من تشينجداو الصينية، درة البحر الأصفر شرقا، إلى كيبك الكندية، عاصمة الثورة الهادئة غربًا، راقب المحللون باهتمام بالغ ما انتهت إليه قمتا "شنجهاى" و"مجموعة دول السبع"، اللتان جعلتا العالم أشبه بملعب كبير يتنافس فيه الأقطاب على "سيادة العالم"، ومن تكون له كلمة الفصل اقتصاديًا وسياسيًا، روسيا والصين، ومن سار في ركابهما، أم الولايات المتحدة وشركاؤها الغربيون؟
موضوعات مقترحة
عودة الكتلة الشرقية وانتكاسة المعسكر الغربي
تضم منظمة "شنجهاي"، التي تأسست عام 2001، كلًا من الصين، روسيا طاجيكستان، وأوزباكستان، وكازاخستان، وقيرغيزستان، وشهدت القمة الحالية انضمام الجارتين النوويتين الهند وباكستان، وتحضرها إيران، ومنغوليا، وأفغانستان، وبيلاروسيا، بصفة مراقب، فيما توجد داخل المنظمة آلية حوار الشركاء، وتضم الآن أرمينيا، وأذربيجان، وكمبوديا، ونيبال، وتركيا، وسريلانكا، ويقع مقر أمانة المنظمة في العاصمة الصينية بكين.
أما مجموعة "السبع الكبار" أو"G7"، فتضم في عضويتها كلًا من الولايات المتحدة، بريطانيا، فرنسا، ألمانيا، إيطاليا، كندا واليابان، وكانت روسيا عضوا فى المجموعة قبل أن تجمد عضويتها عام 2014 على خلفية ضمها لشبه جزيرة القرم، وعلى الرغم من أن دول هذه المجموعة تمثل 14% من سكان العالم إلا أنها تتحكم في ثلثي اقتصاد العالم.
انعقاد قمتي "شانجهاى"، و"مجموعة السبع الكبار"، في وقت واحد، أعطى برسالة واحدة للجميع، بأن هناك عالما جديدا يتشكل لم يعد يقبل بالولايات المتحدة قطبا واحدا يمسك بقبضة يده بالملفات السياسية والاقتصادية، خاصة بعد أن أظهرت القمة شانجهاى تماسكا بين دولها، وتوافقا فيما بينها على جملة من الملفات الدولية، والحصيلة إقرار زعمائها لـ 17 وثيقة مختلفة تنوعت بين السياسية والأمنية والاقتصادية، ليتكلل بها البيان الختامي للقمة.
في حين كانت الصور والتصريحات التي تخرج من المعسكر الآخر، حيث كيبك الكندية، أبلغ دليل على تفكك "مجموعة السبع"، أو "مجموعة الست- واحد" كما أسمتها الصحف الأوروبية خلال الأيام الماضية، حيث تحول شبح الخلاف إلى ما يُنذر بطلاق بائن بين واشنطن وحلفائها، على خلفية قرار الرئيس الأمريكي، بفرض رسوم على صادرات تلك الدول من الصلب والألمونيوم إلى الولايات المتحدة.
لكن الصورة التي تم التقاطها لترامب وهو يجلس دون مبالاة أمام المستشارة الألمانية، التي رمقته بنظرة ملؤها التحدي والعناد، بينما يصطف بجانبها القادة الأوروبيون، فيما وقف رئيس الوزراء الياباني، شينزوا آبى، مكتوف اليدين، وذلك خلال محاولتهم التوصل إلى بيان ختامي للقمة، يجهز على شبح "الحرب التجارية" التي اشتعلت بين واشنطن وسائر دول المجموعة .
لكن ترامب أطلق رصاصته الأخيرة، وانسحب من البيان الختامى، مهددًا بفرض المزيد من الرسوم على الواردات عبر فرضها على صناعة السيارات، فيما أوسع رئيس الوزراء الكندي، جاستين ترودو، انتقادًا عبر تغريداته التويترية.
من جانبه، نشر جون بولتون، مستشار ترامب للأمن القومى، الصورة على صفحته في تويتر مع عبارة: "قمة أخرى لمجموعة السبع، تنتظر خلالها الدول الأخرى أن تصبح أمريكا بمثابة البنك لها، الرئيس عبر اليوم بشكل واضح: كفى".
بوتين.. الرابح الأكبر في القمتين
في تلك الأجواء، وبينما كان الرئيس الروسي، فيلادمير بوتين، ونظيره الصيني، تشي جين بينج، يرسمان خارطة جديدة للعالم متعدد الأقطاب في شنجهاي، وقعت الأخبار القادمة من كيبك بردا وسلاما على قلب الرئيس الروسي، خاصة وأن ترامب قد دعا فى بداية "قمع السبع" إلى ضرورة إعادة روسيا إلى عضوية المجموعة بعد 4 سنوات من تجميد عضويتها، على إثر ضمها لشبه جزيرة القرم، ما تسبب فى إغضاب الدول الغربية التي ترى في عقوبتها الاقتصادية وإقصائها لروسيا من المجموعة انتصارًا على موسكو.
تلقف الرئيس الروسي، فيلاديمير بوتين، هذه الرسالة، وتمسك بطرف الخيط الذي بعث به ترامب، وقال من الصين "إنه يأمل أن تتحسن العلاقات بين موسكو وواشنطن، لكن الكرة في ملعب الولايات المتحدة"، وليخرج بيان الكرملين، بأن النمسا قد تكون من بين المدن التي يجرى التفكير فيها لاستضافة قمة محتملة بين الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، والرئيس الأمريكي، دونالد ترامب.
قرارات ترامب هذه بقفزاتها المرتفعة، جعلت حلفاءه من الأوربيين متشككين على الدوام فيها، فبالأمس القريب كان الاتفاق بين الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي حاضرًا، وتم طرد العديد من الدبلوماسيين الروس، إثر اتهام بريطانيا لموسكو بمحاولة تسميم العميل السابق سكريبال على أراضيها، ما استدعى تحركًا واسعًا من الشركاء، واليوم يطالب ترامب بعودة روسيا إلى "مجموعة السبع"، في وقت لا يزال ينظر فيه القضاء الأمريكي قضية التدخل الروسي في الانتخابات الأمريكية التي أتت بترامب إلى سدة الحكم في البيت الأبيض.
سوريا.. ونووي إيران
لم تسمح الحرب التجارية التي اشتعلت بين واشنطن وباقي دول مجموعة السبع، بالنظر في القضايا السياسية مثل الأزمة السورية أو الملف الإيراني، خاصة بعد الانسحاب الأمريكي المنفر منه الشهر الماضي، دون الاكتراث بوجهة النظر الأوروبية، لكن البيان الختامي للقمة الذي لم تشترك فيه الولايات المتحدة، أكد ضرورة منع طهران من حيازة سلاح نووي.
الرئيس الإيراني حسن روحاني، الذي أكد من قبل على عودة بلاده إلى تخصيب اليورانيوم بعد انسحاب الولايات المتحدة منه، استغل عضوية بلاده بصفة "مراقب" في منظمة شنجهاي، وجاء إلى تشينجداو الصينية ليضرب عصفورين بحجر واحد، فقد أراد أن يظهر طهران بصفة الدولة التي تحافظ على ما تقطعه من التزامات في مقابل عدم مسئولية أبداها الرئيس الأمريكي بانسحابه من الاتفاق النووي الذي توافق عليه الجميع، كما أن الفرصة كانت سانحة للانفتاح الاقتصادي مع تلك الدول الأوراسية أعضاء منظمة "شنجهاي"، لمواجهة العقوبات التي قد تفرضها الولايات المتحدة والتي قد يتعاطى معها الاتحاد الأوروبي.
وقد وجد روحاني الفرصة مواتية لتبديد ما تواترت به الأنباء عن تعكير الصفو الإيراني الروسي بعد تدخلات إسرائيلية لسحب الميليشيات الإيرانية من الجنوب السوري، وبالفعل قد حظي بتصريح هام من الرئيس بوتين إذ قال: "نحن نتعاون بنجاح في تسوية الأزمة السورية، وهنا لدينا ما نتحدث عنه؛ لأن هناك نتائج ملموسة".
وقد دعت الدول الأعضاء في منظمة شنغهاي للتعاون، جميع المشاركين في خطة العمل المشتركة الشاملة الخاصة بتسوية البرنامج النووي الإيراني للوفاء بالتزاماتهم، كما أكد الزعماء، أنه لا بديل عن العملية السياسية للخروج من الأزمة السورية، داعية جميع الأطراف المتصارعة إلى اتخاذ خطوات لتنفيذ الاتفاقات المتعلقة بمناطق تخفيف حدة التوتر.
وما بين قمة شرقية تكتسب القوة من خلال التوافق، وانضمام المزيد من الأعضاء، ما يمنحها مركزًا إستراتيجيًا على كافة الأصعدة السياسية والاقتصادية والعسكرية، وأخرى غربية تحاول أن تحافظ على قسمات القوة في ملامح وجهها، بينما يمخر الخلاف في جسد أعضائها، يرتقب العالم شكلًا جديدًا قد تفقد فيه الولايات المتحدة إدارتها كقطب أوحد للعالم، ومعه قد يسقط شعار ترامب الذي يحارب من أجله الآن "أمريكا أولًا".
قمة "شنجهاى" قمة "شنجهاى" قمة "مجموعة السبع" قمة "مجموعة السبع"