Close ad

أردوغان ينقلب على " الأخوة " السوريين

26-7-2019 | 01:30
أردوغان ينقلب على  الأخوة  السوريينالرئيس التركي
أنقرة- سيد عبد المجيد

أسابيع قليلة حاسمة، بيد أنها وضعت خطا فارقا لما قبلها وما بعدها، وذلك على خلفية المشهد السوري المعيش في عموم الأناضول، فعقب الانتخابات المحلية الأخيرة، والضربة القاصمة التي تلقاها الرئيس التركي رجب طيب أردوعان، وتمثلت بخسارته المدن الكبري وفي القلب منها إسطنبول، تحول من سياسة الترحيب الواسع إلى النقيض مضطرا حتى لا يضيع منه حُكم كل تركيا، وها هي حكومته التي صعنت الاستضافة غير عابئة بتداعياتها المدمرة لحيوات الأناضوليين علي مدار سنوات ثماني مضت، تنقلب دون تمهل على ما كانت تصفهم بـ" الأخوة الأشقاء " لتصدر جملة إجراءات لم تكن لتفعلها لو كان النصر حليفها في ماراثون البلديات.

موضوعات مقترحة

ويصبح السؤال : ماذا بعد أن يحقق أردوغان مبتغاه بإخلاء بلاده من السوريين، الذين لم تكن استضافتهم بلا ثمن عزز حكمه ونفوذه ــ مؤقتا على الأقل ــ ليس ذلك فحسب، بل هو نفسه كم استغل قضيتهم متاجرا بها لتحقيق مأربه السلطوية في التفرد بالمنطقة؟ ومن ثم هل ما يٌقدم عليه سيعيد شعبيته التي تراجعت بشدة ؟ وعن حزبه المتصدع الذي لم يفق بعد من توابع زلزل بلدية إسطنبول، هل سيدب الروح فيه مجددا بالتئام أعضائه حوله والحيولة دون انقسامه وتفتته ؟

بداية فمنذ زمن ليس ببعيد أصبح سكان الجوار المتاخم غير مرحب بهم إجمالا على الأراضي التركية تعززه استطلاعات للرأي، والأسباب في ذلك كثيرة ومنها ما أصبح معقدا، ولعل أهمها هو ما يضيفونه من أعباء باتت تنوء بها كواهل المواطنين أهل البلد الذين هم أصلا يعانون شظف الحياة وتردي أوضاعهم المعيشية التي تجلت وتفاقمت العام 2018، وشيئا فشيئا تعاظمت مخاوفهم ومعها تعالت صرخاتهم الغاضبة، وكيف أنهم ضاقوا ذرعا بهؤلاء " الذين يسطون على قوتهم اليومي " وتدريجيا أصبح التبرم يترجم إلى اشتباكات حوادث عنف انتقامية.

لكن صانع القرار المتربع على سدة السلطة بقصره الرئاسي في العاصمة أنقرة، لم يصغ لآنات مواطنيه، مثلما صمتت أذانه عن تحذيرات المعارضة من انجراف البلاد لشأن داخلي لبلد آخر، ويالها من سخرية، الآن فقط أنتبه لانتقاداتها، ليصدر توجيهاته لوزير داخليته لاتخاذ اللازم من الخطوات التنظيمية الصارمة وتنفيذها فورا لعلها تنقذ ما يمكن إنقاذه من صورة الحكم وهيبته، ولكن يبدو أن الإفاقة جاءت متأخرة.

وها هو المتابع يمكنه أن يلحظ بسهولة حجم التغييرات التي طرأت ــ والمرشحة للزيادة خلال الفترة المقبلة ــ على اللاجئين السوريين الذين تسربوا باضطراد خصوصا نحو إسطنبول التي اجتذبت الآلاف منهم ( يبلغ عددهم نحو 559 ألف شخص هذا بخلاف غير المسجلين وهم بعشرات الآلاف )، ووفقا لما أعلنه وزير الداخلية سليمان صويلو أصبحت المدينة الأهم مغلقة تماما للسوريين إلا لحالات استثنائية "، فالحوانيب التي تمتلك أوراقا ثبوتية راحت تستبدل لوحاتها العربية بأخري كتبت بالهجائية التركية بتعليمات السلطات المحلية بما فيها تلك التي استهلمت أسمائها من مأثورات أردوغان تزلفا لعل أجهزته تستمر في غض الطرف عنهم وعن أصحابها المحليين المتهربين من استحقاقات الدولة. ولم يأت هذا من فراغ فقد سبق وانتقد أكرم إمام أوغلو خلال حملته الانتخابية مرشحا عن المعارضة، التواجد الكثيف للسوريين في بعض المناطق وقال آنذاك في حوار متلفز إنه " دخل بعض الأحياء في إسطنبول، ولم يستطع قراءة " يافطات " المتاجر لأنها مكتوبة بالعربية".

وبالنسبة لتلك التي طلبت التراخيص وبدأت العمل فعلا انطلاقا من يقينهم بأنها قادمة بعد ما قدموه من خدمات جليلة في دعم حزب أردوغان ضد مناوئيه وأن الأمر مسألة وقت، سَكرت أبوابها فثمة مرحلة جديدة قد تم الشروع لتدشينها وأنهم سينتظرون للأبد موافقات لن تأتي والمطاعم المملوكة للأتراك راحت تسرح الغرباء الذين استوظفتهم تجنبا لجزاءات مالية (ثمانية آلاف ليرة أي ما يعادل 1400 دولار تقريبا) هم في غني عنها.
وبعد أن استقيظت عيون الشرطة السرية بعد سُبات كان مطلوبا ومقصودا، شرعت عشرات الأسر القاطنة بالأطراف العشوائية لترتيب أوضاعها للنزوح إلى حيث أتوا، ولكن لن يكون " القائد أردوغان " بصحبتهم وهو الذي بشرهم بسقوط الأسد بعد ثلاثة شهور فقط من التظاهرات المناهضة ضده، ووعدهم أنه سيذهب معهم كي يصلوا جميعا في المسجد الأموي بدمشق.

الشئ الغريب أن الذين يقودون المطاردات الأمنية هم أنفسهم الذين كانون يطرقون أبواب السوريين عندما كانوا يصفون بالأخوة الضيوف، لحثهم على المشاركة وحضور المؤتمرات الانتخابية لحزب العدالة والتنمية الحاكم وكان هذا واضحا وجليا في استحقاق المحليات والذي جري بنهاية مارس الماضي.

وفي إسطنبول، وحتى وأن لم يستدعوا، كانوا السوريين على أهبة الاستعداد وقد بذلوا جهودا مضنية وزحفوا لكافة المؤتمرات تأييدا لبن علي يلدريم يحدوهم الأمل أن ينجح وبالتالي يستقر بهم المقام، إذ كان جليا أن المنافس القوي أكرم إمام أوغلو سينقض عليهم حال ظفر وأصبح " العمدة " لكن المفارقة أن العكس هو الذي حدث فقد تبدلت الكراسي بين عشية وضحاها وأعين الشرطة والمتلصصين على مادر الساعة تفتش في الهويات وتزج بالعشرات صوب عشرات الحافلات تمهيدا لترحليهم إلى بؤر الخطر في الشمال السوري غير الآمن".

والنتيجة المهمة التي يمكن استخلاصها هي أن أردوغان أنقلب علي السوريين، والأتراك على ما يبدو انقلبوا على الاثنين معا.

اقرأ أيضًا:
الأكثر قراءة