Close ad

هل يستوي في الأجر من حج البيت وتورمت قدماه بمن جلس في خيمة المتعة والرخاء؟! وعلماء الدين يجيبون | صور

13-8-2019 | 13:33
هل يستوي في الأجر من حج البيت وتورمت قدماه بمن جلس في خيمة المتعة والرخاء؟ وعلماء الدين يجيبون | صورمناسك الحج
تحقيق- حسني كمـال:

يكثر الحديث عن الثواب الكبير في (التعب الجهد والمشقة)، أثناء الحج، فقال الله تعالى: (لَّا يَسْتَوِي الْقَاعِدُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ غَيْرُ أُولِي الضَّرَرِ وَالْمُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنفُسِهِمْ ۚ فَضَّلَ اللَّهُ الْمُجَاهِدِينَ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنفُسِهِمْ عَلَى الْقَاعِدِينَ دَرَجَةً ۚ وَكُلًّا وَعَدَ اللَّهُ الْحُسْنَىٰ ۚ وَفَضَّلَ اللَّهُ الْمُجَاهِدِينَ عَلَى الْقَاعِدِينَ أَجْرًا عَظِيمًا) ومن الأصل أن الأجر على قدر المشقة، سواء بالجهد أو المال، فالإنسان من البداية تعب من أجل جمع هذا المال، لكي يؤدي الفريضة، على أتم وجه، ولكن هناك من العلماء من أقر بذلك التعب وأن الأجر على قدر المشقة، مستدلا من الكتاب والسنة، وبيان أن المشـقة في طريق العبادة تكـون في ميزان حسنات العامـل، وأنها لا تضيع أبدًا، والأجر على قدر المشقة بالفعل، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: (أجرك على قدر نصبك) ومنهم من اعترض على ذلك، وأكد أن الأهمية تأتي من الكيف لا من الكثرة، كما أمرنا الله بالتدبر في القرآن ولم يأمرنا بالإكثار من قراءتها، مستندًا إلى قوله تعالى: (يُرِيدُ اللهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلاَ يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ)، فلا نشدد على أنفسنا، ولا نحملها أكثر من قدرتها، والأجر يأتي بالنية، والصدق والإخلاص في العمل.

مناسك الحج

وقال الدكتور أحمد كريمة، أستاذ الشريعة الإسلامية، بجامعة الأزهر: رغب الشرع المطهر في بذل المجهود، لنيل المقصود، لتحمل المشاق، في أداء الطاعات والكروبات، قال الله عز وجل: (وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا ۚ وَإِنَّ اللَّهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ)، وصح أن النبي، صلى الله عليه وسلم قال: (أحب الأعمال إلى الله تعالى أحمزها) أي أشقها وأشدها، رواه أصحاب السنن بإسناد حسن، وبالاستقراء في العبادات والطاعات نلمس، أن النبي، صلى الله عليه وسلم، والصحابة رضوان الله عليهم، ثم أولياء الله الصالحين والعلماء الراسخين تحملوا الكثير من المشاق لمرضاة الله عز وجل، فمثلا في الطهارات فإن الإنسان حينما يجمع ما بين الاستجمار (إزالة الخبث بشيء جاف، ثم يتبعه بالاستنجاء بالماء)، أثنى الله على صنيع أهل قباء، فقال تعالى: (فِيهِ رِجَالٌ يُحِبُّونَ أَن يَتَطَهَّرُوا ۚ وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُطَّهِّرِينَ)، وأداء الصلوات على وقتها، خاصة صلاة، ما في الظلام، (كالعشاء والفجر)، وتحمل تقلب المناخ، كل ذلك يدل على عظم أداء الصلاة وتحمل المشاق إليها، وصلاة العتمتين، وفي الصيام، قال تعالى: (وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعَامُ مِسْكِينٍ)، أي الذين يتحملونه بمشقة فادحة، (إلا أن الشرع لكبر السن، وللمرض المزمن خفف عنهم، مع رغبتهم في الصيام)، وأما الحج، فإن الإمام الحسين رضي الله عنه، (حج ماشيًا، خمسة وعشرين حجة)، وكان بإمكانه أن يركب فاره الخيول، وأن يستظل بالمظلات الفاخرة، وأن يجلس في أعظم الخيم، ولكنه آثر تحمل المشاق، وقال الإمام الشعراوي رضي الله عنه: (إن الله تعالى يبتلي المكلفين بأنواع العبادات ليظهر أثر افعل ولا تفعل في تصرفاتهم)، وأما عن الزكاوات، فإن الله أثنى على أهل الإيثار الذين يفضلون الغير على حاجات أنفسهم، كالأنصار مع المهاجرين رضي الله عنهم، فقال تعالى: (وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ).

مناسك الحج

نصف الأجر
وأضاف، د. كريمة، لذلك جعل الشرع نصف الأجر لمن يجنحون إلى الراحة مثل القاعدين عن الجهاد لا يستوون مع المجاهدين، ولذلك فضلهم الله درجات، وبالنسبة للصيام، جعل الله تعالى نصف ثواب لمن يصلي قاعدا على خلاف من يصلي قائما، أما الذين يروجون للي بعض أعناق النصوص، إما بالتهوين من شعائر الله، وإما استهانة بها، فهذا يصطدم مع قول الله تعالى: (ذَٰلِكَ وَمَن يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللَّهِ فَإِنَّهَا مِن تَقْوَى الْقُلُوبِ)، فتعظيمنا للشعائر، أن الإنسان يبذل ما في وسعه لمرضاة ربه، ولا يستمع إلى (نداء الجسد للراحة، ولا تزيين الشيطان للانصراف عن لذيذ العبادة)، ولذلك مدح الله قوما ينفضون عن أعينهم في السحر قبل الفجر، فقال تعالى: (كَانُوا قَلِيلًا مِّنَ اللَّيْلِ مَا يَهْجَعُونَ  وَبِالْأَسْحَارِ هُمْ يَسْتَغْفِرُونَ)، وقال تعالى: (تَتَجَافَىٰ جُنُوبُهُمْ عَنِ الْمَضَاجِعِ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ خَوْفًا وَطَمَعًا وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنفِقُونَ)، وقد كان من السلف الصالح من يأتي ماشيًا لأداء المناسك، بل ومن يحرم من المسجد الأقصى إلى أن يصل إلى مكة، كما فعلت السيدة أم سلمى زوج النبي، صلى الله عليه وسلم، وكان بإمكانها أن تحرم من المدينة، ولا تتحمل تبعات ومشاق السفر، ثم إن النبي، صلى الله عليه وسلم، حينما وجد بعض الأنصار، يريدون أن يبنوا مساكنهم قرب المسجد النبوي، قال: (لآثاركم تعد عليكم)، بمعنى كلما بعدت محال إقامتكم وجئتم مشاة وركبانا ضاعف الله لكم الأجر. فهل يتساوى في الأجر المرفهين فيمن يسمى بالحج السريع السياحي، مع من تحمل مشاق السفر وأدى الشعائر على وجهها الصحيح، وهل يتساوى من يؤدي الشعائر بنفسه، أما من ينيب عنه، ويوكل غيره، لغير عذر، فهل يتساوون في الأجر، بطبيعة الحال لا يتساوون.

مناسك الحج

الحج له غاية وليس بقصد المشقة
وقال الدكتور محمد الطيب الخضري، عميد كلية الدراسات الإسلامية السابق، بجامعة الأزهر، بكفر الشيخ، إن قاعدة الأجر على قدر المشقة، مفهوم خاطئ، وباطلة قولًا واحدًا، ولا أصل لها في التشريع الإسلامي، ولم يثبت ذلك عن النبي، صلى الله عليه وسلم، أنه قال بذلك، أو قال بما يوحي إلى ذلك، تلك القاعدة، في البحث عنها، في كتب التراث الإسلامي، وجد أن من أطلقها الإمام القرافي، وتبعه فيها، صاحبه الإمام بن تيمية، في كتابه الرسالة في الضوابط والقواعد الفقهية، ولكن هذه القاعدة بهذا المفهوم، أخذها من شددوا على أنفسهم، من طوائف هذه الأمة، فعملوا بها، ونادوا بها، وقالوا: (إن أجر المؤمن عند ربه على قدر مشقته وتعبه في عبادته)، سواء أكانت تلك العبادة فريضة، أو سنة ثابتة عن النبي، صلى الله عليه وسلم، فأطالوا في أفعال العبادات، وأطالوا فيما يتبع العبادات، في الكثرة من حيث العدد، وليس من حيث الكيف، فالشريعة الإسلامية في أساسها، ليست شريعة مشقة، بل إنها شريعة يسر، وليست شريعة مشقة على أحد، ولم يثبت في كتاب الله، ولا في سنة النبي، لم يبين أن قدر الإنسان على قدر مشقته، بل إن الثابت أن النبي، صلى الله عليه وسلم، قال فيما رواه الإمام البخاري، (أجرك على قدر نصبك)، أي قدر على قدر عملك بعد أداء فريضة فيما ينفع الناس وما ينفع البشرية، أي أن الأجر يثبت في حالة واحدة، إذا كان لصاحب من أدى الفريضة، لها أثر في أقواله وأفعاله وتصرفاته مع الناس، فيكون هنا الأجر على قدر النصب، أي على قدر الفهم، والإدراك ومعرفة أن العبادات جميعها، لم تفرض لذاتها، إلا عبادة واحدة، هي التي فرضها الله عز وجل لذاتها، وهي الشهادتان، فالشهادتان عبادة مفروضة لذاتها، يقولها الإنسان هكذا لا إله إلا الله .. محمد رسول الله، وهي مفروضة لذاتها، نقولها هكذا جملة واحدة، ولا تسقط عن الإنسان، أما ماعدا ذلك من العبادات ومن الفرائض لم تفرض لذاتها، وإنما فرضت لغاية وهدف، فمثلًا الصلاة فرضت لتكون لاهية للإنسان عن الفحشاء والمنكر، كما قال الله في كتابه: (إن الصلاة تنهى عن الفحشاء والمنكر)، فهي فرضت لغاية وهدف، والصوم فرض لغاية، بينتها آيات الصوم، أن يكون الصوم سبيلًا في أن يتقى الإنسان ربه، في كل من حوله من الناس، ويكون على إحساس تام بهم، فيمن جاع منهم أو عطش منهم، أو فيمن حرم من متعة الدنيا من الزواج، فكان الصوم هادفًا لذلك، ومانعًا من مشقة الناس في الدنيا، فكانت الغاية فيه أن الله يقول لعلكم تتقون)، ثم الزكاة فريضة فرضت على الغني، لغاية وهدف، أن يكون ماله وصلا بينه وبين الفقير، والمجتمع الذي يعيش فيه، وكذا فريضة الحج، فهي فريضة فرضها الله ليعلم الناس أنهم أمام الله سواسية، لا يلبس هذا أكثر من هذا، ولا يحمل هذا أكثر من هذا، فالكل لبسه في إحرامه سواء، والكل يجتمع في مكان واحد، وينصرف من مكان واحد، لعل وعسى أن يتعلم الناس، أن فريضة الحج فريضة فرضها الله عز وجل، ليتعلم الناس منها أنهم أمام الله سواسية، ومع ذلك، تجد أن الفرائض كلها عدا الشهادتين تسقط بالأعذار، فالصلاة تسقط بالأعذار، فالحائض والنفثاء لا صلاة لها، والغائب عن الوعي لا صلاة له، وكذا الصوم، فريضة تسقط بالأعذار، فالمريض والمسافر يسقط عنه الصوم، وكذا الزكاة تسقط بالأعذار من لم يكتمل له النصاب لا زكاة عليه، ومن لم يملك المال الواجب فيه الزكاة، فلا زكاة عليه، وكذلك الحج، يسقط بالأعذار، فقد يكون الإنسان مستطيعًا ماديا، ومع ذلك لا يجب عليه الحج، لأنه غير مستطيع من الناحية الصحية، وقد يكون صحيحًا، ولا يجب عليه الحج، لأنه غير مستطيع ماديًا، فإذا كانت هناك أربعة أركان من أركان الإسلام تسقط بالأعذار، فكيف يكون المفهوم أن الأجر على قدر المشقة.

مناسك الحج


قاعدة باطلة
وأضاف، د. الطيب، أن قاعدة الأجر على قدر المشقة، قاعدة باطلة قولًا واحدًا، ولا أصل لها في القرآن ولا في السنة، ولم تثبت عن أحد من الصحابة أو التابعين، بل إن الذي ثبت في القرآن والسنة، ومروي عن الصحابة، أن هذا الدين يسر، وأن النبي، صلى الله عليه وسلم، أمرنا ألا نشدد على الناس في الدعوة، ولا نشدد عليهم في كيفية العبادة، بل أمرنا أن نبين للناس، أن يدعو الإنسان ربه بتسبيحة واحدة بركعة واحدة بقلب صادق لله، خير عند الله عز وجل، من تكرارها مليون مرة بلا إدراك، فكانت العبادة في الشريعة، الأساس فيها التدبر، وإدراك، ما برأ المعنى الثابت في القرآن الكريم وفي السنة النبوية، ومن هنا قال تعالى: "أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ أَمْ عَلَىٰ قُلُوبٍ أَقْفَالُهَا"، فالدين يسر لا مشقة فيه، ولا تعب فيه، بل في غاية البساطة، إن أخطأ الإنسان ما عليه إلا أن يستغفر ربه بكلمات بسيطة، وديننا دين يسر وليس به عسر.
مناسك الحج

كلمات البحث
الأكثر قراءة