ما بين سجن الصحفيين واعتقال المعارضين والتنكيل بنشطاء حقوق الإنسان يحاول الرئيس التركي رجب طيب أردوغان أن يبنى إمبراطوريته العثمانية المزعومة، دون أن يأبه لعدد الضحايا فالهدف هو مجده الشخصي ولو كان على حساب شعبه المتألم.
موضوعات مقترحة
تقارير حقوقية متعددة رصدت انتهاكات جسيمة لحقوق الإنسان تقوم بها الحكومة التركية، آخرها، رصد تدخل الشرطة التركية فيما لا يقل عن 637 احتجاجًا وتجمعًا سلميًا في الأشهر الثمانية الأولى من العام الجاري، وتعرض نحو 1346 شخصًا لسوء المعاملة في غرف الاحتجاز، فيما تم سجن صحفيين ونشطاء بتهمة إهانة الرئيس.
أردوغان عدو الصحافة
التقرير الذي أعده مركز التوثيق التابع لمنظمة حقوق الإنسان والحريات في تركيا، عن الفترة من مطلع يناير 2020 إلى 31 أغسطس المنصرم، كشف أن السلطات التركية احتجزت 38 صحفيًا وكاتبًا واحدًا، وأمرت المحكمة بسجن 17 صحفياً منهم ، فيما أطلقت سراح 9 منهم تحت الرقابة القضائية .
وأظهر التقرير أن 24 شخصًا على الأقل واجهوا الاحتجاز بتهمة إهانة الرئيس التركي، بينما اعتقل ثلاثة منهم، في حين قررت السلطات فتح تحقيق مع شخص واحد بالتهمة نفسها.
ونوه التقرير باستمرار محاكمة 18 فنانًا في تلك الفترة بشتى الاتهامات، من بينها الدعاية لصالح تنظيم إرهابي، وإهانة الرئيس، مشيرًا إلى أن المحكمة وافقت على مذكرة الاتهام التي أعدتها النيابة العامة بحق اثنين من هؤلاء الفنانين .
يذكر أن قانون العقوبات التركي ينص على معاقبة من أهان الرئيس بالسجن ما بين سنة وأربع سنوات، وقد شهدت قضايا إهانة الرئيس زيادة كبيرة منذ تولي رجب طيب أردوغان منصب الرئاسة في عام 2014، الأمر الذي دفع المعارضة إلى اتهامه باستخدام هذا القانون كسلاح ضد معارضيه.
ولفت التقرير أيضًا إلى أن المحاكم التركية منعت الوصول إلى 53 خبرًا على الإنترنت ، و75 موقعًا إلكترونيا، وصفحتين على الإنترنت، وخمسة حسابات على وسائل التواصل الاجتماعي ، و59 محتوى مختلفًا على الإنترنت.
كما قررت حجب 145 عنوانًا على الإنترنت، وحظر طباعة كتاب وصدور أعداد صحيفة.
اعتقالات بالجملة
وأشار التقرير إلى اعتقال ما لا يقل عن 160 شخصًا من أعضاء ومديري جمعيات ومؤسسات ونقابات عمالية ومنظمات مهنية، سجن 70 منهم، وتم الإفراج عن 73 شخصًا بشرط الرقابة القضائية.
كما تم احتجاز ما لا يقل عن 675 شخصًا لأسباب مثل "مساعدة منظمة وتحريضها"، أو"عمل دعاية لمنظمة" و"العضوية في منظمة"، وتم اعتقال 72 شخصًا، وتم الإفراج عن 117 شخصًا بشرط الرقابة القضائية و 19 شخصًا تم وضعهم رهن الإقامة الجبرية .. وخلال الفترة ذاتها ، أقالت وزارة الداخلية رؤساء 14 بلدية – مقاطعتان و 11 منطقة ومدينتان – وتم تعيين وصي بدلاً منهم. واعتقل ثلاثة نواب في البلمان وألغيت عضويتهم بناء على قرارات قضائية نهائية
هذه الوقائع وغيرها جعلت تركيا تتراجع في مؤشر الحريات، لتحتل المركز الثاني بعد دولة بوروندي بين أكثر دول العالم تدهورا خلال السنوات العشر الأخيرة، بحسب أحدث نسخة من التقييم السنوي للحريات الأساسية الخاص بـ2020 والصادر عن منظمة "فريدوم هاوس" الحقوقية الأمريكية.
وبيّن التقرير أن "الملاحقات القضائية وحملات التحرش ضد السياسيين المعارضين وأعضاء بارزين في المجتمع المدني استمرت على مدار العام 2019".
كما أشار إلى استمرار تدهور حرية التعبير في البلد وإلى مشاكل في نظام العدالة، مؤكدًا أن "تركيا بلد تراجع كثيرا في مجال الحريات".
وأوضح التقرير أن الانتخابات البلدية التي شهدتها تركيا في 31 مارس الماضي "أسفرت عن انتصارات تاريخية للمعارضة، ولكن القيود المفروضة على الحقوق الأساسية استمرت بما في ذلك قمع أولئك الذين يتحدثون ضد التوغل العسكري الأخير في شمال سوريا".
تسييس القضاء
ويتهم الرئيس التركي رجب طيب أردوغان بتسييس القضاء في بلاده خلال السنوات الأخيرة على نطاق واسع، واستغلاله في الانتقام من معارضيه وزيادة نفوذه.
وخلال زيارته تركيا مؤخرًا أكد وفد البرلمان الأوروبي أن "هناك أزمة خطيرة تتعلق بسيادة القانون، منتقدا عزل رؤساء البلديات الأكراد المنتخبين وتعيين وصاة بدلًا منهم، دون أي أدلة ضدهم.
وفي تقرير آخر صادر عن مكتب الديمقراطية وحقوق الإنسان والعمل التابع للخارجية الأميركية، أكد ضلوع تركيا في انتهاكات لحقوق الإنسان بالجملة، وعدم مبادرة السلطات إلى التحقيق بشكل جدي في الخروقات المسجلة.
تعذيب وقتل عشوائي
وبحسب التقرير الحقوقي فإن انتهاكات السلطات التركية، تراوحت بين الإخفاء القسري والتعذيب والقتل العشوائي خارج إطار القانون، هذا إلى جانب تسجيل وفيات داخل زنازين التوقيف.
وأشار إلى توقيف عشرات الآلاف من الأشخاص، بشكل تعسفي، ومن بينهم برلمانيون سابقون ومحامون وصحفيون وأجانب وموظفون في البعثة الدبلوماسية الأميركية بتركيا.
وأوضح التقرير أن السلطات التركية تعزو هذه الاعتقالات الكثيرة، إلى ما تصفها بالحرب ضد الإرهاب، لكن الحقوقيين يعتبرون الأمر مجرد ذريعة.
قلق غربي
وأعربت واشنطن عن قلقها من استمرار الإفلات من العقاب في تركيا، عند ضلوع أفراد من السلطة في خروق حقوقية، بينما يقبع أشخاص منتخبون "ديمقراطيا" في السجون إلى أجانب أكاديميين مرموقين بسبب التعبير عن آرائهم.
وقال التقرير إن السلطات لا تتخذ ما يكفي من الإجراءات لأجل حماية المدنيين، ففي أغسطس الماضي مثلا، قام جنود أتراك، بإطلاق النار من طائرتهم المروحية في إقليم هكاري، ما أسفر عن مصرع فتى في الرابعة عشرة من عمره وإصابة آخر.
وبين التقرير أن جمعيات ناشطة في حقوق الإنسان بتركيا، وثقت ما يقارب 38 حالة وفاة محتملة في السجون من جراء المرض أو الانتحار أو التعنيف وعوامل أخرى.