أعلن الرئيس الجزائري، عبدالعزيز بوتفليقة، المنتهية ولايته، اليوم الإثنين، في رسالة وجهها للأمة، عدم ترشحه لولاية رئاسية، وتأجيل الانتخابات الرئاسية التي كان مقرر لها في 18 أبريل.
موضوعات مقترحة
وقال بوتفليقة، في الرسالة التي وجهها لشعبه، "تمُرُّ الجزائر بمرحلة حساسة من تاريخها. ففي الثامن من شهر مارس الجاري، وفي جُمعةِ ثالثة بعد سابقتيها، شهِدت البلادُ مسيرات شعبية حاشدة. ولقد تابَعـْتُ كل ما جرى، وكما سبق لي وأن أفضيت به إليكم في الثالث من هذا الشهر، إنني أتفهمُ ما حرك تِلكَ الجُموعِ الغفيرة من المواطنين الذين اختاروا الأسلوب هذا للتعبيرِ عن رأيهم، ذلكم الأسلوب الذي لا يفوتني، مرَّة أخرى، أن أنوه بطابعه السلـمي".
وأضاف بوتفليقة، في ذات الرسالة "إنني لأتفهم على وجهِ الخصوص تلك الرسالة التي جاء بها شبابنا تعبيرًا عما يخامرهم من قلق أو طموح بالنسبة لمستقبلهم ومستقبل وطنهم. وأتفهَّمُ كذلك التباين الذي وَلَّدَ شيئًا من القلق، بين تنظيم الانتخابات الرئاسية في موعد مناسب تقنيًا من حيث هو معلـم من معالـم حكامة الحياة الـمؤسساتية والسياسية، وبين التعجيل بفتح ورشة واسعة بأولوية سياسية قصوى للغاية، ومن دون تعطيل غير مبرر، الـمتوخى منها تصور وتنفيذ إصلاحات عميقة في الـمجالات السياسية والـمؤسساتية والاقتصادية والاجتماعية، بإشراك على أوسع ما يكون وأكثر تمثيلاً للـمجتمع الجزائري، بما فيه النصيب الذي يجب أن يؤول للـمرأة و للشباب".
وتابع بوتفليقة "إني أتفهمُ كذلك، أنّ مشروع تجديد الدولة الوطنية، الذي أفصحتُ لكم عن أهمِّ مفاصله، يجدر أن يضفى عليه الـمزيد من التوضيح، وأن يتم إعداده، حتى نتفادى أية ريبة قد تخامر الأذهــــان، وذلك باستجماع الشروط اللازمة والظروف الـملائمة لتبنيه من قبل كل الطبقات الاجتماعية وكل مُكوِّنات الأمة الجزائرية".
وأضاف بوتفليقة "وفاء مِنّي لليمين التي أدّيتها أمام الشعب الجزائري بأن أصون وأرجح الـمصلحة العليا للوطن، في جميع الظروف، وبعد الـمشاورات الـمؤسساتية التي ينصُّ عليها الدستور، أدعو الله أن يعينني على عدم الزيغ عن القيم العليا لشعبنا، التي كرسها شهداؤنا الأبرار ومجاهدونا الأمجاد".
كما عرض بوتفليقة على شعبه من خلال رسالته، جملة من القرارات "لا محلَّ لعهدة خامسة، بل إنني لـم أنْوِ قط الإقدام على طلبها حيـث إن حالتي الصحية وسِنّي لا يتيحان لي سوى أن أؤدي الواجب الأخير تجاه الشعب الجزائري، ألا وهو العمل على إرساء أسُس جمهورية جديدة تكون بمثابة إطار للنظام الجزائري الجديد الذي نصبو إليه جميعًا. إن هذه الجمهورية الجديدة، وهذا النظام الجديد، سيوضعان بين أيدي الأجيال الجديدة من الجزائريات والجزائريين الذين سيكونون الفاعلين والـمستفيدين في الحياة العمومية وفي التنمية الـمستدامة في جزائر الغد".
واستجاب بوتفليقة لطلب الشارع الذي خرج في مظاهرات سلمية، منذ أزيد من أسبوعين، مطالبًا إياه بالعدول عن قرار الترشح، مشيرا في رسالته "لن يُجْرَ انتخاب رئاسي يوم 18 من أبريل المقبل، والغرض هو الاستجابة للطلب الـمُلِح الذي وجهتموه إلي، حرصا منكم على تفادي كل سوء فهم فيما يخص وجوب وحتمية التعاقب بين الأجيال الذي اِلْتزمت به، ويتعلقُ الأمر كذلك بتغليب الغاية النبيلة الـمتوخاة من الأحكام القانونية التي تكمُن في سلامة ضبط الحياة الـمؤسساتية، والتناغم بين التفاعلات الاجتماعية - السياسية؛ على التشدد في التقيد باستحقاقات مرسومة سلفًا. إن تأجيل الانتخابات الرئاسية الـمنشود يأتي إذن لتهدئة التخوفات المعبَّر عنها، قصد فسح الـمجال أمام إشاعة الطمأنينة والسكينة والأمن العام، ولنتفرغ جميعًا للنهوض بأعمال ذات أهمية تاريخية ستمكّننا من التحضير لدخول الجزائر في عهد جديد، وفي أقصر الآجال".
كما طرح الرئيس الجزائري، خيار تشكيل حكومة جديدة على شعبه، مشيرًا "عزمًا مني على بعث تعبئة أكبر للسلطات العمومية، وكذا لمضاعفة فعالية عمل الدّولة في جميع المجالات، قرَّرتُ أن أُجري تعديلات جمة على تشكيلة الحكومة، في أقرب الآجال. والتعديلات هذه ستكون ردًا مناسبًا على الـمطالب التي جاءتني منكم وكذا برهانا على تقبلي لزوم المحاسبة والتقويم الدقيق لـممارسة الـمسئولية على جميع الـمستويات، وفي كل القطاعات".
ودعا بوتفليقة في سياق متصل "لعقد الندوة الوطنية الجامعة المستقلة ستكون هيئة تتمتع بكل السلطات اللازمة لتدارس وإعداد واعتماد كل أنواع الإصلاحات التي ستشكل أسيسة النظام الجديد الذي سيتمخض عنه إطلاق مسار تحويل دولتنا الوطنية، هذا الذي أعتبر أنه مهمتي الأخيرة، التي أختم بها ذلكم الـمسار الذي قطعته بعون الله تعالى ومَدَدِهِ، وبتفويض من الشعب الجزائري".
ونوه بوتفليقة، إلى أن الندوة التي دعا إليها، "ستكون هذه النّدوة عادلة من حيث تمثيلُ المجتمعِ الجزائري ومختلف ما فيه من الـمشارب و الـمذاهب".
وأضاف الرئيس الجزائري "ستتولى النّدوة هذه تنظيم أعمالها بحريّة تامة بقيادة هيئة رئاسية تعددية، على رأسـها شخصية وطنية مستقلة، تَحظى بالقبول والخبرة، على أن تحرص هذه النّدوة على الفراغ من عُهدَتها قبل نهاية عام 2019. سيُعرض مشروع الدستور الذي تعدُّه النّدوة الوطنية على الاستفتاء الشعبي، والندوة الوطنية الـمُستقلة هي التي ستتولى بكل سيادة، تحديد موعد تاريخ إجراء الانتخاب الرئاسي الذي لن أترشح له بأي حال من الأحوال".
كما أكد بوتفليقة، أن الانتخابات الرئاسية "ستنظَّم، عقب الندوة الوطنية الجامعة الـمستقلة، تحت الإشراف الحصري للجنةٍ انتخابية وطنيةٍ مستقلة، ستُحدد عهدتها وتشكيلتها وطريقة سيرها بمقتضى نصّ تشريعي خاص، سيستوحى من أنجع و أجود التجارب والـممارسات الـمعتمدة على الـمستوى الدَّوْلي. لقد تقرر إنشاء لجنة انتخابية وطنية مستقلة استجابةً لـمطلب واسع عبرتْ عنه مختلف التشكيلات السياسية الجزائرية، وكذا للتوصيات التي طالـما أبدتها البعثاتِ الـملاحظة".