تحيي جمهورية أذربيجان في هذه الأيام، ذكرى مرور 29 عامًا على أحداث مذبحة يناير الأسود، والتي قامت فيها قوات الجيش السوفييتي، باجتياح العاصمة باكو من جميع الاتجاهات برًا وبحرًا، وذلك في ليلة 20 يناير 1990، وأطلقت الدبابات مدافعها الرشاشة تجاه المتظاهرين السلميين المطالبين بالاستقلال عن موسكو، لكي تحصد أرواح الآلاف من الأبرياء، في محاولة لإنقاذ النظام الشيوعي من الانهيار الذي حدث بعد شهور قليلة، وتفككت الجمهوريات التابعة له.
موضوعات مقترحة
يقول السفير تورال رضاييف سفير أذربيجان بالقاهرة، إن الهجوم كان غير مسبوق في أي من الجمهوريات السوفييتية، وتسبب في صدمة كبيرة في جميع أنحاء أذربيجان، خصوصًا أن المتظاهرين كانوا لا يحملون السلاح، بسبب أن مطالبهم بالاستقلال عن النظام الشيوعي كانت تحظى بالتأييد والزخم، والتي كانت سببًا في إعلان الرئيس ميخائيل جورباتشوف حالة الطوارئ التي لم تطبق إلا في أذربيجان حصريًا.
وأكد سفير باكو في مصر، أنه في يوم 20 يناير من كل عام يزور شعب أذربيجان "مرقد الشهداء"، للإشادة بمن ضحى بحياته من أجل استقلال البلاد وحريتها وتطورها المزدهر.
وأكد السفير الأذربيجاني، أن السخرية والتناقض كانتا واضحتين في اعتبار الدول الغربية ميخائيل جورباتشوف "رجل ديمقراطي" و"محبًا للسلام"، ورشح في أكتوبر من العام نفسه 1990 للحصول على جائزة نوبل بسبب "دوره القيادي في عملية السلام"، رغم مسئوليته المباشرة عن تلك المأساة، مضيفًا أنه دافع عن هذا الغزو أنه جاء بسبب دحر الخطر الوشيك للأصولية الإسلامية في أذربيجان، مستغلا التوتر بين أذربيجان وأرمينيا في ذلك الوقت كحجة أخرى للتدخل العسكري.
وأشار إلى أن وزير الدفاع السوفييتي ديمتري يازوف، اتسم بقدر أكبر من الشرف في تصريحاته حين قال: "لقد جئنا لمنع الاستيلاء الفعلي على حكومة أذربيجان من قِبل المعارضة غير الشيوعية، ولمنع إحرازهم الانتصار في الانتخابات الحرة المقبلة (التي كان مقررا انعقادها في مارس 1990)، وللقضاء عليهم باعتبارهم قوة سياسية، وتأمين استمرار وجود الحكومة الشيوعية في السلطة"، مضيفًا أن منظمة هيومان رايتس واتش، ذكرت في تقريرها حول الأمر بعنوان "يناير الأسود في أذربيجان" إلى أنه "لم يكن العنف الذى استخدمه الجيش السوفييتي ليلة 19-20 يناير متكافئ بأى حال مع المقاومة التي أبداها الآذريون، حتى إنه تحول إلى ممارسة للعقاب الجماعي".
وأوضح السفير تورال رضاييف، أن الغزو لم يحقق للقيادة السوفييتية ما أرادته، وتحول يناير الأسود إلى منعطف في تاريخ أذربيجان، فقد بدد الجيش الأحمر آخر خيوط الأمل لدى الآذريين في إمكانية إصلاح الاتحاد السوفييتي والإبقاء عليه بطريقة أو بأخرى، وتناثرت الدماء على وجه الإمبراطورية السوفييتية من كل رصاصة أطلقت في شوارع باكو، وأسقطت معها المُثل الشيوعية، مضيفًا أن ما حدث لم يفت في عضد مواطني بلاده الذين عزموا على التخلص من الحقبة السوفييتية، والتحرر للانطلاق لبناء دولة ديمقراطية متقدمة اقتصاديًا، وواجهوا الصعوبات السياسية والاقتصادية حتى وصلت اليوم إلى بلد يتطور بديناميكية بمعدلات نمو غير مسبوقة.
وأكد أنه كانت هناك شعوب ودول انتصرت للحرية، وساندت شعب أذربيجان في مساعيه للاستقلال، ونددت بما حدث يوم 20 يناير 1990، مشيرًا إلى أن مصر كانت في طليعة تلك الدول، حيث تقدم المستشار الدمرداش العقالي عضو مجلس الشعب وقتها باستجواب عاجل طالب فيه البرلمان المصري، بإدانة أحداث يناير الأسود، ومطالبة القوات السوفييتية بالانسحاب من بكاو وتنفيذ مطالب المواطنين.
جدير بالذكر، أن الشيخ محمد الغزالي قد وثق أحداث يناير في كتابه "الحق المر"، وقال: "عندما طالبت شعوب دول البلطيق إستونيا، لاتفيا، لتوانيا وغيرها من الشعوب غير المسلمة في الاتحاد السوفييتي بالحرية وتقرير المصير، لم يتعرضوا لأي أذى، وتمت معاملتهم بالحسنى ووزعت عليهم دبابات الجيش الأحمر الورود وحصلوا على حريتهم واستقلالهم، ولكن عندما طالب شعب أذربيجان المسلم بحقوقه المشروعة تم إبادته وقتله"، وهذا ما يمثل الجور البين وازدواجية المعايير والكيل بمكيالين وتصنيف الشعوب حسب معتقداتهم".
وختم حديثه، بأن مواقف مصر النبيلة ونوابها وقيادتها وشعبها وقوفها إلي جانب أذربيجان ومساندتها ودعمها لها باستمرار، محل تقدير كبير، مؤكدًا أن ما يربط بين شعبي البلدين من روابط تاريخية تعود لقرون عديدة هي ما صنعت هذا الحاضر من العلاقات القوية والمتينة بين البلدين، حيث تشهد تلك العلاقات نموًا مطردًا في شتي المجالات تعكس عمق العلاقات التاريخية بين البلدين.