Close ad

في ذكرى مولده .. معرفة سيرة وأخلاق النبي محمد فرض عين على كل مسلم

27-10-2020 | 17:18
في ذكرى مولده  معرفة سيرة وأخلاق النبي محمد فرض عين على كل مسلم المسجد النبوي
تحقيق- حسـني كمـال:

- الاحتفال بالمولد النبوي بالإكثار من الصلاة عليه في يوم مولده محبة فيه

- البدعة تكون في أمر من أمور الدين وليس في أمور الدنيا

في ذكرى مولد النبي صلى الله عليه وسلم، وفي مثل هذه الأيام، تنتشر سراداقات الحلوى الكبيرة، وحلوى مصنعة منها على هيئة حصان، أو فارس يمتطي جواده، أو عروسة من الحلوى، أو سفينة، ونرى تشكيلة أنواع كثيرة من الحلوى يقبل الناس عليها من كل حدب وصوب، لأنهم ينتظرونها كل عام في ذكرى مولد النبي، صلى الله عليه وسلم، والاحتفال بيوم مولده، لم يكن في عهده شيء من هذه الأمور التي نراها الآن، ولم تحدث في عهد أحد من الصحابة أو التابعين، أو من جاء من بعدهم من الصالحين، وإنما جاء هذا الاحتفال في أواخر القرن الرابع الهجري، وأول من أحدثه، هم الفاطميون، وذكر أنهم قاموا بالاحتفال بعدد من الموالد، منها المولد النبوي الشريف، ومولد سيدنا علي، رضي الله عنه، والسيدة فاطمة، والحسن، والحسين، رضي الله عنهما، وبلغ عدد الموالد 27 مولدا، انقرضت بسقوط هذه الدولة، ثم أحيا الصوفية، الاحتفال بالمولد النبوي الشريف، ثم انتشر هذا الاحتفال في بقاع الأرض، واستحسنه بعض العلماء، والوعاظ، لما فيه من ذكر لسيرة النبي، صلى الله عليه وسلم، وبدأوا يستدلون على جوازه، بل مشروعيته، واستحسانه بأدلة كثيرة، ولكن هل يجوز أن نأكل الحلوى وننسى سيرة النبي، صلى الله عليه وسلم، وأخلاقه، وشمائله، وشجاعته، وكرمه وتسامحه؟! ومن هنا يجب علينا في هذه الذكرى العطرة أن نتعلم سيرة النبي، صلى الله عليه وسلم، ونعلمها لأبنائنا، وأن نعرف من هو رسول الله، صلى الله عليه وسلم، وكيف تعذب في مكة من قريش، وبعدها قال لهم (اذهبوا فأنتم الطلقاء)، وكيف تحاور مع أعداء الإسلام بقول الله تعالى: (لكم دينكم ولي دين)، وكيف تعايش مع الآخر بأحسن الأخلاق.

ولكن لماذا يسيئون لرسول الله في الغرب؟!

إنهم لا يعرفون من هو النبي الكريم، صلى الله عليه وسلم، وكيف كانت سماحته وخلقه الكريم، وكيف تسامح مع من آمن به ومن لم يؤمن به، وكيف تسامح مع أعدائه، الذين وضعوا القاذورات عليه في قلب مكة، كيف تسامح مع هند بن عتبة التي أكلت كبد عمه حمزة، الذي استشهد في المعركة، وحينما رأت أخلاق النبي، صلى الله عليه وسلم، أعلنت إسلامها. إنها سيرة النبي، العطرة التي يجب أن نذكرها يوم ميلاده صلى الله عليه وسلم.

ذكراه تملأ القلب فرحا

ويقول الدكتور عبدالوارث عثمان، أستاذ الشريعة الإسلامية، بجامعة الأزهر، إن هذه الذكرى العطرة التي تملأ قلب كل مسلم بالفرح والسرور، ولكن ماذا ينبغي أن نعمل في ذكرى ميلاده صلى الله عليه وسلم، فقد قال الله سبحانه وتعالى: (خلق الإنسان في أحسن تقويم)، وسخر له السموات والأرض، في خدمته، ومنحه العقل ليعرف به الله، ويفرق بين الحق والباطل، ويحمله مسئولية الاختيار بينهما، وخلق الإنسان بفطرة طاهرة، وأودع في الإنسان الشهوات ليرتقي بها شاكرا أو صابرا لرب السموات، وأنزل الكتاب بالحق ليكون هذا الكتاب ميزانا على العقل والفطرة، حيث إذا ما توصل العقل إلى مقولة تتناقض مع القرآن، فليعلم أن في عقله انحرافا أو كسورا، وبالرغم من أن الله سخر الكون ومنح العقل وفطر الفطرة وأودع الشهوات ومنح الاختيار، فلابد من نزول خطاب من السماء إلى الأرض، وتربية الإنسان إذا ذلت به الاقدار، ولذلك كانت بعثة الأنبياء، ولابد أن يكونوا من البشر، اصطفاهم الله بتلقي الوحي وتبليغ الرسالة، وليس في قدرة أي إنسان أن يستطيع تلقي الوحي من الله، ولذلك (إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَىٰ آدَمَ وَنُوحًا وَآلَ إِبْرَاهِيمَ وَآلَ عِمْرَانَ عَلَى الْعَالَمِينَ) ليبلغوا للناس الوحي، وهناك من يكذبون الأنبياء، وهم كثيرون، لأن دعوة الأنبياء تتناقض مع شهواتهم، فكانت أول مهامهم تكذيب الأنبياء.

ومن هنا كانت تأتي معهم المعجزات، وهذه المعجزات تكون خرقا للقواعد العامة، وسنن الله في الأرض، وشهادة الله عز وجل على أن هذا الإنسان هو رسول الله، وقال عنه القرآن بأنه (نبي) و(رسول)، فقد خلق الله الإنسان في أحسن تقويم، وسخر له السموات والأرض (تسخير تعريف وتكريم)، ومنحه نعمة العقل لمعرفة الله، ومناطا للمسئولية، وتكون فطرة الإنسان ميزانا له فيما لو خرج عن منهجه الإنساني، ومنح الإنسان القوة ليحقق اختياره، ومنحه حرية الاختيار، ليثمن عمله، ثم أنزل الكتاب بالحق ليكون الكتاب ميزانا على (ميزاني العقل والفطرة)، فحينما توصل العقل لمقولة تتناقض مع القرآن فليعلم الإنسان علم اليقين أن في عقله انحرافا أو قصورا، وحينما قادته فطرته وطمست إلى شيء يخالف شرع الله عز وجل، فليعلم المسلم أن الشرع وحده هو الحكم على كل شيء.

الدكتور عبدالوارث عثمان، أستاذ الشريعة الإسلامية، بجامعة الأزهر
ولذلك جاء الأنبياء أجمعين بالمعجزات المرأية للعين، وهي خرق للقواعد العامة، وخرق لسنن الله في الارض، وهي شهادة الله على أن هذا الإنسان هو رسول الله، إلا أن معجزات الانبياء السابقين كانت حسية مرئية، تتألق وتزهو ثم تنطفئ، ثم تصبح خبرا (يكذب من يكذب ويصدق ومن يصدق)، أما معجزة النبي، صلى الله عليه وسلم، فهي القرآن الكريم، (بيانية عقلية باقية إلى آخر الدوام)، وهذا من فضل الله علينا، نحن أمة النبي، صلى الله عليه وسلم، ولا ينبغي من ينتسب إلى هذه الأمة يظن أنه ناجي لمجرد أنه من أمة محمد، وهناك نوعان من أمة محمد، الأولى، أمة التبليغ والثانية، أمة الاستجابة، فأمة التبليغ لا تنجو إلا بطاعة الله، أما أمة الاستجابة، فقد استجابت لله ولرسوله، إذ يقول الله تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَجِيبُوا لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُمْ لِمَا يُحْيِيكُمْ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يَحُولُ بَيْنَ الْمَرْءِ وَقَلْبِهِ وَأَنَّهُ إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ).

مهمة الأنبياء

وأوضح، د. عبدالوارث، أن مهمة الأنبياء تتلخص في أمرين (التبليغ) ، (القدوة)، وهؤلاء الأنبياء من بني البشر اصطفاهم الله لتوصيل رسالته للآية التي أشرنا إليها، وهما مهمتان كبيرتان، فمهمة التبليغ، جاءت في قوله تعالى: (يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنزِلَ إِلَيْكَ مِن رَّبِّكَ ۖ وَإِن لَّمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ ۚ وَاللَّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ ۗ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْكَافِرِينَ.....) والمهمة الثانية، وهي مهمة القدوة، وهي أبلغ بكثير من مهمة التبليغ، لأن كل من جاء بعد النبي، يبلغون عنه، والناس لا يستجيبون إذا سمعوا الحق بآذانهم، ولا يستجيبون إلا إذا رأوا الحق متمثلا بأشخاص من بني جلدتهم، فلا تستطيع أن تبلغ عن الله، إلا أن تكون منهم وبينهم، وذلك في قوله تعالى: (وإذا ابتلى إبراهيم ربه بكلمات فأتمهن...)، والناس لا يصدقون ما يسمعون، ولكن يصدقون ما يرون، لهذا كان النبي، صلى الله عليه وسلم، (بأخلاقه الرفيعة والرضية وجهاده وبرحمته وببذله، وعطائه، وصبره، وسعة صدره) كان سبب التفاف الناس نحوه، ووصفه الله بقوله (وإنك لعلى خلق عظيم)، ولكن الله اختار الصفة التي تحقق معنى الرسالة، والتي تكمل التبليغ وهي القدوة، فيجب أن نقتدي به.

النبي القدوة

وأضاف د. عبدالوارث، أن احتفالنا به يجب أن يكون تمسكًا بحب النبي، صلى الله عليه وسلم، وبهذه المناسبة يجب أن نكون متمسكين بأخلاقه، فقد قال تعالى: (لَّقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ)، ألم يجعل الله من النبي، صلى الله عليه وسلم، في سيرته وشمائله، النبي الزوج والرجل والأخ والصديق والقدوة والحاكم والقائد، الذي يجعل الله شخصيته قدوة لنا، وأمرنا أن نأخذ عنه، في قوله تعالى: (وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانتَهُوا)، وطاعة الرسول لارضاء الله، (وَاللَّهُ وَرَسُولُهُ أَحَقُّ أَن يُرْضُوهُ إِن كَانُوا مُؤْمِنِينَ)، وعين إرضاء الله هو عين إرضاء رسول الله، فلا بد من وقفة متأنية عند هذه النقطة، كيف نهتدي بهديه وكيف نتبع سنته، فإذا وجب علينا أن نطلع على حياته وسيرته وبطولته ومواقفة وخصوصيته، وعلاقته بأزواجه وبناته وإخوانه، ومعرفة سيرة النبي، هي فرض عين على كل مسلم، وأن النبي، تلقى الوحي من الله عز وجل، وهو أول مخلوق فهم الوحي كما أراد الله، وحينما تحرك في معاملاته وعلاقاته، تحرك وفق فهمه لهذا الوحي، فسيرته تجسيد للنبي، واتباعه فقد طبقنا الفهم الصحيح للقرآن الكريم، عندئذ نتعاون ونتوحد ونحقق هدف كبيرا، والفرقة بين صفوف المسلمين، تأتي من تناقض السلوك، وتشتت الاهداف، وتسبب التنازع.

في ذكراه يجب اقتفاء أثره

ويقول الدكتور عبدالغني الغريب، رئيس قسم العقيدة والفلسفة، بكلية أصول الدين، بجامعة الأزهر، إن سيرته، صلى الله عليه وسلم، تكون باقتفاء أثره وتطبيق منهجه، وذكراه تجمعنا على سلوك فهم كتاب الله، عز وجل، فكان صلى الله عليه وسلم، قرآنا يمشي على الأرض، كما وصفته السيدة عائشة، رضي الله عنها، وسيرته تجسيد لفهمه القرآن، وهو كلام الله، والسنة هي توضيح لما جاء في القرآن الكريم، وسيرة النبي، وسيرة أصحابه، هي أيضا تجسيد لفهم النبي، عن الله عز وجل.

نحن أمام منهج سلوكي، و مرتبة عملية إذا تفهمناها سعدنا في الدنيا والآخرة، ونحن على موعد مع ذكرى النبي، صلى الله عليه وسلم، فماذا نفعل؟ نجتمع ونستمع إلى مديح النبي، وإلقاء الكلمات التي تبين شمائل النبي، فقط؟ لكن أضيف، الملاحظة المهمة، وهي أنه يجب الاجتماع في مساجد الله عز وجل، يوم ذكرى النبي، صلى الله عليه وسلم، وأن نستمع إلى مديح النبي، صلى الله عليه وسلم، وأن نستمع كلمات تتحدث عن شمائله، فنحن طرف واحد، نصدق ما يقال لأننا مؤمنون، ولا نكذب من يمدح في النبي، صلى الله عليه وسلم، ولكن المهم في ذلك، أن ندعو أناسا لا طريق لهم للمسجد بعيدين عن الدين، وبعيدين عن الصلاة وبعيدين عن المساجد، فعلينا أن نهتم بالطرف الآخر، وأن ندعوهم في ذكرى مولد النبي، صلى الله عليه وسلم، للمسجد، للاحتفال كي يستمعوا عن النبي، فمن نقل إلينا الحق، يجب أن ننقل إليه، هؤلاء الذين لايعرفونه، فيجب أن نجتمع في بيوتات الله، للاحتفال بالمولد وهو سلوك طيب ويسعد القلوب، وأن ننقل أناسا قلما يأتون إلى بيوت الله، بل شاردين عن منهج رسول الله، صلى الله عليه وسلم، وأن نأتي بهم إلى دين الله، كنتم خير أمة أخرجت للناس تأمرون بالمعروف وتنهون عن المنكر....)، ومن هنا يجب دعوة الشاردين عن دين الله، كي نحتفل سويا بمولد النبي، صلى الله عليه وسلم، وأن نسمعهم عن حقيقة الإسلام وجوهر الدين العظيم، للنبي، صلى الله عليه وسلم.

تذكية النبي

وأضاف، د. الغريب، أن هناك شمائل كثيرة، للنبي، صلى الله عليه وسلم، لقد ذكى الله عقله حينما قال: (مَا ضَلَّ صَاحِبُكُمْ وَمَا غَوَىٰ)، وذكى لسانه، فقال: (وما ينطق عن الهوى)، وذكى شرع النبي، صلى الله عليه وسلم، فقال: (إن هو إلا وحي يوحي)، وذكى جليس النبي، صلى الله عليه وسلم، فقال: (علمه شديد القوى)، وذكى فؤاده فقال: (ما كذب الفؤاد ما رأى)، وذكى بصره فقال: (ما زاغ البصر وما طغى)، وذكاه كله فقال: (وإنك لعلى خلق عظيم)، ووصف النبي، بأنه على خلق عظيم، وبين أن أحسن الناس إسلاما أحسنهم خلقا، وأكملهم إيمانا أحسنهم خلقا، وأن من أحب عباد الله إلى الله أحسنهم خلقا، وأن من أقرب المؤمنين مجلسا إلى رسول الله يوم القيامة، أحسنهم خلقا، وأن خير ما أعطي الإنسان خلق حسن، وأنه ما من شيء أثقل في ميزان المؤمن يوم القيامة من خلق حسن، وأنه المؤمن ليبلغ بحسن خلقه درجة الصائم القائم، وبحسن الخلق يبلغ عظيم درجات الآخرة، والخلق الحسن يذيب الخطايا كما يذيب الماء الجليد، والخلق السوء يفسد العمل كما يفسد الخل العسل.
الدكتور عبدالغني الغريب، رئيس قسم العقيدة والفلسفة، بكلية أصول الدين، بجامعة الأزهر
لهذا وصف الله النبي، الكريم بأنه على خلق عظيم. فهو قدوة وأسوة ونموذج لنا في حياتنا كلها، وكان إذا دخل بيته لف ثوبه، وهذا من خلقه الرفيع، وكان كريما حينما أعطى رداءه لجرير كي يجلس عليه، حينما لم يجد ما يجلس عليه، فقال له جرير لم أكن لأجلس على ثوبك، وقال النبي، صلى الله عليه وسلم، (إذا أتاك كريم قوم فأكرموه).

وهؤلاء الذين يقومون الآن بسبه أو عمل الرسوم المسيئة لرسول الله، لم يعلموا عن الرسول شيء، ولو عرفوا سيرته العطرة وشجاعته وكرمه وأخلاقه الكريمة وكيف أنه كان القدوة في الخلق والسماحة وقبول الآخر، لما تحدثوا بهذا الجنون والعبث عنه، وما تجرأوا عليه بحرف واحد.

اعرفوا نبيكم

وأوضح د. الغريب، أن النبي الكريم، صلى الله عليه وسلم، تحمل إيذاء قريش وعداواتهم، وبأسهم الشديد، ومقاطعتهم، وإخراجهم له من مكة، وسخريتهم وتكذيبهم، وقال صلى الله عليه وسلم، لقتلى بدر، يافلان ويا فلان وسماهم بأسمائهم، (هل وجدتم ما وعد ربكم حقا، لقد كذبتموني وصدقني الناس، وأخرجتموني وأواني الناس، وخذلتموني ونصرني الناس)، ومن أمثلة شجاعته صلى الله عليه وسلم، أن سيدنا علي بن أبي طالب، رضي الله عنه، قال: كنا (أي معشر الصحابة)، إذا حمي البأس واحمرت الحدق، في المعركة، التقينا برسول الله صلى الله عليه وسلم، فلا يكون أحد أقرب إلى العدو منه.

ومن أمثلة خوفه من الله، كان يخاف الله خوفا لا حدود له، وكان يقول رأس الحكمة مخافة الله. وغضب ذات مرة من غلام وبيده سواك، وقال له والله لولا خشية القصاص لأوجعتك بهذا السواك. وكان صلى الله عليه وسلم، عظيم الهيبة، فقال: (فمن اتقى الله هابه كل شيء، ومن لم يتق الله أهابه الله من كل شيء)، وكان صلى الله عليه وسلم، فخما مفخما، يتلألأ وجهه كالقمر في ليلته، دخل عليه رجل فأصابته رعدة شديدة، فقال له صلى الله عليه وسلم، (هون عليك، فأنا لست بملك ولا بجبار، أنا ابن امرأة من قريش تأكل القديد من مكة)، ومن أمثلة العدالة لديه، ما رواه الشيخان، عن عروة أن امرأة سرقت في عهده، فهرع قومها إلى أسامة بن زيد رضي الله، وكان حب رسول الله يستشفعونه، عن النبي، صلى الله عليه وسلم، فلما كلمه أسامة تلون وجه النبي، وقال لأسامة، (أتشفع في حد من حدود الله)، فقال له أسامة، (استغفر لي يارسول الله)، فقام صلى الله عليه وسلم خطيبا، فأثنى على الله بما هو أهله، وقال: (أما بعد فإنما أهلك الناس من قبلكم إنهم إذا سرق فيهم الشريف تركوه، وإذا سرق فيهم الضعيف أقاموا عليه الحد، والذي نفسي بيده لو أن فاطمة بنت محمد سرقت لقطعت يدها).

هكذا كانت العدالة، ومن أمثلة رحمته، صلى الله عليه وسلم، ما رواه الإمام أحمد عن عبدالله بن جعفر قال: (أردفني رسول الله صلى الله عليه وسلم خلفه ذات يوم، فدخل بستانا لرجل من الأنصار فإذا بجمل، فلما رأى النبي، صلى الله عليه وسلم، وحينما رأى الجمل، النبي، صلى الله عليه وسلم، حن الجمل وظرفت عيناه، فأتاه النبي، فمسح ظفريه، فسكن الجمل، فقال صلى الله عليه وسلم، أين صاحب الجمل؟، فجاء فتى من الأنصار فقال له، أنا يارسول الله، فقال له النبي، صلى الله عليه وسلم: (أَفَلا تَتَّقِي اللَّه في هذِهِ البَهيمَةِ الَّتي مَلَّكَكَ اللَّهُ إياهَا؟ فإنَّهُ يَشْكُو إِليَّ أَنَّكَ تُجِيعُهُ وَتُدْئِبُهُ)، فهذه كانت رحمة النبي، بالخلق كافة، (إنسان أو حيوان)، ويحرص على سلامة كل المخلوقات وعدم إرهاقها وأعظم الناس حياء وأعظمهم إيمانا، وكان يقول الحياء من الإيمان. وبلغ من حيائه أنه لا يواجه أحدا بما يكرهه، ولو أن المسلمين تعرفوا على نبيهم معرفة حقيقية وصحيحة، وتعرفوا إلى أخلاقه ونفسه السامية، وجعلوه قدوة لهم في حياتهم وأعمالهم وحركاتهم، ونشاطاتهم، لكانوا في حال غير الحال.


لا يعرفون عنه شيئًا

وأضاف، د. الغريب، أن في ذكرى مولد النبي، صلى الله عليه وسلم، أحبذ أن نملأ لقاءاتنا بالحديث عن النبي، صلى الله عليه وسلم، عن أخلاقه تتعطر المجالس بالحديث عن شمائله وتمتلأ القلوب بهجة، وبالحديث عن أخلاقه الرضية، وترتسم البسمة على الوجوه، فهؤلاء الذين يسيئون للرسول، في بلدان الغرب، وغيرها، لايعرفون من هو الرسول إنهم جهلاء أو مرضى، فلا يصلهم أي شيء عن النبي، صلى الله عليه وسلم، لايعرفون عنه شيء، ولذلك تمتلئ قلوبهم بالكراهية والأحقاد والبغضاء، بسبب تقصيرنا في تبليغ الدعوة لهم، ولذلك نحن مطالبون بتوصيل هذه السيرة النبوية لكل خلق الله، حتى يعرفوا من هو رسول الله صلى الله عليه وسلم، وبمعرفة النبي، تتوحد صفوف المسلمين، وتزول هذه الأمراض، والأحقاد من قلوب الذين يسيئون له ولسيرته، صلى الله عليه وسلم، فتعليم الآخرين، فريضة علينا، حتى يؤلف الله بين قلوبنا، لعل هناك أناس بعيدون عن دين الله، وبعيدين عن منهجه، وعن معرفة رسول الله لعلهم بتوضيحنا ونصحنا يأتلفون ويقتربون من حب رسول الله، (قل إن كنتم تحبون الله فاتبعوني يحببكم الله ويغفر لكم)، فلن نكون محبين لله إلا بحب رسول الله "صلى الله عليه وسلم" حتى تزول الفرقة والتناقضات بيننا.

كلمات البحث