Close ad

الدكتور رفعت علي: الإسلام أشار إلى دور الكلمة في صناعة الرجال وإصلاح المجتمعات

15-5-2020 | 21:53
الدكتور رفعت علي الإسلام أشار إلى دور الكلمة في صناعة الرجال وإصلاح المجتمعاتالدكتور رفعت علي محمد السيد وكيل كلية اللغة العربية بجامعة الأزهر فرع أسيوط
حوار- حسـني كمـال:

الإسلام أشار إلى دور الكلمة في صناعة الرجال وإصلاح المجتمعات، كما نبه الإسلام إلى أن الكلمة الطيبة كان لها أثر كبير في نهوض الأمم والشعوب.

وأكد الدكتور رفعت علي محمد السيد، وكيل كلية اللغة العربية، بجامعة الأزهر، فرع أسيوط - في حوار خاص لـ(بوابة الأهرام) - أن هذه الكلمة لها خطورة، وقدرها السلف الصالح، وهي التي صنعت رجالا أصبح لهم شأن ودور كبير في نشر الدعوة الإسلامية، وأن الكلمة السديدة قد تكون كشفًا لموهبة دفينة، أو تحفيزًا لإبداع معطل، أو تصحيحًا لمسار خاطئ، أو حفزًا لهمة راكدة.. وإلى نص الحوار:

كان للكلمة أثر في الإسلام.. فكيف عرف السلف الصالح قيمتها وقد صنعت منهم عظماء في التاريخ؟

لم يحفل تاريخ أمة بالعظماء والعباقرة، كما حفل التاريخ الإسلامي، وقد تنوعت مجالات تلك العظمة، وتباينت مظاهر تلك العبقرية، فشملت كل فروع العلم والمعرفة، ومختلف مناحي الفكر والثقافة، فضلًا عن العظمة في مجال التربية والسلوك، الذي كان للإسلام فيه المنهاج الذي لا يُلحق ولا يُدانى.

ولا يخفى على منصف أن الإسلام كان مصدر تلك العظمة، وباعث جذوتها في نفوس هؤلاء الرواد، بما حدّد لهم من معالم للطريق، ومنارات للاهتداء، وغايات للحياة، وبما زوّدهم به من طاقات لبلوغ تلك الغايات؛ ومن أهم هذه الطاقات التي بعثت العظمة في نفوس أصحابها، واستنَّفرت الريادة لدى أربابها.. هي الكلمة. فصنعت منهم رجالا أقويا لهم همة وعزيمة وقوة.

كيف كانوا يقدرون الكلمة؟ وهل جاء القرآن بنص صريح لأهمية الكلمة؟

نعم، إنك لو بحثت في سيرة أولئك الرواد العظام – في تاريخنا المشرق – لوجدت وراء نبوغ كل منهم كلمة حية صادقة، لامست عقلًا وفؤادًا، وصادفت همة واستعدادًا، فصارت تلك الكلمة جذوة أشعلت همة متلقيها، فأثارت عزيمته، وأيقظت إرادته، وأضحت ملهمًا لطاقته وموهبته، ودافعًا لريادته وعظمته، فإن الكلمة الحية تتسلل إلى عقل الإنسان ووجدانه، فتوّجه مساره، وتحكم تصرفاته، وتبقى كذلك ما بقي الإنسان، ولو أضحت تلك الكلمة في دائرة النسيان، وقد كان المفكر العبقري – مالك بن نبي – يرى أن الأفكار كالأشخاص يمارس كل منها دوره في عالمه.

خطورة الكلمة:

ومن ثم كان للكلمة في الإسلام قدرها وخطورتها، بل إن الدين يقوم على كلمة ويُنْقض بمثلها، فديننا يقوم على كلمة التوحيد وتوحيد الكلمة...، وقد تكون الكلمة سببًا في رضوان الله تعالى، وقد تكون سببًا في هوىّ صاحبها في قعر جهنم. وقد ضرب القرآن مثلًا للكلمة في حالتين، فصور الأولى بالشجرة الطيبة، والثانية بالشجرة الخبيثة وذلك في قوله تعالى:

(أَلَمْ تَرَ كَيْفَ ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا كَلِمَةً طَيِّبَةً كَشَجَرَةٍ طَيِّبَةٍ أَصْلُهَا ثَابِتٌ وَفَرْعُهَا فِي السَّمَاءِ،) (وَمَثَلُ كَلِمَةٍ خَبِيثَةٍ كَشَجَرَةٍ خَبِيثَةٍ اجْتُثَّتْ مِن فَوْقِ الْأَرْضِ مَا لَهَا مِن قَرَارٍ) إن هذا التنظير الواضح الصريح من النظم القرآني يؤكد أثر الكلمة سموًا وانحطاطًا، رفعة وتسفلًا، فشتان بين كلمة حية خالدة، مثمرة باسقة، وبين كلمة ميتة لا روح فيها ولا حياة، ولا ثمر لها ولا ظلال إن هذا التمثيل القرآني، الحيّ النابض، ليشير إلى أهمية الكلمة في إصلاح الأمم وفسادها، في رقيها وتخلفها.

هل للكلمة أثر في نهوض أو تخلف المجتمع؟

نعم، إن حركات الإصلاح والنهوض، ودعوات الإحياء والبناء، ما كانت إلا أثرًا من آثار الكلمة الواعية، التي برزت من قلب عامر، فوعتها الأفئدة الواعية، والتفت حولها العقول الراقية، وتحركت بها الهمم العالية، فأخذت بالمجتمع إلى طريق البناء والنهوض.

والكلمة غير المسئولة وراء فساد المجتمعات وتخلفها، وانحدار الأمم وهبوطها، ذاك عندما تقود الأمم نحو غايات ساقطة، وأهداف هابطة، وتجعل طموح شبابها، وعناية شيوخها التذاذًا بسماع بنغم، أو تعلقًا بلعبة قدم، وبذا يضل المجتمع طريقه نحو البناء والنهوض، ويسير بعيدًا عن غاياته وأهدافه.

كيف ربط الإسلام بين الكلمة البناءة والإصلاح في المجتمع؟

قد قامت كثير من الأقوال المأثورة، في فترات التراجع والركود الحضاري للأمة، بهذا الدور السلبي في المجتمع، فعززت لأفكار الخرافة والرجعية، وأفسحت المجال لثقافة التواكل والضعة، وعمقت في نفوس الناشئة، أنه ما ترك الأول للآخر!! وأن ليس في الإمكان أبدع مما كان!! مما كان له بالغ الأثر في وصول الأمة إلى ما وصلت إليه.

لقد ربط القرآن بين الكلمة البناءة، وبين صلاح المجتمع في قوله سبحانه:

(يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وقولوا قولًا سديدًا يصلح لكم أعمالكم... ) هذا الربط الواضح بين الكلمة وصلاح المجتمع يلفت إلى أهمية الكلمة في إصلاح المجتمعات ونهوضها، وهو ما تجلى واضحًا في تاريخنا فكلمة سديدة، ربما غيرت حياة سامعها، ووجهته نحو الريادة والسمو، أو أهلته لقيادة الأمة وإصلاح المجتمع.. وهو ما حدث مع كثير من الرواد والعظماء والعلماء والمفكرين والمصلحين.
إن الكلمة المسددة قد تكون كشفًا لموهبة دفينة، أو تحفيزًا لإبداع معطل، أو تصحيحًا لمسار خاطئ، أو حفزًا لهمة راكدة،... كل ذلك وغيره له من تراثنا الإسلاميّ المشرق نماذج مضيئة، ما أجدرها أن تعرض على شبابنا، ليتلمسوها في حياتهم نبراسًا يضيء وهاديًا يرشد.

كلمات البحث
الأكثر قراءة