Close ad

شاهد.. أيدولوجية الخوميني "تتصدع" مع ترشح "رئيسي".. والإيرانيون ينفرون رجال الدين بتصدر "روحاني"

19-5-2017 | 20:54
شاهد أيدولوجية الخوميني تتصدع مع ترشح رئيسي والإيرانيون ينفرون رجال الدين بتصدر روحانيأيدولوجية الخوميني "تتصدع" مع ترشح "رئيسي".. والإيرانيون ينفرون رجال الدين بتصدر "روحاني"
محمد الإشعابي

 تأتي الدورة الـ12 من الانتخابات الرئاسية الإيرانية منذ تأسيس ملامح الحكم الجديد للبلاد في أعقاب الثورة الإسلامية عام 1979، وسط أجواء ملتهبة داخليًا وإقليميًا ودوليًا، ومن ثم فإن تلك الأجواء سيكون لها الدور الأكبر في تحديد مسارات هذه الانتخابات وتكوين مفرداتها.

موضوعات مقترحة

 واقتصرت دائرة التنافس في هذه الانتخابات علي 4 مرشحين فقط، حسبما أوردت الداخلية الإيرانية، بعد انسحابات متتالية لعدد من المرشحين حامت حولها الكثير من الجدل كان أبرزها الرئيس الأسبق للبلاد محمود أحمدي نجاد، والذي علل انسحابه للاستجابة لتمنيات المرشد الأعلي آية الله علي خامنئي، تلاه كل من محمد باقر قاليباف، وإسحاق جهانغيري.

 وخلصت القائمة النهائية علي الرئيس الحالي للبلاد حسن روحاني ومنافسه الرئيس إبراهيم رئيسي الملقب بـ"إية الله الإعدامات" والمدعوم من المرشد الأعلي، وكذلك مصطفي مير سليم ومصطفي هاشمي طبا، ويغازل أفراد هذه القائمة ما يزيد علي 56 مليونًا إيرانيًا هم عدد من حق التصويت في البلاد، من بين 80 مليونًا أو يزيدون قليلًا هي عدد ما تحويه الجمهورية الإيرانية من نسمات.

 لكن مفردات هذه الانتخابات جاءت بمثابة اتجاه لتغيير هوية الجمهورية الجديدة التي أسست قبل 38 عامًا، فرغم محاولة المحافظون المتشددون الذي يمثله "رئيسي" لمزيد من التوغل علي مقاليد السلطة، خشية مزيد من الانفتاح علي العالم وتدفق الحريات بشكل غير مألوف قد يكلفهم الأثمان باهظة، كما يعتقدون، في التخلي عن مشروعاتهم التوسعية حتي ولو علي حساب الشعب الإيراني نفسه، الذي يدفع فاتورة السياسة الإيرانية المتشددة والمنغلقة علي نفسها يومًا بعد يوم بسبب عدائيته المتكررة للعالم إقليميًا ودوليًا، ما يزيد من فرض الحصار الاقتصادي علي البلاد وينعكس سلبًا علي دخول المواطنين وارتفاع نسب التضخم بشكل يهدد بقائهم، الأمر الذي بدا فيه أكثر من 80% من الشعب الإيراني يعاني فقرًا مدقعًا، كما جاء في تصريح متلفز نسب لرئيس إيران الأسبق أبو الحسن بني الصدر.

 ورغم هذه المحاولات فإن التيار الإصلاحي الذي يمثله "روحاني" يتمدد في البلاد بطريقة تعكس نفور الإيرانيون أنفسهم من السياسات البالية التي ما زال كل من يجلس علي عرش البلاد أن يطبقها بحذافيرها دون رؤية، رغم بقائية المحافظون وسيطرتهم علي كثير من مؤسسات الدولة.

 ويذهب الدكتور سمير غطاس، رئيس منتدي الشرق الأوسط للدراسات الاستراتيجية، إلي أنه من الصعب تنفيذ برامج "روحاني" الإصلاحية فيما يتعلق برؤيته حول الحريات لضعف شخصيته وعدم وجود مساندة حزبية قوية يدعمه، في وقت يشهد فيه التيار المحافظ تغلغلًا في مؤسسات ضخمة مثل الجيش والحرث الثوري الإيراني، ويأتي تكوينه الفكري والسياسي عاملًا ينضم إلي مكونات ضعفه في مواجهة القوي الحديدية داخل إيران.

 الطغمة الحاكمة في البلاد دائمًا ما تحصر الإيرانيين بين خيارين أحلاهما أمرَّ من الآخر، وكأنه لا سبيل من الخلاص، فالدولة الدينية التي مازال رجال الدين فيها لهم اليد العليا في السيطرة علي مقاليد الأمور وقمع معارضي سياسات الدولة في الأغلب بالإعدم شنقًا، ومن بين جال الدين وقضاتهم الذي مثَّل بالمعارضين وأعدم العدد الأكبر من المعارضين "إبراهيم رئيسي" المرشح الرئاسي، ما انفكت تحاصر سياسات من ينَصَّبون علي حكم البلاد وغل أيديهم عن انتاج سياسيات جديدة دون الرجوع إليهم.

 ويؤكد "غطاس" علي شدة الخصوصية التي تتمتع بها الديمقراطية في إيران والتي يتحكم فيها بطبيعة الحال المرشد الأعلي ومجلس الوصاية الذي من حقه أن يختار أو يستبعد أيًا من المرشحين.

 لكن معطيات هذه الانتخابات تفيد بشيئين، الأول: هو محاولة المرشد الأعلي نفسه الخروج علي أدبيات زعيمه الروحي المرشد المؤسس "الخوميني" الذي حث منذ تأسيس الجمهورية الجديدة علي عدم ترشح رجال الدين لمناصب حكومية، وهو ما يتعارض مع ترشح "رئيسي" رجل الدين القريب من "خامنئي" الذي يسانده بقوة، أما الثاني: فهو رغم أن مساندة "خامنئي" لـ"رئيسي" يعني اعتلاءه عرش البلاد وتأتي الانتخابات شكلية كما كان متعارفًا عليه في السابق، إلا أن استطلاعات الرأي الأولية تفيد بأن "روحاني" يتصدر النتائج، ما يعني الخروج التدريجي للإيرانيين من تحت عباءة رجل الدين، ولو علي استحياء، لا سيما مع التأييد الجارف للإصلاحيين من قبل الشباب والمرأة ويمثلون أكثر من نصف عدد من لهم حق التصويت، في الوقت الذي يواجه فيه "روحاني" تحديات جمة كما حدث معه في الولاية الأولي للفوز بولاية ثانية.

 ويختلف "غطاس" قليلًا مع هذا الطرح الذي يراه مراقبون، في أن النظام الإيراني مهما اختلفت الوجوه فإن النظام باقي دون شك وكذلك سياساته، وإن فضل عدم عودة التيار المحاف إلي سدة الحكم مرة أخري لأن ذلك يعني مزيدًا من الإنغلاق ورفع درجة التوترات بالمنطقة، لا سيما بالدول العربية تحديدًا.

 داخليًا، وعود بحلاوة الحياة ورغد العيش ومزيد من العمل والكرامة معًا، هكذا يلخص "رئيسي" برنامجه الانتخابي الذي ضمنه في في 17 بندًا حدد فيها إمكاناته لتنمية اقتصادية شاملة قائمة علي الكرامة، لكن مخاوف تنتاب الإيرانيين من ملف الحريات السياسية والاجتماعية، فالرجل ينتهج نهجًا أشد قسوة من السابقين في التعامل مع المعارضين، ومن ثم فإن فرصه في الوصول للحكم تضاءل تدريجيًا، بينما يحاول "روحاني" اللعب علي وتر الحريات ومزيد من الانفتاح لكسب تأييد الشباب والمرأة وهو ما يعلي من أسهمه مقارنة بمنافسه.

 إقليميًا، تدرك الدول العربية أنه مهما خرجت نتائج هذه الانتخابات فإنها لن تتوقف عن تصدير الإرهاب بشقيه "الناعم" عبر التمدد في البلدان العربية ونشر التشيع، "الدموي" من خلال ما يفعله الحرس الثوري الإيراني "الذي يتدخل في سياسيات الدولة الإيرانية داخليًا وخارجيًا"، بالتواجد علي بعض الأراضي العربية "سوريا والعراق واليمن" ومساعدة المتمردين في تلك البلدان علي إحداث قلاقل بها وعدم استقرارها ومدَّها بالمال والسلاح والجنود، لن يتوقف، ومن ثم فإن الغليان الإقليمي تجاه إيران التي بات ينظر لها علي أنها "عدو" بسبب سياساتها التوسعية الدموية، لن يطفأه إلا بمحاولة القائمين عليها التوقف عن استفزاز العرب، والتراجع عن تلك السياسات ومعالجتها أو بالأحري التخلي عنها، وهو مستحيل لا شك.

 وبحسب "غطاس" فإن إيران تحتاج إلي انفتاح سياسي علي العالم للتغلب علي الأزمات التي حاقت بها نتيجة الحصار الاقتصادي، وإن مال إلي السياسة الخارجية التي يتبعها روحاني، ويرى أنها من الممكن أن تقلل من التوتر مع المنطقة العربية، مقبل الأيام.

 دوليًا: فإن قدوم دونالد ترامب، المعارض بشدة، لسياسات سالفه باراك أوباما الناعمة تجاه إيران في التعاطي مع ملف البرنامج النووي، فإن الإرباك قد أصاب السلطات الإيرانية والمخاوف باتت تدق البيت الإيراني من الداخل، لا سيما فيما يتعلق بالاتفاق الإطاري الإيراني المسبق والذي توصل إليه "روحاني" مع دول " 5+1" والذي بموجبه يرفع الحصار الاقتصادي عن البلاد تديجيًا ومزيد من الانفتاح علي العالم وتدفق استثمارات خارجية، تدفع بالضرورة بتحسين الأحوال المعيشية للمواطنين، الذين يعولون علي ما خرج به هذا الاتفاق، والمخاوف تنحصر في خشية أن قدوم ترامب قد يعصف بالنجاحات السابقة التي حققها "روحاني" في هذا الملف.

 فبارغم من انتقادات ترامب والحديث بخشونة لا تكترث للنفوذ الإيراني، فإن من مصلحة إيران أن يبقى "روحاني" علي سدة الحكم، فهو رجل تفاوضي بامتياز، يرى أنه لا مناص من التفاوض لرفع سوء التفاهم مع المجتمع الدولي، علي عكس منافسه "رئيسي" الذي يرى ضرورة تعيين حكومة ثورية حال فوزه لتحقيق ماخرج به اتفاق 2015، فهو ينتقد بشدة الطبيعة التفاوضية التي يقوم بها منافسه وأنها أمور لا تحقق كرامة ولا تجدي نفعًا، وتلك العقلية المحافظة المتشددة ستعود بنقطة الصفر بإيران مع المجتمع الدولي.

 "غطاس" يري أن ترامب يحشد العالم العربي والإسلامي في القمة المرتقبة للحد من الانتشار والتوسع التدريجي لإيران، ودلل علي ذلك بالقول: إن الضربة الجوية الأمريكية التي قامت بها الولايات المتحدة أول أمس في سوريا كان الهدف منها قطع الطريق علي إيران من تدشين طريق بري يربط بين سوريا والعراق ولبنان.

 وتترقب الأنظار القمة العربية الإسلامية الأمريكية، غير السبوقة، بالرياض بعد غدٍ الأحد، والتي بالضرورة ستناقش أبعاد هذا الملف وتزايد النفوذ الإيراني في المنطقة ومحاولة تحجيمه، لا سيما البعد الإقليمي وإمكانية الخروج بتوصيات من شأنها وضع أطر للحد من ذلك النفوذ.

 من هنا، فإن الانتخابات تتجه بوصلتها، طبقًا لمعطيات الأمر الواقع إلى تجديد الثقة لولاية ثانية للرئيس "روحاني" ويبدو أنه أمر بات حتميًا، رغم انتقاداته العلنية للحرث الثوري الإيراني بشكل دائم بسبب تدخله في السياسات الاقتصادية للبلاد وكذلك تحديد ملامح السياسات الخارجية، بشكل غير مسبوق، وخلال ساعات ستخرج نتائج الانتخابات ما في جعبتها، وعلي المحافظين الذين يتلكأون في الحديث عن الإصلاح ويسرعون بوتيرة قمع وقتل المعارضين أن يعيدوا النظر في كثير من سياساتهم، أما السلطة الجديدة فعليها تباعًا أن تخرج من عباءة دينية الدولة التي حطمت مكتسبات الدولة علي مدار عقود. 


الإيرانيون يدلون بأصواتهم في انتخابات الرئاسة
كلمات البحث
اقرأ أيضًا: