم إضافية للجماعات الإرهابية التي ستبرر هجماتها المقبلة في أوروبا - وربما داخل المدن الأمريكية - وتجنيد المزيد من الأتباع، بأنها انتقام عادل مستحق من الضربات الغربية لسوريا، وعوض عن تحجيم الإرهاب، وقطع أذرعه الشيطانية، سنكون على موعد مع جولة جديدة معه.

ويعلم المغامرون الثلاثة أن تفجير الأوضاع على الجبهة السورية - وبالتبعية في الشرق الأوسط - سيضرهم أكثر مما سيفيدهم ويخدم مصالحهم، وسيعقد كثيرًا الأزمة السورية والمساعي المبذولة للتوصل إلى حل سياسي سريع لها، ويحافظ على كيان الدولة السورية.

وغاب عن ترامب وماكرون وماي، أن تحصنهم بالسند الأخلاقي - الذي قدموه كمبرر للعدوان الثلاثي غير واقعي - ويؤكد تناقضهم الفج والمعيب، فهم يصورون للمجتمع الدولي أنهم فعلوا ما فعلوه نصرة للمدنيين في الغوطة الشرقية، الذين تعرضوا لهجوم كيمياوي شنه الجيش السوري، على حد زعمهم، ويتجاهلون أنهم كانوا شركاء أساسيين في تنفيذ مخطط تقويض وتخريب سوريا؛ بمساندتهم تنظيمات رفعت السلاح في وجه الدولة السورية، وبعد فترة أرست أمريكا وفرنسا وبريطانيا المزاد على تنظيمات أخرى، وفرت لها الرعاية والدعم المالي، وسلحتها ومنحتها غطاء سياسيًا، وبعض هذه الجماعات متهمة باستخدام الأسلحة الكيمياوية خلال معاركها مع الجيش السوري، ومع التنظيمات المسلحة الأخرى.

غاب عنهم أيضًا أن أبعاد لعبتهم باتت مفضوحة ومفهومة للكافة، فلدى كل واحد من الثلاثة تلال متزايدة من المشكلات والضغوط الداخلية، ويسعون للهروب منها، أو على الأقل تخفيف حدتها بصرف أنظار شعوبهم لقضايا خارجية، فالثلاثة يشتغلونها بالطريقة البدائية المعروفة، ولا تجديد فيها على الإطلاق، ولم يقدروا أن مغامرتهم غير الذكية ستجلب عليهم الويلات داخليًا، نظرًا للرفض والانقسام الناتج عن تصرفهم الأرعن، ويبدو أن ترامب يسير مغمض العينين، على هدى سياسات الداهية هنرى كيسنجر وزير الخارجية الأمريكية الأسبق، الذي أوعز لوزارة الدفاع "البنتاجون" - في بداية السبعينيات من القرن العشرين - بتكثيف ضرباتها في فيتنام قبل الجلوس مع الطرف الآخر على طاولة المفاوضات، اعتقادًا بأن ذلك سيكون داعمًا لموقف بلاده التفاوضي، وستخرج من هزيمتها المنكرة في فيتنام مرفوعة الرأس والهامة.

وإن كان ترامب يعتقد بأن العدوان الثلاثي سيحسن موقف أمريكا الإستراتيجي في المنطقة، وسيقود لتراجع النفوذ الروسي بها؛ فعليه استشارة طبيب نفسي في الحال؛ لأن ما قام به سيخصم من رصيده ورصيد بلاده السياسي والأمني، ويجدر به - ومعه ماكرون وماي - سؤال أنفسهم عن العائد من خلف ضرباتهم الطائشة للمنشآت السورية؟

لا عائد سوى الخراب والدمار، وطبعًا خدمة سياسات إسرائيل المناهضة لسوريا، إن ما جرى في سوريا - خلال الساعات القليلة الماضية وما سيليه من تطورات وأحداث - يثبت صواب التوجه المصري حيال الأزمة الناشبة هناك، وتتلخص في محورين، الحفاظ على وحدة الأراضي السورية، ومؤسسات الدولة السورية، وأنه لا سبيل لإنهاء الأزمة سوى عبر الحل السلمي، ولو التفتت أمريكا وحلفاؤها لتلك الجوانب؛ لتفادت الخيار العسكري العقيم.

إن من لا يتعظ من حوادِث وأخطاء الماضي، لا يرحمه التاريخ، وسوف تتساقط عليه لعناته.

كلمات البحث
اقرأ أيضًا:
الوحش الأفغاني

بين جبال أفغانستان الشاهقة يختبئ مقاتلو تنظيم داعش خراسان الذى أعلن مسئوليته الشهر الماضي عن العملية الإرهابية التي استهدفت مركزًا للتسويق قرب العاصمة

الأكثر قراءة