Close ad

بين التبرير الإنمائى والابتزاز السياسي.. سلاح التعطيش التركى ضد العرب

9-2-2021 | 20:11
بين التبرير الإنمائى والابتزاز السياسي  سلاح التعطيش التركى ضد العربصورة أرشيفية
إلهامى المليجى
الأهرام العربي نقلاً عن

د. أكثم نعيسة: أنقرة تستخدم المياه كوسيلة ضغط إستراتيجية محرمة دوليا

موضوعات مقترحة
د. أحمد مرعى: ما يصل من دجلة والفرات ليس منة من أحد بل حق شرعى وفق الأعراف الدولية
مهند الحاج على: سياسة التعطيش التى تمارس ضد سوريا والعراق تمثل جريمة حرب

الماء أصل الحياة، والماء العذب غير كاف للزرع والضرع والبشر، ما أدى إلى ما يشهده العالم من أزمة مياه، ويفاقم من حجم الأزمة ارتفاع معدلات الزيادة السكانية، وسوء استخدام المياه.
والأمن المائى يأتى ضمن أولويات الأمن القومي، والمياه كانت محلا للصراعات منذ الحياة البدائية، ما دفع البشرية لوضع أسس وقواعد لاستخدام موارد المياه، ومع بداية عقد التسعينيات من القرن الماضى، تجددت الصراعات على بعض موارد المياه، بعدما تفاقمت الأزمة، ما يتوقع معه أن يُحرمَ ثلثا سكان العالم من المياه بين عامى 2020 و2030.

ويشير عدد من الدراسات إلى أن 25 ألف شخص يموتون يوميا و200 مليون مريض سنوياً، بسبب نقص وعدم توافر المياه الصالحة للشرب.

فى إطار سعى السلطات التركية لتوسيع نفوذها الإقليمي، فإنها تلجأ لاستخدام ورقة المياه كأداة للضغط على كل من سوريا والعراق، وذلك بقطع مياه نهرى دجلة والفرات بصفة متكررة، وبناء العديد من السدود على النهرين، ما يؤثر على حصص المياه التى تصل إلى كل من سوريا والعراق.

ولقد أدت السدود التى بنتها وتبنيها تركيا على نهر الفرات، إلى تراجع حصة السوريين من النهر، إلى أقل من ربع الكمية المتفق عليها دوليا، وهى مستويات غير مسبوقة.
وتتعارض الممارسات التركية مع القوانين الدولية، التى تشدد على ضرورة الأخذ بعين الاعتبار حاجيات الدول من المياه، واتفاقيات حماية واستخدام المجارى المائية العابرة للحدود والبحيرات الدولية، خصوصا الاتفاقيتين الدوليتين لعام 1966 و1997، المنظمة للانتفاع المنصف بمياه الأنهار الدولية، والاتفاقيات الثنائية التى وقعتها مع كل من سوريا والعراق.

ومنذ أن باشرت الحكومة التركية بمشروع الكاب، المتضمن إقامة 21 سدا و19 محطة كهرومائية لاستصلاح 1.9 مليون هكتار، أدى ذلك إلى تخفيض كمية المياه المتدفقة تجاه العراق إلى حدود 50 %، وتسبب هذا الوضع الخطير فى الضرر بالزراعة والسكان فى العراق، فضلا عن الإضرار بنوعية المياه الجارية الى كل من سوريا والعراق، وأثر مشروع «الكاب» التركى سلبا على 1.3 مليون هكتار من الأراضى الزراعية العراقية، ما يعادل 40 % من الأراضى الصالحة للزراعة، وأدى إلى إغلاق 4 مجمعات لتوليد الطاقة الكهرومائية، أى ما يعادل 40 % من الطاقة الكهربائية.

وبالرغم من أن العراق يمتلك عدداً لا بأس من الخزانات المائية والسدود على نهر دجلة، فإنه غير قادر على تعويض النقص على المدى البعيد، مما أخل بالموازنة المائية التى اتبعها العراق بشأن تعويض نقص المياه فى نهر الفرات خصوصا، أنه لم يستكمل مشاريعه المائية الإستراتيجية على نهر دجلة وبشكل خاص مشروعا سدى بخمة وبادوش، حيث انتهت المرحلة الأولى لسد بخمة فى أوائل 1990، لكن العمل بالمشروع توقف بعد حرب الخليج الثانية، وكان من المفترض أن يزيد من الطاقة التخزينية المائية للعراق فى حال استكماله لنحو 130 مليار م3.

وتدعى تركيا أن نهرى دجلة والفرات عابران للحدود ولا يخضعان للقانون الدولى حول الأنهار الدولية، وعلى خلاف ما جاء فى تقرير لجنة القانون الدولى التابعة للأمم المتحدة للعام 1993، «لا يوجد أى خلاف جوهرى حول مفهوم الأنهار الدولية والأنهار العابرة للحدود وشمولها بالقانون الدولى حول الأنهار الدولية».
وتقوم السلطات التركية بإسقاط تعابير قانونية لا تتفق والطبيعة الجغرافية لنهر الفرات، ولا المعايير الدولية كمفهوم «الأنهار العابرة للحدود»، بدلاً من «الأنهار الدولية»، و«الاستخدام الأمثل»، و«التوزيع المنصف والمعقول” بدلاً من «توزيع الحصص»، وهذا التلاعب بالمفاهيم القانونية لا يشكل حجَّة قانونية مقنعة فى الفقه القانوى الدولي.

وغالبا ما تعتمد السلطات التركية سياسة الربط بين الملفات الأمنية والسياسية والملف الأمني، وترى أن الوصول لحلول نهائية بشأن الملف المائى مع العراق وسوريا، يتطلب حل الملفات الأمنية والسياسية أولا.
الدكتور أكثم نعيسة، الباحث والمحلل السياسى السوري، يرى أن السياسة الإستراتيجية التركية فى المنطقة ترتكز على قاعدتين أساسيتين، الأولى طموحها فى أن تصبح قوة إقليمية عظمى، مع رغبة شديدة فى أن ترتقى إلى قوة دولية كبرى، هذه الإستراتيجية مشوبة بنوع من «النوستالجيا» فى إعادة التاريخ إلى الوراء وإلى عصور السلطنة العثمانية، وفى هذا الإطار يمكن أن نفسر التدخل المباشر والفظ لتركيا فى ليبيا وشرق المتوسط، وأيضا يمكن تفسير تدخلها فى سوريا فى كون أحد جوانبه، هو تحقيق هذا الطموح التركي، أما القاعدة الثانية: هى الإصرار على سحق أية حركة انفصالية للأكراد، أيا كان موقعها ما دامت تهدد الأمن القومى التركي، وهى ترى أن الحركة الكردية فى شمال شرق سوريا، قاعدة ومرتكز حيوى لحزب العمال الكردى الذى يسعى للانفصال.

ويضيف نعيسة: على هذه الأرضية والرؤية السياسية التركية، تستخدم تركيا جميع الوسائل المتاحة لتحقيق أهدافها المرحلية والإستراتيجية، تبدأ من استخدام الوسائل العسكرية المباشرة أو عبر فصائل وقوات المرتزقة، مرورا بوسائل الضغط السياسى واللعب على مختلف الأوراق المتاحة لها، وانتهاء باستخدام المياه كوسيلة ضغط إستراتيجية كبرى محرمة دوليا، وتخضع لمجموعة من الاتفاقيات الدولية يعتبر خرقها هو خرق لقواعد القانون الدولى واتفاقيات المياه، والأمن المائى لكل من سوريا والعراق، وبكون أراضيها منبعا لعدة أنهار «دجلة والفرات»، تمر فى كل من أراضى سوريا والعراق، فهى من جهة تضغط على الإدارة الذاتية فى شمال شرق سوريا، لإجبارها على تقديم تنازلات،ومحاولة تحقيق مزيد من المكاسب السياسية، لا بل قد يصل الأمر إلى محاولة خنق الأكراد فى تلك المنطقة عبر تعطيشهم وقطع المياه عنهم، ومن جانب آخر تضغط على العراق وعلى إقليم كردستان، لإضعاف الدور العراقي الإقليمى عامة، لمصلحة مزيد من تقوية الدور التركي، علاوة على تحذير العراق أو الإقليم من مغبة الأكراد السوريين أو الأتراك.

الدكتور أحمد مرعى، أستاذ القانون الدولى بجامعة دمشق، يشير إلى أن «الجانب التركى يستخدم عبارة «المياه العابرة للحدود»، بدلا من الأنهار الدولية»، وتركيا «لا تعترف بالفرات ودجلة على أنهما نهران دوليان أصلا، وإنما تعتبرهما نهرين عابرين للحدود»، وذلك كى يخضعا للسيادة المطلقة للدولة التى ينبع منها، وعليه تفترض أن «من حقها أن تتصرف فى كمية المياه التى تمنحها للدولة الحوضية الأخرى، بينما تستخدم هى ما تشاء لسد حاجتها من مياه النهرين حاضرا ومستقبلا»، وهو ما يعنى «تتريك النهرين».
ويضيف مرعي، أن السياسة المائية التركية تقوم على حق السيادة المطلقة لتركيا على مواردها المائية فى «حوض» دجلة والفرات داخل أراضيها، ولذلك تصرفت بشكل مطلق بمياه النهرين، ومن خلال تشييد السدود والمشاريع الإروائية والزراعية، ولا تزال مستمرة بنهج مقارب، من دون «مراعاة» حقوق الدول المتشاطئة معها.

ويوضح مرعى أن ما سبق، استغلته تركيا فى الحرب بين العراق وإيران والأجواء المشحونة بين سوريا والعراق، تستغله اليوم مع سوريا حيث تخوض حروبا متعددة، وتمر بوضع يجعلها تتفرغ لهذه المعارك.
فى مقابل الموقف التركى من المجارى المائية، فإن الموقف السورى يؤكد أن دجلة والفرات «مجار مائية دولية»، وبالتالى تنطبق عليهما مبادئ القانون الدولى من حيث تقاسم المياه”، كما يقول مرعي، ويضيف أن «مبدأ تقسيم مياه دجلة والفرات، هو حق من الحقوق، ويجب أن يتم ذلك من خلال اتفاقيات ثنائية أو ثلاثية»، فما يصل حدودها أو حدود العراق من مياه دجلة والفرات «ليس منّة من أحد، بل حق شرعى وفق الأعراف الدولية، ووفق بروتوكول عام 1987 الموقع بين تركيا وسوريا»، مؤكدا أن سوريا «مستمرة بحقها فى تقاسم المياه وفقا للقانون الدولي، وليس وفقا للنظرة التركية وتعريفها للأنهار».

أما مهند الحاج على، عضو مجلس الشعب السورى السابق، يعتبر أن تركيا تنتهج نفس نهج الولايات المتحدة والكيان الصهيونى فى شن حرب المياه على شعوبنا العربية، وهذا يعطينا مؤشر أن نفس السياسة تستخدم تجاه سوريا والعراق، خصوصا فيما يتعلق بمياه نهرى الفرات ودجلة، ونحن نرى كيف أنه منذ عدة أعوام حوصرت مدينة الحسكة وقطعت مياه الشرب عن مدينة الحسكة والقامشلى والجزيرة السورية لعدة أعوام، فمدينة حلب على سبيل المثال عانت حصار المياه لمدة أربع سنوات، حتى إن الأهالى اضطروا إلى حفر الآبار الجوفية فى منتصف الطرق من أجل الحصول على المياه.

يرى مهند الحاج علي، أن سياسة التعطيش التى تمارس ضد وسوريا والعراق، تمثل جريمة حرب، ويتضاعف خطرها فى ظل جائحة كورونا، والذى تستوجب فى مواجهاتها الاهتمام بالنظافة الشخصية التى تحتاج للمياه، معتبرا أن تركيا فى سياساتها تلك تتجاوز القوانين المنظمة للأنهار الدولية، وكذلك القوانين الإنسانية، وممارساتها للتعطيش للبشر والحجر يستهدف الضغط لتمرير سياستها التوسعية، والتى تأتى فى إطار السعى لتنفيذ مشروع العثمانية الجديدة، والذى لن يمر.

كلمات البحث
اقرأ أيضًا: