Close ad

الأمريكيون الآسيويون .. تاريخ طويل من العنصرية الممنهجة

24-2-2021 | 13:52
الأمريكيون الآسيويون  تاريخ طويل من العنصرية الممنهجة ملصق مناهض للعنصرية تجاه الأمريكيين الآسيويين فى محطة مترو أنفاق بروكلين
دينا عمارة
الأهرام اليومي نقلاً عن

اقترب شاب أمريكى من رجل عجوز تايلاندى كان يتنزه بمفرده فى مدينة سان فرانسيسكو بولاية كاليفورنيا الأمريكية، وقام بدفعه من الخلف بقوة، فوقع العجوز على الأرض ولم يحرك ساكنا، بينما لاذ الشاب بالفرار، بعد يومين فقط من هذه الواقعة، توفى العجوز التايلاندى متأثرا بجراحه، فى حين تم إلقاء القبض على الشاب الذى أدين بارتكابه جريمة قتل وإساءة معاملة كبار السن، قبل أن تتم تبرئته من هذه التهم لاحقا.

موضوعات مقترحة

لم تمض على الواقعة سوى أيام قليلة، حتى قام شاب أمريكى ملثم بمهاجمة عجوز آخر من ذوى الأصول الآسيوية، فى الحى الصينى فى أوكلاند بولاية كاليفورنيا، ودفعه على الأرض بلا وعى ولاذ بالفرار، تاركا العجوز ملقى على الأرض بلا حراك. بعد ذلك بيومين، قام مواطن أمريكى آخر بمهاجمة شخص فيتنامى بآلة حادة، محدثا له جرحا قطعيا فى الوجه، وذلك فى أثناء استقلاله مترو الأنفاق فى مانهاتن بولاية نيويورك، ثم هرب المهاجم مسرعا قبل إلقاء القبض عليه، تاركا الضحية غارقا فى دمائه وغير قادر على الكلام.

جميع هذه الحوادث السابقة مجرد غيض من فيض لحوادث العنف الجسدى التى يتعرض لها مجتمع الأمريكيين الآسيويين وجزر المحيط الهادئ فى جميع أنحاء الولايات المتحدة الأمريكية، وبعد عام من الخطاب المعادى للأجانب والهجمات العنصرية وسط الوباء، هناك من يرى أن القضية لم تأخذ، حتى الآن، حقها فى التغطية الإعلامية المناسبة، وعلى رأسهم أماندا نجوين، الناشطة فى الحقوق المدنية التى رشحت لجائزة نوبل للسلام، عن عملها فى الدفاع عن الناجيات من الاعتداء الجنسي.

«تملكنى الغضب الشديد وأنا أشاهد مقاطع فيديو تكشف كيف يُذبح مجتمعى بهذا الشكل»، هكذا صرحت نجوين لمجلة «تايم» الأمريكية، متسائلة باستنكار عن عدد الأشخاص الذين يجب أن يُقتلوا حتى تنتبه المنصات الإعلامية السائدة لقضيتهم؟، وانطلاقا من تلك النقطة، أنشأت الناشطة الحقوقية مقطع فيديو على موقع التواصل الاجتماعى «انستجرام»، ناشدت فيه متابعيها التحدث عن جميع حالات الاعتداء التى يتعرض لها المجتمع الآسيوى فى أمريكا، بما فيها واقعة الجدة الفيتنامية التى تعرضت للاعتداء والسرقة فى سان خوسيه بولاية كاليفورنيا، وسرعان ما انتشر فيديو نجوين على نطاق واسع، مع ظهور المزيد من التقارير عن الهجمات العنيفة والسرقات التى يتعرض لها كبار السن الآسيويون.

منذ بداية الوباء فى العام الماضي، واجه الأمريكيون الآسيويون عنفا عنصريا بمعدل أعلى بكثير من السنوات السابقة، فقد أفادت شرطة نيويورك أن جرائم الكراهية بدافع من المشاعر المعادية لهم، قفزت بنسبة كبيرة فى عام 2020 مقارنة بعام 2019، والذى تم فيه الإبلاغ عن حالة واحدة فقط، بينما شهد النصف الأول من عام 2020، وقوع نحو 20 حادثة اعتداء تجاه الأمريكيين من أصل آسيوي، تركزت معظمها فى منطقة الخليج، خاصة فى سان فرانسيسكو والحى الصينى فى أوكلاند، وأفاد تقرير الشرطة أيضا أن أحداث العنف هذا العام شكلت نحو 15.6 بالمائة من جميع جرائم الكراهية المبلغ عنها حتى الآن، مما يجعل الأمريكيين الآسيويين ثالث أكثر مجموعة مستهدفة عنصريا بعد الأمريكيين السود واليهود الأمريكيين، كما أشار التقرير أيضا إلى أن أكثر من 70% من هذه الحوادث، تضمنت اعتداءات جسدية وتحرشات لفظية وسلوك النبذ أو الازدراء بسبب اختلاف العرق.

يعزو كثيرون السبب فى ارتفاع جرائم الكراهية ضد المجتمع الآسيوى عام 2020، إلى الخطاب المعادى الذى انتهجه الرئيس السابق دونالد ترامب، والذى استخدم مصطلحات مثل «الفيروس الصيني» و«فيروس ووهان» عند الإشارة إلى فيروس كورونا المستجد، وألقى باللوم على الصين فى نشر هذا الوباء عالميا. وتشير مجلة «تايم» فى تقريرها إلى أن ترامب خلال فترة حكمه، اتبع سياسة أمريكية يعود تاريخها إلى القرنين التاسع عشر والعشرين، حينما كان يتم استخدام الأمراض لتبرير الكراهية ضد الأمريكيين الآسيويين، وهى السياسة التى ساعدت فى رسم تصور للأمريكيين الآسيويين، على أنهم ليسوا مواطنين أمريكيين، بل هم «أجانب دائمون».

وحول هذا الموضوع، يقول راسل جيونج، أستاذ الدراسات الأمريكية الآسيوية فى جامعة ولاية سان فرانسيسكو ومؤسس إحدى المنظمات المجتمعية التى تهدف إلى وقف الكراهية ضد الآسيويين، إنه كان هناك ارتباط واضح بين خطاب الكراهية وبين العنف الموجه ضد الأمريكيين الآسيويين»، ويؤكد جيونج أن هذا الخطاب المعادى قد منح البعض «رخصة» للقيام بعمليات اعتداء واسعة، ويشير جيونج إلى أن الموجة الحالية من الهجمات على كبار السن، هى جزء من كيفية تأثير هذا الخطاب على السكان بشكل عام.

وأشار كثيرون أيضا إلى أن التمييز العنصرى ضد الأمريكيين الآسيويين، غالبا ما يتم تجاهله بسبب الصور النمطية المستمرة حول مجتمعهم، حيث تقول بيانكا مابوت لوي، أستاذة العدالة العرقية: «هناك صورة نمطية وافتراض بأن الأمريكيين الآسيويين يتمتعون بامتياز طبقي، وبوضع اجتماعى واقتصادى وتعليمى عال، وبالتالى فإن أى تمييز يحدث بعد ذلك يعتبر «غير شرعي» من وجهة نظر البعض».

تستشهد بيانكا بانتشار أسطورة «الأقلية النموذجية» كعامل أساسى مسهم فى المناخ الحالي، هذه الفكرة الخاطئة التى تم تبنيها خلال حقبة الحقوق المدنية لإحباط حركات العدالة العرقية، والتى تشير إلى أن الأمريكيين الآسيويين أكثر نجاحا من الأقليات العرقية الأخري، بسبب العمل الجاد والتعليم واحترام القانون، غير أن هذه الأسطورة خلقت مغالطة مفادها أن الأمريكيين الآسيويين لا يعانون التمييز العنصري، لكن الواقع يشير إلى أن المجتمع الأمريكى أكثر انقساما الآن، فقد وجدت دراسة أجراها مركز بيو للأبحاث عام 2018، أن الأمريكيين الآسيويين يعانون أكبر فجوة فى عدم المساواة فى الدخل، ووجد تقرير آخر عام 2016 من مكتب العمليات فى مدينة نيويورك، أن المهاجرين الآسيويين لديهم أعلى معدلات فقر فى المدينة.

الحقيقة أن تحرك الناشطة الحقوقية أماندا نجوين، تجاه هذه القضية دفع آخرين إلى أن يحذوا حذوها، ومنهم على سبيل المثال الممثل الأمريكى من أصل كورى دانيال داى كيم، الذى عرض مكافأة قدرها 25 ألف دولار لأى شخص يمكنه تقديم معلومات تساعد فى القبض على المهاجمين، وكتب كيم فى تغريدة على تويتر، «جرائم الكراهية ضد الأمريكيين الآسيويين مستمرة فى الازدياد، على الرغم من مناشداتنا المتكررة للمساعدة، عليكم ألا تنسوا فنسنت تشين». وفنسنت لمن لا يعرفه هو رسام أمريكى من أصل صيني، أثار مقتله عام 1982 على أيدى رجلين أمريكيين من ذوى البشرة البيضاء، موجة من الغضب داخل المجتمع الأمريكى الآسيوي، خاصة أنه لم يتم الحكم على المتهمين بتهمة القتل ولم يتم سجنهما، واكتفى القضاء بتغريمهما 3 آلاف دولار مع فرض رقابة عليهما لمدة 3 سنوات.

تغريدة كيم أثارت مشاعر مختلطة للكثيرين فى مجتمع الأمريكيين الآسيويين، وبغض النظر عن إلقائها الضوء على العنف الممنهج ضدهم، لكنها فى الوقت نفسه كشفت عن مشكلة أخرى وهى كيفية معالجة هذا العنف دون الاعتماد على مؤسسات إنفاذ القانون، التى لها باع طويل فى استهداف مجتمعات السود والملونين بشكل عام، غير أن آخرين انزعجوا من عرض كيم مكافأة لتحديد الشخص الذى هاجم مسنين أمريكيين آسيويين، نظرا لأن المهاجم المزعوم كان «رجلا أسود».

هذا الانزعاج دفع العديد من قادة المجتمع، لاتخاذ موقف صريح بشأن التضامن بين الأعراق، حيث دعا نيكى فورتوناتو باس، رئيس مجلس مدينة أوكلاند، إلى التضامن مع إدانة تأليب المجتمعات الملونة ضد بعضها البعض، بينما لجأ آخرون إلى المنظمات المحلية لإظهار دعمهم المجتمع خلال هذه الفترة المؤلمة، على سبيل المثال، قامت مجموعة «منطقة الخليج الأسود» «Black Bay Area»، وهى مجموعة مناهضة للتحسين، بجمع الأموال لدعم منظمات الدعم تجاه تلك القضية، بالإضافة إلى تبنى مبادرات عدة، ومنها التردد على الحى الصينى لإظهار التضامن مع المجتمع الأسيوى هناك، من خلال ارتداء اللون الأصفر.

كلمات البحث
اقرأ أيضًا:
الأكثر قراءة