Close ad

ثروة وسط البلد التراثية تطلب الحماية

6-9-2020 | 16:20
ثروة وسط البلد التراثية تطلب الحمايةعقار قصر النيل التراثي المنهار
هشـام زكى

يبدو أن مأساة انهيار عقار قصر النيل التراثى رقم «50» التى حدثت منذ أسابيع لن تكون الأخيرة ، فالمؤشرات تؤكد أن فصول المأساة قد تتكرر بسبب الإهمال وغياب المتابعة والصيانة والغريب انه بالرغم من قرار اللواء خالد عبد العال محافظ القاهرة عقب حادث انهيار العقار بتشكيل لجنة هندسية لفحص العقارات المجاورة، فإن اللجنة يبدو أنها لم يصل لمسامعها تعليمات المحافظ، لأن العقار المجاور رقم « 52» فى الشارع نفسه يواجه بوادر كارثة تنذر بأن يلقى مصير العقار المنهار ..«الاهرام» رصدت ما يحدث للعقار «52» فى السطور التالية ..

فى جولة داخل العقار وجدنا ان الإهمال فى أسوأ صوره تسرب للعقار «52» الذى صممه المهندس «أنطونيو لاشياك» الذى صمم قصر عابدين وعددا من العمارات الخديوية وربما لا يعرف الكثيرون أن العقار 52 هو أول عمارة تم بناؤها فى منطقة قصر النيل عام 1925 ميلادية ، مكون من دور أرضى و7 أدوار واستخدم فيه لأول مرة طريقة إنشائية تجمع بين الأعمدة الخرسانية والحوائط الحاملة.

وقد وجدنا أن المياه الجوفية والمتسربة من مواسير المياه تغمر بدروم العقار، وحولته إلى ما يشبه المستنقعات فيما تضررت بشكل واضح الأعمدة الخرسانية التى تبدو على وشك الانهيار من فرط تأثرها بالمياه التى أسقطت الخرسانة وأفرغتها من حول أسياخ الحديد التى تمكن منها الصدأ «البارومة» على حد تعبير أشرف شكرى مالك العقار الذى قال إن العقار حاله كحال عدد غير قليل من عقارات القاهرة الخديوية، لا تبدو الصورة فى الداخل مثلما تبدو فى الخارج، فالسلالم على وشك الانهيار ، والمصاعد لا تزال تعمل رغم صدور قرار بغلق معظمها نظرًا لخطورة استعمالها على حياة الأفراد وهو ما يتطلب بشكل عاجل ترميم العقار .

أضاف شكرى أن العقار صدر له قرار ترميم منذ 27 عامًا وبالتحديد فى عام 1993ولم يتم تنفيذه، وأمام تدهور حالته البنائية، بادر الحى بناء على المعاينة وطالب ملاك العقار باتخاذ الإجراءات لإصدار قرار ترميم جديد، وذلك بعد صدور تقريرين «أحدهما من كلية الهندسة جامعة عين شمس، والآخر من مركز الدراسات والتصميمات الهندسية» حذرا من خطورة الوضع وشددا على ضرورة وجوب إخلاء العقار كاملا لترميمه وفق ما تبين من أضرار ظهرت بالمعاينة فى صورة تضرر عناصر البناء بشكل كبير، وهو ما دفع الحى باتخاذ الإجراءات الخاصة باستخراج تراخيص الترميم نظرا لخطورة المبني، لكن مشكلة بعض قاطنى العقار أنهم لا يسمحون بالقيام بأعمال الترميم فمعظم القاطنين إما أصحاب مخازن أو محال أو مكاتب تجارية يرفضون الإخلاء باعتبار أن أعمال الصيانة والترميم ستعطل مصالحهم.

وفى لقاء مع بعض قاطنى العقار أكدوا انهم لا يمانعون من صيانة العقار والقيام باعمال الترميم فهى مصلحة يسعى لها الجميع ولكنهم يرفضون أن يتم هذا الترميم بشكل عشوائي بعيدا عن المتخصصين والجهات المسئولة «العشوائية» - على حد تعبيرهم - يمكن أن تضر بالمبنى.

وعلى بعد أمتار وبالتحديد فى العقار رقم 22 بنفس الشارع يعانى العقار بعض مشاكل العقار رقم 52 حيث يقول صاحبه كريم نبيه للأسف الشديد معظم عقارات وسط البلد تعانى مشكلات المياه الجوفية وتحتاج لتدخل سريع لحل تلك المشكلة فضلا عن بحث مشكلة التعاون بين الملاك وقاطنى تلك العقارات فيما يتعلق بالصيانة والترميم .

من جانبها تقول الدكتورة سهير حواس أستاذ العمارة والتصميم العمرانى بكلية الهندسة جامعة القاهرة وعضو مجلس إدارة الجهاز القومى للتنسيق الحضارى والمسئولة السابقة عن تطوير القاهرة الخديوية وصاحبة «موسوعة القاهرة الخديوية» إن مشكلة العقار رقم «50» شارع قصر النيل الذى انهار بوسط البلد ليست الوحيدة ولكن ما يقرب من 90 % من العقارات التى لها بدروم تعانى نفس المشكلة بسبب تراكم المياه بها ، وهى مشكلة تقع فى أعرق وأعظم العمارات التراثية الموجودة وسط المدينة والتى باتت فى خطر شديد وقد تلقى نفس مصير العمارة الأخيرة التى انهارت وتقلل العمر الافتراضى لها فنحن نريد الاحتفاظ بهذه العمارات التراثية التى تمثل متحفا عمرانيا مفتوحا ولكن الإهمال وغياب الصيانة يهددان عمرها الافتراضي، فالتخلص من هذه المياه مكلف جدا لأنك لا تستطيع أن ترفع المياه مرة واحدة لو حدث ذلك يسبب خلخلة فى التربة وهو ما يهدد بانهيار المبنى على الفور وبالتالى فالامر يحتاج إلى خبرة ، وحقن وتقوية للتربة خاصة فى أساسيات المباني، ومعظم قاطنى هذه العقارات يعزفون عن هذا الأمر وهو ما يؤدى إلى تدهور الوضع، مشيرة إلى أن الإيجارات زهيدة جدا وبالتالى فمالك العقار غير قادر على عمل هذا الأمر بمفرده واتحاد الشاغلين غير مفعل فى هذه العمارات ناهيك عن كمية المصاعد التى لا تعمل ومتهالكة نتيجة عدم رغبة السكان فى تحمل مصاريف الصيانة بجانب أن هناك وحدات مغلقة منذ سنوات.

التجربة الألمانية

وأشارت الدكتورة سهير حواس الى التجربة الألمانية فى الحفاظ على الثروة العقارية من الانهيار قائلة : إنه فى مدينة « ميونيخ» تقوم السلطات كل عام بعمل صيانة دورية وقائية لكل مبنى بمنطقة وسط البلد القديمة التى تشبه عمارات القاهرة الخديوية فى مصر، مؤكدة أن هذه الصيانة إلزامية يتم فرضها على المالك وتقسيط المبالغ المستحقة عليه فى حالة عدم قدرته على دفعها .

وأشارت إلى أنه على الرغم من أن مدينة ميونيخ دمرتها الحرب العالمية الثانية تماما، فإنه تم بناؤها بنفس الواجهات الأصلية والتحديث من الداخل، وهذا النظام يطلق عليه نظام « الواجهاتية» وهو أسلوب الحفاظ على الواجهة مع التجديد بالداخل، وهذا النظام بالرغم من أنه تم تطبيقه من قبل فى مصر وتحديدا فى متحف المركبات الملكية فى شارع 26 يوليو حيث تم التفريغ من الداخل تماما مع الاحتفاظ بالواجهات من الخارج إلا أن هذا النموذج لم يتم تعميمه ، ولدينا ثلاثة مستويات لتسجيل العقارات التراثية الأول الدرجة «أ» ولا يجوز فيها التعديل داخليا أو خارجيا مثل الأثر، ومجموعة «ب» وهى غالبا تكون المبانى السكنية التراثية ولا يجوز التغيير من الخارج مع جواز إجراء بعض التغييرات من الداخل لرفع كفاءة المبنى وإتمام عمليات الصيانة أو ما شابه ذلك ، أما مجموعة «ج» فنترك فيها الواجهة مع تفريغ المبنى بالكامل من الداخل وفق اللائحة التنفيذية للقانون رقم 144 لسنة 2006 والحقيقة أننا لدينا العديد من القوانين لكن ينقصنا التطبيق ، وبالتالى مشكلة المياه أسفل عقارات وسط البلد تحتاج إلى تدخل سريع وحاسم وصيانة المصاعد المتهالكة والتأكد من مدى عملها، وتنظيف المناور وإعادة النظر فى الأدوار المخالفة والأسطح غير النظيفة.

دور المحافظة

ويقول الدكتور حسام البرمبلي أستاذ العمارة بجامعة عين شمس والخبير الدولى للصيانة ، إن معظم عقارات منطقة وسط البلد تعانى من مشكلة المياه الجوفية المرتفعة وإذا تم عمل نظام سحب المياه وصرفها على المجارى العمومية سيتم التخلص من هذه المشكلة. ويضيف أن محافظة القاهرة لا تريد الدخول فى مشكلات الملكيات الخاصة فدور المحافظة الاهتمام بالطرق والأرصفة والإنارة كما قامت بتطوير أغلب واجهات العقارات التراثية بوسط البلد من الخارج ، مع العلم أن رفع المياه يحتاج إلى خبراء متخصصين وشركات متخصصة لصيانة هذه العقارات التراثية.

وأشار الخبير الدولى للصيانة إلى أن عمليات السحب والعزل مكلفة جدا وهذا ما يدفع ملاك العقارات القديمة للعزوف عن إجرائها وبالتالى على الدولة أن تتدخل وتلزم الملاك والشاغلين بتحمل تكلفة هذه الأمور، لأن هذه العقارات أصول عقارية تاريخية ملك لكل المصريين بمنزلة متحف مفتوح لابد من الحفاظ عليه ، وبالفعل نجحت محافظة القاهرة فى عمل نظام الصرف السطحى فى بعض أماكن القاهرة الخديوية وقامت بتخفيض منسوب المياه الجوفية وهو مشروع تم تطبيقه فى منطقة الكرنك بالأقصر وفى القاهرة الفاطمية بجامع الحاكم وكانت تعانى نفس المشكلة ، وكذلك فى منطقة مجمع الأديان بمنطقة الفسطاط بمصر القديمة ، لكن المشكلة الرئيسية هى مشكلة التكلفة .

اتحادات الشاغلين

أما الدكتورة ريهام عرام مدير عام إدارة الحفاظ على التراث بمحافظة القاهرة، فتقول إن المحافظ وجه بمراجعة حالة جميع المنشآت الآيلة للسقوط بالمحافظة وذلك بالتعاون مع الجهاز القومى للتنسيق الحضارى وذلك فى جميع مناطق القاهرة لإعادة إحياء العقارات والشوارع والميادين .

وتضيف أنه لتجنب تكرار مأساة العقار 50 بقصر النيل يجب تشجيع السكان على عمل اتحادات للشاغلين وإرسالها للحى إلى جانب توعية السكان بعدم السلبية تجاه أى مشكلات فى العقار مثل هدم الحوائط أو التكسير المبالغ فيه، مطالبة بالإسراع فى إبلاغ الحى لأن هذا قد يتسبب فى كارثة، قائلة إن الدولة لن تعين حارسا على كل عقار ففكرة اتحاد الشاغلين مهمة جدا فهم حراس على مبانيهم وحياتهم ، وكذلك نحن نعمل الآن على إخراج جميع المخازن الموجودة فى منطقة وسط البلد ، حيث تم تشميع أكثر من 400 مخزن وإخراجها وقطع المرافق كذلك عن أى أنشطة مخالفة داخل العقارات فى أحياء الأزبكية والموسكى وعابدين لحمايتها من الأخطار.

وأكدت أن القانون رقم 119 يفرض على كل عقار تكوين اتحاد شاغلين وإشهاره فى الحي، «لكن أن تدخل عمارة فى وسط البلد فتجد أن كل شققها مغلقة أو محولة إلى مخازن فهذه كارثة، ونحتاج إلى تشريع يجرم عدم اتجاه السكان لعمل هذه الاتحادات ووضع عقوبة لهذا الأمر».

نقلا عن صحيفة الأهرام

كلمات البحث
اقرأ أيضًا:
الأكثر قراءة