لم تكن واقعة التنمر بالرجل المسن «العم عاشور» على يد مجموعة من الشباب بهدف تصوير ونشر فيديو عبر برنامج «تيك توك» هي الوحيدة من نوعها، فقد غزت مواقع التواصل الاجتماعي مؤخرًا عدد من الوقائع المؤسفة في الفترة الأخيرة، منها ركل فتاة في سوهاج، والسخرية من معاق ذهنيًا، والتنمر بمسن آخر وسحله في الشارع، وإشعال أطفال النار في طفل بسبب مهنة والده.
وتداول عدد من رواد مواقع التواصل الاجتماعي مقطع فيديو لمجموعة من الشباب يتنمرون على رجل مسن يعرف بـ «العم عاشور»، وقام أحدهم بدفعه ليسقط في الترعة الملوثة بالقمامة، وأنهالت ضحكات الشباب الثلاثة ساخرين منه، وحاولوا أن يمنعوه من الخروج، وذلك بإلقاء القمامة عليه في مشهد مؤسف ومحزن.
وقبلها بأيام تعرضت فتاة بسوهاج للتنمر، بعد قيام شاب بركل قدمها ما تسبب في سقوطها أرضا بنهر الطريق أثناء استقلاله لمركبة «توك توك»، وعلل سبب ذلك أنه قام بمعاكستها فبصقت عليه فقرر الانتقام منها بهذه الطريقة، وتم القبض عليه فور تداول الفيديو على مواقع التواصل الاجتماعي.
في نفس الوقت تعرض معاق ذهنيا للتنمر من قبل شخص قام بإلقاء قطعة حجرية عليه بقصد الاستهزاء به وإثارة سخرية المارة عليه.
وشكلت الزيادة التي طرأت على معدل وقائع التنمر في الفترة الأخيرة وتناميها بشكل سريع خطرًا على المجتمع المصري، ما دفع الحكومة للوقوف بالمرصاد للمتنمرين، إذ تم الموافقة بشكل سريع على مشروع قانون بتعديل بعض أحكام قانون العقوبات بإضافة مادة جديدة برقم «309 مكررا ب» التي أوردت تعريفا للتنمر، وتنص على «معاقبة المتنمر بالحبس مدة لا تقل عن 6 أشهر، وغرامة لا تقل عن 10 آلاف جنيه أو بإحدى هاتين العقوبتين».
وفي أول رد فعل ضد المتنمرين وفقا للتعديلات التشريعية الأخيرة من منظور مفهوم التنمر، قضت محكمة جنح سوهاج برئاسة المستشار عمرو فهمي، أمس الأحد، بالحبس 3 سنوات وغرامة 50 ألف جنيه لكل منهم، في القضية المعروفة إعلاميًا بقضية التنمر على «عم عاشور».
وبدورها ناقشت «بوابة الأهرام» أسباب زيادة حالات التنمر في المجتمع وكيفية التعامل مع هذه الظاهرة، ومدى تأثير التعديلات التشريعية الجديدة على الحد من هذه الظاهرة.
وأكد عدد من أساتذة العلاج النفسي، أن المتنمر مشروع مجرم في المجتمع، ولديه عقدة دونية، وأن سبب انتشار هذه الظاهرة في المجتمع هو تفكك الأسر وتراجع الدور التربوي في المدرسة بشكل كبير، ووضعوا عدة طرق للحد من هذه الظاهرة التي تشكل خطرا كبيرا على المجتمع المصري.
أسباب التنمر
وعن أسباب زيادة حالات التنمر في المجتمع، يؤكد الدكتور محمد هاني استشاري الطب النفسي، أن التنمر هو أحد أشكال الإساءة والإيذاء النفسي والعنف التي تصدر من المتنمر تجاه الضحية.
وأضاف أنها تلك الظاهرة انتشرت في كل مكان سواء مدرسة أو العمل والشارع أيضا، ويقوم المتنمر بالسخرية من الشخص خاصة ذوى الاحتياجات الخاصة ومرضى السمنة، مما يؤثر عليهم نفسيا ويصاب البعض بالإحباط وتصل للانتحار في بعض الأوقات.
وأرجع سبب انتشارها بهذا الشكل المخيف إلى غياب دور الأسرة والمدرسة بشكل كبير في تربية الأبناء، حيث إن الآباء أصبحوا منشغلين بأعمالهم وغير مهتمين بتربية الأطفال، كما غابت التربية في المدارس ما آثر بالسلب على الأجيال الجديدة، فأصبح لا يوجد لديهم قيم وأخلاق وكيفية معاملة الغير بأسلوب إنسانسي مهما يكن الاختلاف بينهم.
شخصية سيكوباتية
وكشفت الأبحاث العلمية أن المتنمر يكون شخصا ذا شخصية قوية وذا سطوة ولديه تضخم في الذات ومتبلد المشاعر ولا يشعر بألم الآخر، وينتمي إلى الشخصيات السيكوباتية، حيث يؤكد أساتذة الصحة النفسية، أن سمات شخصية الضحية التي تتعرض للتنمر، هي الخجل والانطواء، وتنقسم الآثار النفسية للتنمر على الضحية إلى قصيرة المدى وطويلة المدى، وتشمل مشكلات نفسية وجسدية.
وعن الآثار النفسية التي تظل في ضحية التنمر، يوضح الدكتور جمال فرويز استشاري الصحة النفسية، أن الآثار النفسية قصيرة المدى، تتمثل في الأرق والكوابيس، والتبول اللاإرادي للأطفال، والتلعثم، أما الآثار طويلة المدى، تكون الرهاب الاجتماعي وهو عدم القدرة على التحدث وسط مجموعات أو التحدث بصوت مرتفع، لأنه يعود بعقله للمواقف التي تعرض لها ويشعر بالخجل من التعرض للتنمر مرة أخرى، ومن الممكن أن يتحول الضحية إلى شخصية متنمرة في المستقبل وبالتالي يحدث خلل في المجتمع.
وتؤكد أستاذة علم الاجتماع، سامية خضر، أن هذه الظاهرة موجودة منذ سنوات طويلة ولكنها بدأت تأخذ منحنى أكثر خطورة، وذلك مع انتشار صفحات السوشيال ميديا وجروبات الساخرة، فهناك صفحات مخصصة للسخرية، مؤكدة أن العلاج يأتي من الأسرة أولًا عن طريق عدم التنمر أو الإهانة أمام الأطفال نهائيا، وألا يكون التنمر هو لغة سائدة في المنزل من الأساس حتى لا يتربى عليه الطفل.
تجديد الخطاب الديني
كما شددت على ضرورة تجديد الخطاب الديني، مستشهدة بقول الله تعالى: «لا يسخر قوم من قوم»، فهناك معايير وقيم وأسس يجب أن تعود للمجتمع مرة أخرى وأن هذا الفعل شنيع وحرام شرعا لأنه يسبب في بعض الأوقات إلى انتحار الضحية.
تعديلات العقوبات
وعن التعديلات الجديدة الخاصة بأحكام قانون العقوبات، والتي أصدرها رئيس الجمهورية عبد الفتاح السيسي، وفقا للقانون رقم 189 لسنة 2020، جمعت تلك الجرائم من الاعتداءات اللفظية والبدنية وغيرها في مفهوم جديد اسمه «التنمر»، ونصت على إضافة مادة جديدة عرفت «التنمر» أنه: «كل استعراض قوة أو سيطرة للجاني، أو استغلال ضعف للمجني عليه أو لحالة يعتقد الجاني أنها تسيئ للمجني عليه كالجنس أو العرق أو الدين أو الأوصاف البدنية أو الحالة الصحية أو العقلية أو المستوى الاجتماعي؛ بقصد تخويفه أو وضعه موضع السخرية أو الحط من شأنه أو إقصائه من محيطه الاجتماعي، يعاقب بالحبس مدة لا تقل عن ستة أشهر وبغرامة لا تقل عن عشرة آلاف جنيه ولا تزيد على ثلاثين ألف جنيه أو بإحدى هاتين العقوبتين».
ومن جانبه، أكد الدكتور صلاح فوزي أستاذ القانون الدستوري، أن هذه التعديلات سوف تحد من ظاهرة التنمر بشكل كبير، فهذه الظاهرة رغم وجودها منذ سنوات، إلا أنها انتشرت بشكل كبير جدًا خلال الفترة الأخيرة، ما تسبب بوجود ضرر في المجتمع، لذلك كان لابد من حكم رادع لكل من يتطاول على غيره سواء كان شخصا من ذوى الاحتياجات الخاصة أو سليما.