Close ad

الشهيد محمد الدرة.. لحظات قصيرة اختصرت عقودًا من الاحتلال

30-9-2017 | 14:33
الشهيد محمد الدرة لحظات قصيرة اختصرت عقودًا من الاحتلال الشهيد محمد الدرة
محمد فايز جاد

بعد مرور 17 عامًا، يبقى الفلسطيني محمد الدرة (1988 – 2000)، الذي تحل اليوم 30 سبتمبر ذكرى استشهاده، أيقونة، لا للانتفاضة الفلسطينية وحسب، وإنما أيضًا أيقونة للقضية الفلسطينية برمتها منذ ما قبل 1948 حتى الآن.

موضوعات مقترحة

في اليوم الثالث للانتفاضة الفلسطينية "انتفاضة الأقصى"، التي اندلعت ردًا على اقتحام رئيس الوزراء الإسرائيلي الأسبق آرييل شارون للمسجد الأقصى مع عدد من جنوده، خرج الطفل محمد جمال الدرة (11 عامًا آنذاك) من منزله بصحبة أبيه ليمرا بشارع صلاح الدين بقطاع غزة، حيث فوجئًا بأنهما وقعا وسط منطقة اشتباكات بين أفراد المقاومة الفلسطينية المشاركين بالانتفاضة وقوات الاحتلال.

الرصاص المنهمر من الجانب الإسرائيلي دفع الأب للارتماء مع ابنه خلف برميل إسمنتي لتفادي الرصاص. الأب الذي ظن أن إشارته لجنود الاحتلال بيد خالية تشير إلى أنه أعزل، ومطالبته بالتوقف عن إطلاق الرصاص تجاهه؛ لأنه فضلًا عن عدم امتلاكه سلاحًا، يخفي خلف ظهره طفلًا لا يعرف سببًا للإصرار على قتله بهذه الطريقة الوحشية، هذا الأب كان مخطئًا.

أسرة الدرة تحيي ذكراه

مقطع الفيديو الذي لم يبلغ الدقيقة الواحدة (59 ثانية فقط تم بثها من 64 ثانية) وخز الضمير العالمي وفتح عينيه على حقيقة القضية الفلسطينية، التي لطالما صورها الاحتلال الإسرائيلي بصفتها قضية سياسية يقف الفلسطينيون أمام حلها. ذراع جمال الدرة تلوح في وجه جنود الاحتلال، صرخاته مطالبًا بالتوقف عن إطلاق النار لئلا يسقط الطفل قتيلًا، الطفل مذعورًا يتشبث بملابس والده منطويًا على نفسه ظنًا أن ذلك كفيل بتغطية أكبر قدر من جسده وإخفائه عن عيون الجنود، كل هذه لقطات كان بإمكان العالم أجمع أن يرى فيها صورة للقضية الفلسطينية على حقيقتها، قضية إنسانية بطلها شعب نهبت أرضه، هويته مستهدفة، في مواجهة عصابات سادية تتلذذ بالقتل، وتسعى إلى إفنائه.

ربما لم يكن متاحًا قبل ذلك – نظرًا لضعف القدرات التكنولوجية- تصوير مثل تلك اللقطات عن قرب، ولكن في ذلك اليوم كان المصور طلال أبو رحمة حاضرًا بعدسته ليلتقط الصورة التي هزت العالم أجمع، وظلت حتى الآن جرحًا في قلب الإنسانية، وبقعة سوداء في ثوبها.

المصور الذي يعمل مراسلًا للقناة الثانية للتليفزيون الفرنسي "فرانس 2" استطاع أن يلتقط المشهد كاملًا، وهو المشهد الذي أرسله الفرنسي شال إندرلان، مدير مكتب المحطة بفلسطين المحتلة، للمحطة في باريس، التي واجهت حملة صهيونية من التهديد والتشويه، بعد الأثر الذي تركه الفيديو على المستوى العالمي؛ حيث مثل صدمة للرأي العام العالمي الذي لم تكن تصله سوى أكاذيب إسرائيلية بشأن المقاومة، والشعب الفلسطيني بشكل عام.

27 دقيقة، قال أبو رحمة إنه صورها خلال الاشتباكات، وجه فيها كاميرته نحو الأب وطفله خلال 64 ثانية، شهد خلالها أبو رحمة، المصور الوحيد الذي قام بتصوير الحادث، عملية إطلاق الرصاص من قبل جنود الاحتلال، واستغاثات الأب وذعر الطفل، ثم مقتل الطفل وإصابة أبيه.

انتفاضة الاقصى - أرشيفية

مئات الطلقات، حسب أبي رحمة، وحسبما يظهر في صورة الجدار في خلفية الفيديو، أصابت الجدار في بحث طائش عن الطفل، في جريمة قتل متعمدة تمامًا لم توقفها استغاثات الأب الأعزل والرافع يده الخالية في مواجهة الجنود.

"كنت أحتمي من الرصاص الذي جاء من خلفي باتجاه الطفل ووالده، والمواطنين والصحفيين". هكذا قال أبو رحمة في شهادته على الواقعة، مضيفًا أن الرصاص ظل فترة ينهمر من اتجاه واحد، من جانب جنود الاحتلال في اتجاه جمال الدرة وابنه محمد.

"رأيت الصبي مصابًا في ساقه، وكان أبوه يستغيث. ثم رأيت الأب أيضًا مصابًا في ذراعه. وكان الأب يطلب الإسعاف لإنقاذه، ولكنني لم أتمكن من رؤية سيارة الإسعاف... لم أكن بعيدًا، ولربما كانت المسافة بيني وبينهم (جمال ومحمد) حوالي 15 أو 17 مترًا. ولكن لم يتمكن الأب من إيقاف سيارات الإسعاف بالتلويح. ونظر إلي وقال "ساعدني" فقلت له "لا أستطيع، لا أستطيع مساعدتك". وحتى ذلك الحين، كان ضرب النار ثقيلًا حقًا... فقد كانت السماء تمطر رصاصًا، لأكثر من 45 دقيقة. ثم سمعت "بووم" أي انفجار مع رؤية الغبار. فنظرت إلى الصبي، وصورته وهو مستلقى في حضن أبيه، وكان الأب مصابًا بجروح خطيرة، وكان بالفعل يشعر بدوار. وقلت "يا إلهي، قتل الصبي، قتل الصبي"، كنت أصرخ، وقد فقدت صوابي، فبينما أنا أصور، قتل الصبي".

يصيب تشويش حركة الكاميرا في يد أبو رحمة في الثواني الأخيرة من الفيديو، وهو ما يبدو أنه نتيجة لمحاولاته تفادي الطلقات الطائشة، وبعد لحظات ينطلق غبار كثيف يكاد يغطي الأب وابنه، ثم ينقشع الغبار عن صورة الطفل ملقى على الأرض، والأب في وضع مستقيم بعد أن أصيب الطفل إصابات قاتلة.

هكذا قال أبو رحمة في شهادته عن الحادث، التي ربما لا تحتاج إلى تعليق، وربما لم يكن الفيديو حتى في حاجة لتعليقات شارل إندرلان أو أبي رحمة، فالصورة وحدها كانت كافية لأن يخرج جثمان الطفل محمد الدرة في جنازة مهيبة، وأن تندلع التظاهرات التي لم تتوقف طوال الأيام التالية في البلدان العربية كافة، وسط تأييد من الرأي العام العالمي الذي صدمته الحقيقة التي ظل عاجزًا عن رؤيتها لعقود.

الأمر المثير للتساؤل هو غياب محمد الدرة عن المشهد الفلسطيني فيما يخص الجانب الرسمي؛ حيث لم يشهد قطاع غزة إحياءً رسميًا لذكرى الطفل الذي أحيا القضية الفلسطينية وكشف زيف الادعاءات الإسرائيلية أمام العالم، وهو ما لم نره هذا العام أيضًا، حيث لم تنظم – حتى الآن- احتفالية رسمية بالقطاع تحيي ذكرى الدرة، على الأقل كتأكيد على الحقيقة التي ينبغي ألا ينساها العالم بشأن الادعاءات الكاذبة لسلطات الاحتلال وجيشه حول رغبتهم بـ"السلام".

كلمات البحث
اقرأ ايضا:
الأكثر قراءة