Close ad

مع تصويت الكونجرس على محاكمة ترامب اليوم.. صدمة أوروبية ومخاوف من إستراتيجية الفوضى

11-1-2021 | 10:23
مع تصويت الكونجرس على محاكمة ترامب اليوم صدمة أوروبية ومخاوف من إستراتيجية الفوضى اقتحام الكونجرس قد يوصل ترامب الى المحكمة
منال لطفى
الأهرام اليومي نقلاً عن

إذا شاهدت فيلما أو قرأت رواية، حبكتها الدرامية تدور حول اقتحام الكونجرس الأمريكى فى واشنطن من قبل آلاف الأشخاص، الذين يريدون من أعضاء الكونجرس عدم التصديق على نتائج الانتخابات الرئاسية، ويهددون بقتل المسئولين الذين يرفضون الامتثال لمطالبهم، ومن بينهم نائب الرئيس الأمريكى نفسه وكبار المسئولين فى الكونجرس، إذا شاهدت فيلما أو قرأت رواية بتلك الحبكة، لقلت إن هذا خيال جامح ومجنون، ومستحيل الحدوث فى أمريكا.

موضوعات مقترحة

لكن هذا ما حدث أمام أعين العالم وسط ذهول وصدمة وعدم تصديق.

ومع ذلك فإن التفاصيل التى تظهر منذ الاعتداء على الكونجرس، ترسم صورة أكثر سيرالية، من بينها أن الرئيس الأمريكى دونالد ترامب خلال الهجوم، اتصل بعدد من نواب الحزب الجمهورى المحاصرين فى مبنى الكونجرس، للضغط عليهم لتأجيل التصديق على انتخاب جو بايدن كرئيس لأمريكا. وأنه خلال الهجوم راقب ترامب ما يحدث على شاشات التليفزيون مع بعض أعضاء فريقه وعلق بضيق.

أمام كل هذا، وقف العالم مشدوها ومصدوما، ثم سارعت العواصم العالمية والأوروبية بإصدار بيانات قوية اللهجة تعرب عن الصدمة والقلق، تدعو فيها إلى احترام العملية الديمقراطية فى أمريكا، وتحض على الانتقال السلمى للسلطة، وتحض على وقف العنف. لم يدرك ترامب فى البداية خطورة الهجوم على الكونجرس، ولا خطورة وضعه هو شخصيا، حتى أخبره أحد المستشارين القانونيين فى البيت الأبيض، أن ما يحدث يفتح الطريق لمساءلته قانونيا. فمعركة اقتحام الكونجرس حدثت بعد كلمة ترامب لأنصاره، استخدم خلالها كلمة «قتال» أكثر من 20 مرة، قائلا: «سيتعين علينا القتال بقوة أكبر وسيتعين على مايك بنس أن يتحرك من أجلنا...إذا لم يفعل، فسيكون ذلك يوما حزينا على بلدنا».

أما فيديوهات الاقتحام، فتشير لخطر خاص كان يتهدد نائب الرئيس مايك بنس ورئيسة مجلس النواب نانسى بيلوسي، بينها فيديو لأنصار ترامب يرددون داخل الكونجرس «الشنق لبنس...الشنق لبنس»، وفيديو آخر لشخص يقول، إنه يريد إطلاق الرصاص على بيلوسى قبل دهسها بسيارة.

وبالتالى تترقب أمريكا والعالم معها تصويت الكونجرس الأمريكى اليوم الاثنين، على قرار بمحاكمة ترامب للمرة الثانية، ليكون بذلك أول رئيس أمريكى فى التاريخ يحاكم مرتين. لكن المحاكمة الأولى غير المحاكمة الثانية.

فالأولى كانت تتعلق باتهامات بالضغط على الرئيس الأوكرانى لكشف وثائق تضر بجو بايدن وأسرته، وتمت تبرئة ترامب من قبل مجلس الشيوخ، الذى يسيطر عليه الجمهوريون.

لكن التهم المرتقبة اليوم أشد خطورة، وهى محاولة تغيير نتائج الانتخابات لمصلحته، والتحريض على أعمال شغب قاتلة فى الكونجرس، بعدما أدى الاقتحام إلى خمسة قتلي، بينهم ضابط شرطة.

انها لحظة فارقة بالنسبة للعالم. وبالنسبة لأوروبا لحظة خطيرة، وقد تترتب عليها تداعيات دولية، وليست فى الداخل الأمريكى فقط. فالضرر البالغ بصورة أمريكا فى العالم والصعاب التى ستواجهها إدارة جو بايدن، تزايدت بشدة بعد أحداث الأيام الماضية.

ويقول بيتر تروبويتزك مدير مركز الدراسات الأمريكية فى كلية لندن للعلوم الاقتصادية، إن أكبر التحديات أمام إدارة بايدن هو إعادة أمريكا التى يعرفها العالم للمسرح الدولي، وإنهاء حالة الاستقطاب الداخلى الحاد والعمل مع الحلفاء عبر الأطلنطي، للتصدى لطائفة واسعة من التحديات العالمية الملحة، لكن بعد أحداث اقتحام الكونجرس، فإن هذه التحديات أمام بايدن تزايدت صعوبة. فتحت شعار «سرقة انتخابات 2020» سيواصل ترامب نفسه وآخرون فى الحزب الجمهوري، مثل النواب توم كوتون، وجوش هاولي، وتيد كروز، التشويش على إدارة بايدن ونزع الشرعية عنها، وسط شرائح واسعة فى الشارع الأمريكي. وإذا كانت إدارة بايدن ضعيفة فى الداخل، فإن دورها العالمى سيناله الضعف أيضا، وهذا يسبب قلقا كبيرا فى أوروبا.

الجميع ينفض من حول ترامب

ومنذ اقتحام الكونجرس، لم يلتق ترامب مع نائبه مايك بنس وجها لوجه أو يتحدث معه هاتفيا. وآخر ما نقل عن ترامب قوله لبنس: «لا أريد أن أكون صديقك بعد اليوم».

فالرئيس الأمريكى يتهم نائبه بأنه خذله، لأنه لم ينفذ أوامره بمنع تصديق الكونجرس على انتخاب بايدن رئيسا لأمريكا. وعلى الرغم من ان بنس لا يملك السلطة القانونية لمنع التصديق على انتخاب بايدن.

حصار ترامب فى البيت الأبيض لا يقتصر على عدم تواصله مع مايك بنس منذ احداث الكونجرس، فقد انقلب على ترامب بعض حلفائه المقربين، مثل وزير الخارجية مايك بومبيو، ووزير الخزانة ستيفن منوشين. ووسط هذه العزلة، لا أحد يعرف على وجه الدقة كيف يفكر ترامب حاليا، لأن «تويتر» ألغى حسابه وأزال أى حسابات أخرى يمكن أن يغرد ترامب من خلالها.

صدمة عالمية

ووسط كل هذا تنظر أوروبا بذهول وصدمة وعدم تصديق. فأمين عام حلف الناتو جون ستولتنبرج غرد قائلا: «مشاهد صادمة فى واشنطن العاصمة يجب احترام نتيجة هذه الانتخابات الديمقراطية». بينما كتب رئيس البرلمان الأوروبى ديفيد ساسولي: «يجب احترام أصوات الناخبين. نحن على يقين من أن الولايات المتحدة ستضمن حماية قواعد الديمقراطية».

ووصف رئيس الوزراء البريطانى بوريس جونسون، مشاهد العنف بأنها «مشينة». وكتب على تويتر «الولايات المتحدة تؤيد الديمقراطية فى جميع أنحاء العالم، ومن الضرورى الآن أن يكون هناك انتقال سلمى ومنظم للسلطة».

فيما قال الرئيس الفرنسى إيمانويل ماكرون، فى كلمة بالفيديو: «عندما يتحدى مؤيدو الرئيس الحالي، فى واحدة من أقدم الديمقراطيات فى العالم، النتائج المشروعة للانتخابات بقوة السلاح، يتم هدم الفكرة العالمية: شخص واحد...صوت واحد». وتابع: «لن نرضخ لعنف قلة من الأفراد الذين يريدون تحدى ذلك...ما حدث فى واشنطن ليس أمريكيا». المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل قالت من ناحيتها، إن صور اقتحام مبنى الكونجرس جعلتها «غاضبة وحزينة...لكننى على يقين من أن الديمقراطية الأمريكية ستثبت أنها أقوى بكثير من المعتدين ومثيرى الشغب».

استراتيجية الفوضى

ولم تكن عناوين وسائل الاعلام الأوروبية أقل قسوة ومنها «ترامب يشعل النار فى واشنطن» و«يوم العار على الديمقراطية الأمريكية». وكانت تعبيرات «الفوضي» و«العار» الكلمات الأكثر تكرارا فى الصحف الأوروبية الرئيسية.

ففى بريطانيا ، كان عنوان «التايمز» الرئيسى هو «أنصار ترامب يقتحمون قلب الديمقراطية الأمريكية». بينما كتبت صحيفة «ديلى تلجراف»: «الديمقراطية تحت الحصار»، مشيرة إلى «مشاهد غير مسبوقة من العنف والفوضى».وبالنسبة لصحيفة «الجارديان» مثل اقتحام الكونجرس «التحدى الأكثر درامية للنظام الديمقراطى الأمريكى منذ الحرب الأهلية».

ذهبت صحيفة «لاريبوبليكا» الإيطالية اليومية إلى أبعد من ذلك، حيث قارنت بين صعود الديكتاتور الإيطالى بينيتو موسولينى إلى السلطة فى عشرينيات القرن الماضي، وبين اللحظة التى شهدتها أمريكا. وكتبت صحيفة «دى فيلت» الألمانية «يوم العار على الديمقراطية الأمريكية»، موضحة: «أن الرئيس ترامب وأكاذيبه وحزب جمهورى ضعيف مسئولون سياسيا». بينما تحدثت صحيفة «الباييس» فى إسبانيا، أن ترامب «شجع الفوضى». أما صحيفة «ليبراسيون» الفرنسية فكتبت «ترامب: استراتيجية الفوضي»، و«ترامب يشعل النار فى واشنطن». واعتبرت «لوفيجارو» أن نرجسية ترامب كلفته كل شيء «فقد تعامل بخشونة مع المؤسسات، وداس على الديمقراطية ، وقسم معسكره وألقى رئاسته فى حفرة».

حسابات معقدة

هناك كثير من القلق الأوروبى إزاء الأحداث الأخيرة فى أمريكا. وأسوأ ما تخشاه أوروبا، ان يدخل جو بايدن البيت الأبيض كرئيس ضعيف بالفعل، بسبب شكوك الملايين من أنصار ترامب أنه جاء بانتخابات مزورة. وكما يقول بيتر تروبويتز فإن وجود رئيس أمريكى ضعيف فى البيت الأبيض، يعزز موقع روسيا والصين على المسرح الدولي، وستشعر أوروبا بأنها تقف وحدها مجددا فى وجه بيئة جيوسياسية متغيرة وتتزايد صعوبة.

كما يرى الأوروبيون أن إضعاف التجربة الديمقراطية فى أمريكا بمثابة قضية أمن قومى فى أوروبا. ففى القارة الأوروبية تيارات قوية لليمين القومى الشعبوى الذى يهدد الديمقراطية فى أوروبا نفسها.

ومع أن الفترة المتبقية لرئاسة ترامب أقل من 10 أيام، إلا أن هذه الأيام قد تكون الأخطر فى تاريخ أمريكا المعاصر. فما سيحدث خلالها قد يحدد الكثير بالنسبة لأمريكا.

فإذا أكمل ترامب ولايته دون اتهامات ومحاكمة ثانية وإدانة، فسيجد الأرضية مواتية كى ينفذ خطته بأن يكون صداعا فى رأس المؤسسات الأمريكية وفى رأس إدارة بايدن، على أمل أن يترشح مجددا 2024.

لكن إذا أقيمت ضد ترامب قضايا ووجهت إليه اتهامات وأدين، فلن يكون بمقدوره الترشح فى المستقبل لأى منصب سياسى وسيتم إضعافه والحد من تأثيره على الملايين من الأمريكيين الذين يصدقون كل كلمة يقولها.

وبينما مال بعض قيادات الحزب الجمهورى فى البداية لرفض فكرة محاكمته، على أساس أنها ستثير غضبا عارما وسط أنصاره، إلا ان هناك اعتبارا آخر وهو ان كثيرا من كبار قيادات الحزب الجمهورى باتوا يعتقدون أن الحزب كله على المحك، وانه لو استمرت قبضة ترامب عليه، فإن الأمور ستتحرك من سيئ إلى أسوأ. وفى رأى بعض كبار النواب مثل السيناتور ميت رومني، فإن ترامب بات خطرا على الحزب بعدم التزامه بالمعايير والأعراف الديمقراطية، وتشكيكه فى المؤسسات الديمقراطية الأمريكية ونزاهة الانتخابات، وحديثه الدائم عن الدولة العميقة ورفضه حضور تنصيب بايدن، وإعلانه أن مشروعه السياسى مازال حيا، وانه سيعود قريبا أكثر قوة. وهذا كابوس للكثيرين داخل الحزب الجمهوري. فالضرر الذى أحدثه ترامب حول صورة أمريكا فى العالم كبير بالفعل. وأمام التهديدات بمحاكمته، يلوح ترامب بورقة مؤيديه الـ75 مليونا، فى ابتزاز ضمنى لقادة الحزب الجمهوري. لكن المعضلة بالنسبة له، ان الاتهامات الموجهة له هذه المرة أخطر بكثير من المحاكمة الأولي، وهناك عدد متزايد جديد من الأعضاء الجمهوريين فى الكونجرس يؤيدون إجراء محاكمة ثانية وعزله من المنصب، من بينهم النائبة الجمهورية عن ولاية آلاسكا، ليزا موركوفسكي، التى قالت إن ترامب يجب أن يستقيل أو يحاكم.

فماذا سيحدث إذا بدأ الكونجرس إجراءات محاكمة ثانية لترامب وتمت إدانته؟

إذا أدين ترامب بتهمة الحض على تمرد، لن يكون بمقدوره الترشح للانتخابات مجددا، ولن يحصل على المعاش التقاعدى الكبير للرؤساء السابقين، أو الحماية من الشرطة السرية الأمريكية. كما ستتطلخ سمعته، وسيصبح دون أى شك أسوأ رئيس أمريكى فى الذاكرة الحديثة. وإذا لوحق بقضايا أخرى جنائية، منها التهرب الضريبى وأدين، فإنه فى هذه الحالة سيدخل السجن على غرار والد زوج ابنته جاريد كوشنير.

كلمات البحث
اقرأ أيضًا:
الأكثر قراءة