Close ad

مفتي البوسنة السابق: وظيفة الفتوى عزاء الإيمان ودفع الأحزان

16-10-2018 | 22:33
مفتي البوسنة السابق وظيفة الفتوى عزاء الإيمان ودفع الأحزانالدكتور مصطفى سيريتش مفتي البوسنة
محمد عدلي الحديدي

أعد الدكتور مصطفى سيريتش مفتي البوسنة والهرسك السابق، ورقة عمل لتقديمها في المؤتمر العالمي للإفتاء الذي انطلقت فعالياته صباح اليوم الثلاثاء في القاهرة لمدة ثلاثة أيام، تحت عنوان "التجديد في الفتوى بين النظرية والتطبيق"، هادفًا إلى إبراز البعد الجديد لوظيفة الفتوي في وقت الأزمة ألتي تعيشها أمتنا اليوم من حيث الاضطراب الفكري، والتمزق العقدي، والانحراف الأخلاقي؛ بسبب كثرة الآراء المتناقضة والمتنافرة حول الدين الصحيح والتعايش السلمي والطريق المستقيم، الذي يقود الناس إلي علاج النفس من أمراضها، كاللوم غير المُبَرَّر واللعن للإنسان البريء الذي يسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَى.

وفى نص كلمته، التي خص بها "بوابة الأهرام"، يقول الدكتور سيريتش: هذه الأزمة النفسية المتعلقة بالدين كمنهاج حياة الفرد والمجتمع، وبالعقيدة كتبعية عمياء للجماعة المنحرفة من السواد الأعظم من الأمة المسلمة، ليست وليدة هذا العصر، بل هذه الأزمة كانت ومازالت موجودةً في كل عصر من عصور تاريخ الأمم، ولكن هذه المرة وفي عصرنا هذا الأمة المسلمة تعيش الأزمة النفسية أكثر وأعمق من أي وقت مضي من حيث الاختلافات والتمزقات ألتي تسبب الحزن والألم وخيبة الأمل في أمتنا.

 لذا، فالسؤال المطروح هنا هو: ما دور الفتوى في دفع هذه الاحزان؟ وكيف يكون دور الإيمان في تيسير هذه الأزمة النفسية والروحية والأخلاقية التي تواجهها أمتنا المسلمة اليوم؟ فلا بد من الجواب عن هذا السؤال.

لأنه بجانب فهمنا بأن الإفتاء هو استنباط المعاني والأحكام الشرعيَّة من النصوص ومصادر الأدلّة الأخرى؛ لكي يحصل المفتي على الفتوى التي هي ثمار ذلك الاستنباط، وبجانب علمنا بأن وظيفة الإفتاء هو تماسك المجتمع والاستجابة لحاجات الناس ومطالبها، وبجانب إدراكنا بأن الفتوى هي جواب المفتي عن أي سؤال من السائل الذي كان متعلّقاً بالحكم الشرعي للسؤال، وتكون الإجابة "اجتهاد" من المفتي فيما يتعلّق بالسؤال، بالاستناد إلى الأحكام الواردة في القرآن الكريم والسنّة النبويّة الشريفة، فعلينا أن ندرك أن هناك بعداً مهماً جديداً لوظيفة الفتوي وهي "عزاء الإيمان" و"دفع الأحزان" من أجل علاج آلام النفس المجروحة للأمة المسلمة.

وقد تناول الفيلسوف العربي الأول يعقوب بن إسحاق الكندي ظاهرة الأحزان في رسالته "الحيلة لدفع الأحزان" حيث أكد أنَّ إصلاح النفس وإشفاءها من أسقامها أوجب علينا من إصلاح أجسامنا "فإنا بأنفسنا نحن ما نحن، لا بأجسامنا"؛ لأن إصلاح أنفسنا إنما هو بقوة العزم علي المُصْلح لنا، لا بدواءٍ مشروب، ولا بألم حديدٍ ولا نارٍ، ولا بإنفاق مالٍ، بل بالتزام النفس العادةَ المحمودة في الأمر الأصغر الذي لزومه سهل علينا، ثم نرتفع من ذلك إلي لزوم ما هو أكبر منه.

ومن قبل الفيلسوف العربي الكندي، كتب الفيلسوف الرومي بوئثيوس كتابًا صغيرًا بعنوان "عزاء الفلسفة"، ولكن فائدته كانت كبيرةً في إحياء النهضة الفكرية الاوروبية، بل هذا الكتاب يعد من الكتب الأساسية في إحياء الأدب والأخلاق من أجل إصلاح الفرد والمجتمع.

هذا، وقد رأيت أن هذا الجانب للفتوى لم يكن ظاهرًا ومؤثرًا كما يجب، وكما يمكن أن يكون سواء من ناحية "دفع الأحزان" في حالة آلام النفس عند الناس، قبل أن تكون الفتوي في خدمة القضاء فحسب، وكذلك الفتوى يمكن، بل يجب، أن تكون "عزاء الإيمان" من حيث تقوية الثقة النفسية والأخلاق النبيلة عند الناس قبل بيان الحكم عليهم. فلا شك أن هذا الجانب الطبي للنفس في الفتاوى سوف يؤدي إلي رعاية حقوق الأفراد في الاعتقاد والتعبير.

كلمات البحث