تغيرت الصورة النمطية للسيدات فى دول الخليج، واختلفت عن الصور القديمة التى تحتفظ بها النساء فى تلك البلدان المحافظة، ففى السعودية التى شهدت تطورًا اجتماعيًا كبيرًا مُنحت على إثره المرأة حقوقا وصفت بـ"التاريخية" مثل حق ركوب السيارات والدراجات، وإصدار الأوراق الرسمية دون ولى أمر، وحضور المباريات التاريخية، ضمن الإصلاحات التى أقرها ولى العهد السعودى محمد بن سلمان فى إطار "رؤية المملكة 2030" .
موضوعات مقترحة
عندما غادرت الشابة السعودية أميرة التركستاني بوسطن في العام 2015 بعد تخرجها في الجامعة، سخر منها أصدقاؤها عندما قامت بشحن دراجتها الهوائية الفستقية اللون إلى السعودية.
وقالت وهي تضحك: "قالولي إيش حتساوي فيها "ماذا ستفعلين بها" بجدة؟ لح "لسوف" تعلقيها عالجدار "على الجدار؟"، بحسب "يورو نيوز".
في ذلك الوقت، كان ركوب النساء دراجات هوائية في الشارع أمرًا غير وارد في المملكة المحافظة بشدة، حين كانت جماعة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر تقوم بدوريات في الأماكن العامة لفرض الملابس المحتشمة وحظر الموسيقى والمشروبات الكحولية والتأكد من إغلاق المحال التجارية في أوقات الصلاة ومنع اختلاط الرجال بالنساء من غير المحارم أو ممن لا تجمعهم بهن علاقة شرعية.
لكن سرعان ما تغير الوضع، فبعد ثلاث سنوات فقط كانت أميرة تركب الدراجة بانتظام على شاطئ جدة على ساحل البحر الأحمر وحدها أو مع زوجها وأبنائها.
وترتدي المرأة البالغة من العمر 30 عامًا عباءة أثناء ركوبها الدراجة، لكن بدلا من ارتداء عباءة سوداء فإنها تختار من مجموعة عباءات ألوانها فاتحة صممتها بنفسها وزينتها بأربطة وعلامات رياضية.
قالت التركستاني "جدة اليوم حتى ما هي زي جدة من قبل خمس أو ست سنوات"، وأضافت "تراجع التدقيق على الزي وأصبح هناك أماكن أكثر يمكن الذهاب إليها وأصبحت فرص العمل المتاحة للمرأة مثل تلك الموفرة للرجال".
وباتت السعودية تتغير كل يوم بعد أن كانت لعقود ملتصقة بالماضي على نحو لا يمكن التراجع عنه فيما يبدو.
وأميرة متشوقة لأن تنطلق على الطريق، وقالت "ليس الأمر أنني أرغب في قيادة السيارة فقط لأنني أريد أن أقود السيارة... إنها ضرورة".
وأميرة أم لطفلين وتعمل في تعليم تصميم الرسوم التوضيحية بالكلية الدولية في جدة ولطلاب على نفقتهم الخاصة، وتحقق ذاتها وتكسب دخلاً إضافيًا قليلاً من بيع العباءات التي تقوم بصنعها في البيت، كما تجيد الإنجليزية والعربية والتركية بطلاقة وتدربت كراقصة باليه، وتمارس رياضة اليوجا في وقت فراغها وتتدرب في قاعة رياضية.
ومن الرياض إلى العاصمة البحرينية المنامة، فربما يكون المعتاد حين تدخل ورشة لإصلاح السيارات أن تجد عاملاً فنيًا يلطخ الزيت والشحم ملابسه ويديه، لكن هذا المشهد النمطي بات مختلفًا بعض الشيء في البحرين، إذ أصبح للنساء حضور في مهنة طالما عُرفت بهيمنة الرجال في هذا المجتمع الخليجي.
داخل ورشة لإصلاح السيارات في العاصمة المنامة، وقفت حنين نوروز (20 عامًا) وسط أكثر من عشر مركبات يعمل على إصلاحها فنيون من الرجال.
بدأت حنين العمل في هذا المجال منذ أكثر من عام، وتروي كيف بدأت رحتلها بقرار قضاء عطلتها في التدريب على إصلاح السيارات، وبعد انقضاء مدة التدريب، قررت حنين الاستمرار في هذا المجال، وفقا لـ"بى بى سى".
تقول حنين "أعمل على فحص جميع السيارات التي ترد إلي في الورشة يوميا، وأستطيع أن أحدد ما هي المشكلة التي تعطل السيارة أو ما قد تحتاج إليه السيارة من إصلاحات أو قطع غيار"
غير أن التجربة لم تلق ترحيبا كبيرا لدى مجتمعها الخليجي ذي الطابع المحافظ، لذا تقول: "عندما يأتي العملاء إلى الورشة لإصلاح سياراتهم أرى نظرات الاستغراب في أعينهم، فهم لم يعتادوا التعامل مع فتاة تعمل على إصلاح السيارات. قليل منهم من يتقبل وجودي في هذا المكان".
من بين من يرفض فكرة اشتغال النساء بأعمال ذات طابع ذكوري، خالد الطيب، الذي يرى أن "هناك مهنا ذكورية تتطلب مقومات خاصة لا تتوفر في المرأة نظرا لتكوينها الجسدي الضعيف".
ويضيف الشاب البحريني "عندما تخرج المرأة عن المألوف وتعمل في مجالات إصلاح السيارات أو الحفر والبناء مثلا، فيكون هذا بمثابة شذوذ عن أعراف المجتمع وتقاليده".
أحمد خالد، وهو شاب بحريني آخر، يتفق مع هذا الرأي، قائلاً "لا ينبغي على النساء أن يقمن بأعمال رجولية قد تتطلب أحيانًا حمل أوزان ثقيلة، فحفاظًا على أنوثتها، لا يجب على المرأة أن تجعل من نفسها رجلا وتعمل إلى جانب الذكور في مثل تلك المجالات".
وترى حنين أن هناك "حدودا" بالنسبة لعمل المرأة بمجال إصلاح السيارات.
الحدود التي تتحدث عنها حنين وتؤمن بها هي رؤية المجتمع لقدرتها البدنية كأنثى غير قادرة على إنجاز جميع المهام المطلوبة في إصلاح السيارة والتي تتطلب جهدا عضليا.
وبالرغم من هذا، فإن حنين ليست الوحيدة من فتيات البحرين التي قررت العمل بهذا المجال الذي يُنظر إليه بصفة نمطية على أنه ذكوري خالص.
فداخل مركز آخر لصيانة السيارات، وقفت فاطمة تباشر عملها وقد ارتدت قناعا واقيا وسترة خاصة بأعمال السمكرة وخلط الأصباغ.
فبعد تخرجها في كلية التجارة، لم ترغب الشابة البحرينية في الاشتغال بعمل تقليدي كقريناتها حديثات التخرج، وفضّلت أن تغرد خارج السرب.
وبينما بدا عملها في هذا المجال أمرا غير مألوف للكثيرين في البحرين، فإنها تلقت دعما من والدها على ممارسة هذه المهنة.
"عندما استشرت والدي عن المجالات غير الاعتيادية التي من الممكن أن أعمل بها، نصحني باختيار مجال السمكرة، وكان له دور بارز في تشجيعي على العمل بهذا المجال".
ومثل حنين، أكدت فاطمة أن عملها في هذه المهنة لم ينل رضا الكثيرين في مجتمعها.
وتقول فاطمة "لم يلق عملي هذا استحسان كثيرين في البحرين لأنهم يرون أنه أمر صعب على الفتاة أن تعمل في السمكرة ولكن تصميمي على الاحتراف فيه أثبت لهم العكس".
ولا توجد إحصاءات دقيقة عن عدد النساء اللاتي يعملن في وظائف يعتبرها المجتمع مقصورة على الرجال.
لكن النساء في البحرين يشكلن أكثر من 47 في المئة من القوى العاملة في المملكة الخليجية، بحسب بيانات برنامج الأمم المتحدة الإنمائي لعام 2010.
ويعمل في البحرين ما يقرب من 157 ألف مواطن بحريني، بحسب إحصاءات هيئة سوق العمل في البلد عام 2017.
وربما تلقت كلٌ من فاطمة وحنين دعما من الأسرة للعمل في هذا المجال، لكن كيف ينظر سوق العمل في البحرين لهذا الأمر؟
يقول أحمد زينل، المدير في شركة لإصلاح السيارات، إن تجارب تعيين المرأة في المهن ذات الصبغة الذكورية قد أثبتت نجاحها بشكل ملحوظ.
ويضيف زينل "نرى أنهن رائدات في مجالات كثيرة تتسم بطابع ذكوري، بل إن النساء أحيانا يتفوقن على الرجال فيها".
"هناك الكثير من البحرينيات اللاتي يعملن في مجالات ذكورية خالصة مثل الحدادة وهندسة الطيران والميكانيكا وغيرها".
كما يشير إلى أن المجتمع البحريني "أصبح أكثر تحررا فيما يخص عمل النساء في هذه المهن، طالما لا يتعرضن خلالها لما يؤذي كرامتهن أو أنوثتهن".
وبغض النظر عن عدد البحرينيات اللواتي تمكن بالفعل من امتهان أعمال يراها البعض ذات طبيعة ذكورية خالصة، يبدو وأن قطاعًا من المجتمع يسعى لمحو صورة نمطية سلبية قد ترتبط بعجز النساء عن العمل بوظائف ظلت حكرا على الرجال لسنوات طويلة .
. . . . .