يبدو أن تفهم الرئيس الأمريكي دونالد ترامب لموقف نظيره التركي رجب طيب أردوغان بخصوص شرائه صفقة أس ــ 400، لن يبق طويلا، بل هو في طريقه لينقلب للنقيض استجابة لإلحاح صقور إدارته من جانب، وضغوط الكونجرس ــ التي لا تنتهي ــ من جانب آخر، أي أنه سيرضخ في النهاية، وبقلمه الشهير سيوقع على عريضة تضم الإجراءات العقابية على تركيا.
موضوعات مقترحة
وتمهيدا لتلك الخطوة، التي أصبحت قاب قوسين، أعلن وزير خارجيته " مايك بومبيو " أمس الخميس أن البيت الأبيض بصدد " تقييم كيف نطبق عقوبات من أجل تحقيق هدفنا النهائي " الذي هو عدم تفعيل منظومة الدفاع الجوي الروسية . جاء ذلك ردا على أسئلة السناتور بوب منينديز كبير الديمقراطيين أثناء جلسة استماع للجنة العلاقات الخارجية في مجلس الشيوخ .
أما ما طالب به " أحمد برات تشونكار"، نائب رئيس المجموعة التركية لدى الجمعية البرلمانية لحلف الناتو، بضرورة أن يتصرف الكونجرس بحكمة، مشددا على أن الولايات المتحدة وبلاده حليفان، فقد ذهب ادراج الرياح، اذ لم تعد هناك آذان مستعدة للأصغاء لتصريحات مكررة وغير مجدية يدلي بها الساسة الأتراك.
وفي مقابلة أجراها مع وكالة بلومبيرج. أوضح بومبيو أن "هناك المزيد من العقوبات التي من الممكن فرضها" في إشارة ما تم فعلا بشطب اسم تركيا من قائمة البلدان التسع المشاركة في تصنيع المقاتلة أف ــ 35، وقبلها منع طياريها من مواصلة التدريب عليها وإمهالهم بضعة أيام لمغادرة الأراضي الأمريكية.
وطبيعي أن يكون الاقتصاد في وريثة الإمبراطورية العثمانية المنقضية ـ المتداعي أصلا والذي بات في حوزة أردوغان وصهره وزير الخزانة والمالية " بيرات البيراك " المتضرر الأكبر نتيجة لهذا التطور الذي لم يتوقعه أردوغان لاعتقاده خطأ أن ترامب سيجهض أي محاولات تستهدف الايذاء بحكومته، ولكن هيهات فأصوله تلقت في ذات التوقيت " اي الخميس "ضربة جديدة فالسندات الدولية هوت وسط استمرار المخاوف حيال تناقص احتياطي النقد الأجنبي والتكلفة الباهظة لتدخلات الدولة من أجل دعم العملة التي هوت لتسجل 7.0060 ليرات مقابل الدولار الواحد في أضعف سعر لها منذ منتصف مايو.
والتوازي مع عطلة عيد الأضحى، وفي ظل سيولة هزيلة، أظهرت بيانات رسمية استمرار البنوك الحكومية بتعليمات مباشرة من القصر الرئاسي في أنقرة، بتعزيز المراكز المدينة بالعملة الصعبة، يذكر أن البنك المركزي والبنوك الحكومية باعوا نحو 110 مليارات دولار منذ أوائل العام الماضي على أمل وقف نزيف الليرة أمام العملات الحرة .
ومع تسارع وتيرة التدخلات بسوق الصرف الأجنبي في الأشهر الأخيرة وكذا المخاوف بشأن استنزاف الاحتياطيات وزحف المواطنين على شراء الدولار، وبالرغم من مساعي الحكومة لتحقيق استقرار في التعاملات، أكد محللون أن تجدد الضغوط على الليرة - بعد عامين من أزمتها الشهيرة في أغسطس 2018 علي خلفية أزمة القس أندرو برونسون – صار يبرهين بجلاء على أن التدخلات فقدت زخمها.
والأسبوع الماضي تراجع صافي احتياطيات البنك المركزي من النقد الأجنبي إلى 28.7 مليار دولار، ليصل إلى أدنى مستوياته التي كان عليها قبل شهرين ونصف الشهر، صحيح زادت الاحتياطيات الإجمالية إلى 51 مليار دولار، إلا أن محللين شككوا في ذلك كون جزء كبير منها ليس سوى أموال مقترضة أو ذهب.
وبدورها سجلت السندات السيادية المقومة بالدولار تراجعا حادا إلى تجاوز مستويات منتصف مايو، بيد أن إصدار 2030 سجل أكبر انخفاص أسبوعي له منذ أن عصفت جائحة فيروس كورونا بالأسواق العالمية في مارس، وهنا قال متخصصون " إن موجة البيع التي حدثت في وقت متأخر أول أمس "دليل لا يتطرق إليه الشك في أن الليرة التركية ستكون أسيرة ضغوط قوية وهو أمر سيزيد من فقدان قيمتها وبالتالي من الصعب التحكم فيها "في الأجل الطويل بدون نظام مالي فعالي يحظى بالمصداقية " .
ولكن كيف يتحقق ذلك ؟ فبحسب تعبير " سيرجي ديرجاتشيف "، مدير المحفظة في يونيون إنفستمنت، "تركيا منخرطة في نقاط جيوسياسية ساخنة عديدة والمشكلة أن تلك المغامرات باهظة التكلفة وغير مضمونة النتائج."