د. محمد مختار جمعة وزير الأوقاف
مكانة الشهيد على مر العصور مكانة عظيمة دينيّا وروحيّا وإنسانيًا، حتى رأينا الشاعر العربى الأصيل يذكر أن أيام الشهداء هى أيام التاريخ والتاريخ الحقيقى والفخار الحقيقى، حيث يقول:
يوم الشهيد تحية وســــلامًا
بك والنضال نؤرّخ الأياما
أما المنزلة الدينية فيكفى أن الحق سبحانه وتعالى قرن فى كتابه العزيز بين منزلة النبيين ومنزلة الشهداء والصديقين فقال سبحانه : «وَمَن يُطِعِ اللَّهَ وَالرَّسُولَ فَأُولَئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِم مِّنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاءِ وَالصَّالِحِينَ وَحَسُنَ أُولَئِكَ رَفِيقًا* ذَلِكَ الْفَضْلُ مِنَ اللَّهِ وَكَفَى بِاللَّهِ عَلِيمًا» (النساء : 69-70)، وبين سبحانه أن الشهادة إنما هي منحة واصطفاء واجتباء، فقال (عز وجل): «..وَلِيَعْلَمَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَيَتَّخِذَ مِنكُمْ شُهَدَاءَ..» (آل عمران : 140).
فالشهداء ليسوا أمواتًا إنما هم أحياء عند ربهم يرزقون، ويكفى الشهيد منزلة أن ذنوبه تكفر بأول قطرة من دمه، وأن الشهداء يتمنون لو عادوا إلى الدنيا ليستشهدوا في سبيل الله مرة أخرى لما رأوا من عظيم منزلة الشهادة حيث يقول نبينا (صلى الله عليه وسلم): «مَا مِنْ أَحَدٍ يَدْخُلُ الْجَنَّةَ يُحِبُّ أَنْ يَرْجِعَ إِلَى الدُّنْيَا وَأَنَّ لَهُ مَا عَلَى الأَرْضِ مِنْ شَيْءٍ غَيْرُ الشَّهِيدِ فَإِنَّهُ يَتَمَنَّى أَنْ يَرْجِعَ فَيُقْتَلَ عَشْرَ مَرَّاتٍ لِمَا يَرَى مِنَ الْكَرَامَةِ».
وعن جابر بن عبدالله قال: لما قُتل عبدالله بن عمرو بن حرام يوم أُحد، قال لقيني رسول الله (صلى الله عليه وسلم)، فقال: يا جابر، ما لي أراك منكسراً ؟ قلتُ: يا رسول الله استشهد أبي وترك عِيالاً ودَيْناً، قال: أفلا أبشِّرك بما لقي الله به أباك؟ قلت: بلى يا رسول الله، قال: «ما كلَّم الله أحداً قطُّ إلا من وراء حجاب، وكلّم أباك كِفاحاً، فقال: يا عبدى تمنَّ عليَّ أُعطِكَ، قال: يا رب تُحيينِى فأُقْتَل فيكَ ثانيةً، فقال الربُّ سبحانه إنه سبق مِنِّى أنهم إليها لا يرجِعُون، قال يا رب، فأبلِغْ مَنْ ورائى، قال: «فأنزل الله تعالى: «ولا تحسبنَّ الذين قُتِلُوا في سبيلِ الله أمواتاً بل أحياءٌ عند ربهم يُرزَقُونَ».
ومن الناحية الوطنية والإنسانية فإن الأوطان العظيمة هى تلك التى تحتفى بتاريخ شهدائها، وتظل تؤرخ لهم وتذكرهم بما يستحقون من الفضل والعزة والشرف، وتعتني بأسرهم وأبنائهم وذويهم على شاكلة ما تقوم به مصرنا العزيزة فى إكرام أسر الشهداء وأبنائهم، فى ظل القيادة الحكيمة لسيادة الرئيس / عبدالفتاح السيسي رئيس الجمهورية (حفظه الله).
لكن علينا أن نتعلم من دروس الشهادة حب العطاء للوطن والاستعداد للتضحية في سبيله، فلا نتعامل مع أوطاننا بمنطق النفعية المقيتة، على نحو ما كان من تعامل المنافقين مع أوطانهم، حيث يقول الحق سبحانه: «وَمِنْهُم مَّن يَلْمِزُكَ فِى الصَّدَقَاتِ فَإِنْ أُعْطُوا مِنْهَا رَضُوا وَإِن لَّمْ يُعْطَوْا مِنْهَا إِذَا هُمْ يَسْخَطُونَ» (التوبة : 58)، ويقول سبحانه: «وَمِنَ النَّاسِ مَن يَعْبُدُ اللَّهَ عَلَى حَرْفٍ فَإِنْ أَصَابَهُ خَيْرٌ اطْمَأَنَّ بِهِ وَإِنْ أَصَابَتْهُ فِتْنَةٌ انقَلَبَ عَلَى وَجْهِهِ خَسِرَ الدُّنْيَا وَالْآخِرَةَ ذَلِكَ هُوَ الْخُسْرَانُ الْمُبِينُ» (الحج : 11) .
التعامل مع الوطن هو لون من رد الجميل والاعتراف بالفضل له، ولله در شوقى حيث يقول :
وللأوطان في دم كل حر
يد سلفت ودين مستحق
* نقلًا عن صحيفة الأهرام