عشرة طويلة تجمع ما بين شعوبنا وبين نظريات المؤامرة، ولعل الأيام قد حملت الإجابة لكثيرين حول صحة هذه النظريات من عدمها، خاصة إذا ماعدنا بذاكرتنا إلى بداية عصور الاستعمار ثم نشأة الصهيونية وحرب الخليج وأخيرا الحرب على الإرهاب و«نشر الديمقراطية».
موضوعات مقترحة
لكن نظرية المؤامرة الآن، قد قذفت كرتها داخل شباك المجتمع الأمريكي، فقد شكلت حالة عدم الاستقرار السياسى والاقتصادى الذى تشهده الولايات المتحدة، أرضا صلبة وقفت عليها نظرية المؤامرة لتهتز أمامها المؤسسات الأمريكية العتيدة ربما بصورة لم تسبق من قبل.
وإذا كان الإعلام الأمريكى والعالمى لم يعط اهتماما لنظريات المؤامرة التى جابت العالم العربى، فإنه الآن يسخر كل طاقاته لمواجهة الانتشار السريع لنظرية المؤامرة فى الولايات المتحدة، بل واتحدت معه وسائل التواصل الاجتماعى مثل «فيسبوك» و«تويتر» و«يوتيوب» و«تيك توك» و«ريديت»، ليتخذوا إجراءات ضد آلاف الصفحات والمواقع التى تنشر «أفكارا غريبة»، فربما هذا ليس الوقت المناسب لـ «حرية التعبير» و«الرأى والرأى الآخر»، وهى شعارات الديمقراطية التى ذهبت أدراج الريح طوال فترة ولاية الرئيس الأمريكى دونالد ترامب، وحتى إجراء الانتخابات الرئاسية الأكثر إثارة للجدل فى التاريخ الأمريكى فى 3 نوفمبر المنصرم. بل بلغت خطورة ما يجرى فى الولايات المتحدة إلى حد اعتبار بعض نظريات المؤامرة شكلا من أشكال «التطرف العنيف».
وأدرج مكتب التحقيقات الفيدرالية «إف بى آى»، حركة تحمل اسم «كيونون» التى نشأت لتقود الاعتقاد فى المؤامرة حاليا فى الولايات المتحدة- ضمن فئات «الإرهاب المحلى» فى سابقة هى الأولى من نوعها تجاه مزاعم نظريات المؤامرة. وطالب المكتب - عام 2019- شركات وسائل التواصل الاجتماعى ب »حظر« واسع أو «مواجهة» للمحتويات ذات الصلة التى يتم تداولها بين المستخدمين.
وبحسب بعض وسائل الإعلام الأمريكية، فقد شهدت نظرية المؤامرة قبولا شعبيا متزايدا فى الولايات المتحدة على مدى العقد الماضى وبخاصة خلال رئاسة ترامب، حيث تشير بعض التقديرات إلى أن 29% من الأمريكيين يعتقدون أن «الدولة العميقة» تعمل ضده، ودائما ما كان الغموض الذى يكتنف بعض الأحداث يغذى نظريات المؤامرة. ويؤكد موقع «فوكس» الإخبارى الأمريكى أن «الشرعية التى اكتسبتها نظرية المؤامرة أدت إلى تغيير جذرى فى الطريقة التى يتلقى بها المواطن الأمريكى المعلومات وتقبله لها، فقد أصبح كثير من الأمريكيين ينظرون إلى المنهج العلمى فى التفكير والصحافة بريبة دون أى دليل، ويعتبرون القادة الذين وثقوا بهم يوما ما متآمرين بشعين»، وأضاف الموقع أن «الضرر الذى لحق بثقة الجمهور الأمريكى جسيما ولن يشفى بسهولة».
حركة «كيونون» ظهرت فى أكتوبر عام 2017 خلال عهد ترامب، الذى دشن ولايته بوعده الشهير -فى خطاب التنصيب- بنقل السلطة من «نخبة واشنطن» إلى الشعب الأمريكى. لكن المناخ الذى جاءت فيه يختلف كثيرا عن نظريات المؤامرة التى شاعت فى الماضى مثلما كان الحال إزاء غموض حادث اغتيال كيندى، على سبيل المثال، وتعزز «كيونون» من الاعتقاد الواسع بين مؤيدى ترامب بأنه يقود قتالا خلف الكواليس ضد عناصر الدولة العميقة، ويعتقد أنصار «كيونون» أن المواجهة الدائرة ستنتهى إلى يوم للحساب يتم فيه اعتقال واعدام رموز شهيرة مثل هيلارى كلينتون.
واستندت «كيونون» فى حججها على مدونات لمستخدم مجهول، على موقعين على شبكة «الانترنت» يحملان اسمى «فورتشان» و«ايتشان». هذا المستخدم ادعى أنه يحوز على موافقة أمنية تعرف باسم «تصريح كيو». ودون مقر معلوم أو قيادات معروفة أو مصادر تمويل محتملة انتشرت كيونون بين الآلاف منذ بدء انطلاقها. وذكرت شبكة «بى بى سى» الإخبارية البريطانية أن فترة تفشى فيروس كورونا زادت من أتباع «كيونون» بشكل كبير، وأن مئات الآلاف يعتقدون فى صحة بعض نظرياتها على الأقل.
وأشارت إلى أن العديد من أنصار «كيونون» تم اعتقالهم بسبب إطلاقهم تهديدات.
قد تكون حركة «كيونون» نتاجا لحالة الشك العميقة التى أصابت كثيرا من الأمريكيين تجاه مؤسساتهم منذ سنوات، وكانت هجمات 11 سبتمبر حجر زاوية فى ترسيخ هذه الشكوك بسبب تأكيد كثير من الخبراء عدم قدرة طائرة على الاصطدام بمبنى بعينه دون توجيه أرضى، وأظهرت دراسة لجامعة شيكاغو عام 2014، أن 19% من الأمريكيين يعتقدون فى «وقوف الحكومة الأمريكية» وراء هذه الهجمات.
وتمتد نظرة الريبة لدى الأمريكيين إلى العديد من القضايا المثارة، وسط اعتقاد شائع بأن هناك مجموعة من الأشخاص يسيطرون على العالم، فقد كشفت صحيفة «نيويورك تايمز» الأمريكية- قبل أيام- عن استطلاع شمل 26 ألف شخص فى 25 بلدا حول العالم، أظهر اعتقاد 37% من الأمريكيين المشاركين فى هذه الفكرة.
كما ثارت أخيرا نظرية «إعادة الهيكلة العظيمة» للاقتصاد العالمى والتى تفيد بأن مجموعة من قادة العالم دبروا تفشى فيروس كورونا للدفع بسياسات جديدة من أجل السيطرة على الاقتصاد العالمى، وقد جذب فيديو مروج لهذه النظرية 3 ملايين مشاهدة على موقع «يوتيوب».
وبينما ينشغل الإعلام الأمريكى حاليا فى شن حملة اتهامات ضد أنصار نظريات المؤامرة بأنهم يقومون «بشيطنة الآخر ورفضه»، فإن الإعلام الأمريكى قد وقع فى الفخ نفسه، وربما يمثل قيام 4 قنوات تليفزيونية بقطع البث عن خطاب الرئيس ترامب من البيت الأبيض، وهو يعرض خلاله شكاوى محددة إزاء عملية التصويت، سابقة جديدة من نوعها فى «العالم الحر».
وإذا كانت وسائل الإعلام والمؤسسات الأمريكية هى نفسها تلك التى روجت لوجود صلة بين الرئيس الراحل صدام حسين والقاعدة وامتلاك العراق سلاحا نوويا، والصلة بين الرئيس ترامب وروسيا، استنادا إلى «معلومات مخابراتية»، وهو جميعا ما ثبت كذبه بشكل قاطع لاحقا، إذن فمن الذى يملك حق توجيه الاتهام بنشرالمعلومات المغلوطة والترويج لنظرية المؤامرة؟
نقلا عن صحيفة الأهرام