أصبحت برامج المقالب مادة ثابتة على المائدة الرمضانية كل عام، والتي تطل علينا برأسها في بيوتنا من خلال الشاشة الفضية، ولا نعلم متى أصبحت عادة لدينا بدلا من الفوازير وبرامج الأطفال التي كبرنا عليها وكانت تعطي طعم البهجة أوقات الإفطار، ولكن بين ليلة وضحاها تطورت تلك البرامج في الأعوام الأخيرة لتصل إلى حد استخدام الأسود والتصوير داخل المقابر، أو استفزاز الضيوف وتعنيفهم بشكل قد يصل إلى حد بكاء وانهيار الضيف، وهو ما دأب عليه برنامج "رامز مجنون رسمي"، الذي أثار ردود فعل واسعة في الأوساط الجماهيرية لما فيه من مشاهد صادمة يتعرض لها الضيف وبعضها يصل إلى حد الإزلال وهو ما اعتبر منافيا لقيم وأخلاقيات مثل هذه النوعية من البرامج التي تندرج تحت "التسلية" لا العنف وإيذاء مشاعر المشاهدين.
وعرف التليفزيون المصري برامج المقالب لأول مرة عام 1983، ببرنامج "الكاميرا الخفية" مع فؤاد المهندس، قبل أن يحاكي آخرون تجربته التي اعتمد فيها على المواطن المصري ليكون بطلا للمقلب، وكان أبرزهم الفنان إبراهيم نصر بعدة تجارب كان أشهرها "الكاميرا الخفية" و"ذكية زكريا" ومن ثم برامج الفنان "حسين إمام"، والتي ظلت لعقود وجبة رئيسية بمائدة الكوميديا التليفزيونية المصرية، يقبل عليها المشاهدين بشراهة وتحديدا في شهر رمضان.
وبين برنامج الكاميرا الخفية الذي كان وجبة رئيسية بمائدة الكوميديا بالتليفزيون المصري قبل نحو ربع قرن، وسلسلة رامز جلال وأخواتها، تاهت ملامح تلك البرامج بين مشاهير مكررين، فالبرامج أصبح أكثر جرأة وميزانيات ضخمة، ولا تخلو مشاهدها من التنمر والعنف والألفاظ البذيئة، وبعد أن كان تبعث البهجة السرور أصبحت تصدر الإهانة وترسخ مفهوم العنف لدى المشاهدين.
وتناقش لجنة الشكاوى بالمجلس الأعلى لتنظيم الإعلام اليوم، التقارير الخاصة بالدراما الرمضانية حول المخالفات التي تم رصدها إضافة إلى الشكاوى التي وردت إليها حتى الآن، وبحث أزمة برنامج "رامز مجنون رسمي"، الذي يقدمه الفنان رامز جلال، حيث تقدمت مستشفى الصحة النفسية التابعة لوزارة الصحة بشكوى ضد البرنامج، مطالبة بسرعة وقفه لما يحمله من العنف والتعذيب والاستهانة بالضيوف.
لماذا تحولت برامج المقالب من بث الكوميديا إلى تصدير العنف؟، وما تأثير ذلك على المشاهدين خاصة الأطفال منهم؟، ولماذا تحقق أعلى المشاهدات رغم انتقادات الكثير من المحتوى التي تقدمه؟.. كل هذه الأسئلة يجب عليها عدد من خبراء علم النفس والإعلام في التقرير التالي:
برامج ترسخ العنف
يقول الدكتور وليد هندي، استشاري الصحة النفسية، إن برامج المقالب كانت على فترات ماضية متباعدة مادة للضحك نتيجة خلق مواقف فجائية وغير متوقعة قد تبعث البهجة والسرور دون تصدير أي إهانة أو تحقير من الشأن أو إذلال للذات من الطرف المشترك فيها، ولكن مع تطور الزمان والمكان وانحصار القيم الأخلاقية في عدد من البرامج المقدمة، أصبحنا نرى برامج المقالب تخضع لنسب عالية من المشاهدة، رغم أنها تعمل على هدم ومحو المادة الصلبة للشخصية المصرية العربية بصورة ممنهجة ومنظمة.
ويؤكد استشاري الصحة النفسية، لـ"بوابة الأهرام"، أن تلك البرامج المسيئة تحث على العنف والكراهية، وتعمل على إظهار السادية والتعذيب المفرط للآخرين ووقوع الأذى بهم، وترسخ مفهوم العنف والتنمر وطرق النيل من الآخر في نفوس المشاهدين من الشباب والأطفال، والأسوء من ذلك أن تكرار تلك المواقف على مدار 30 يوما تجعل من تعذيب الآخرين والصراخ والعويل أمرا طبيعيا في نفوس المواطنين، مما يصيبهم بالبلادة الحسية وتبارد في الانفعالات المتباينة.
ظاهرة " التحفيل والتنمر"
كما يوضح أن خضوع الضيف في تلك البرامج للتنمر من خلال عبارات الاستهزاء الذي يستخدمها مقدم البرنامج، أبرزت ظاهرة "التحفيل" والتنمر بين الشباب، وما يترتب عليها من جرائم وعصبية زائدة، حيث أصبحت ظاهرة بارزة جدا في الأونة الأخيرة نتيجة ما اكتسبه الشباب من قيم هدامة من خلال مشاهدتهم لتلك البرامج المستفزة، كما أن قبول الضيف السخرية والاعتداء عليه والإهانة نظير حفنة من الأموال، قد ينتج عنها ترسيخ فكرة إعلاء قيمة المادة والربح في نفوس الشباب بغض النظر عن ما يتعرض له من إهانات تحت شعار "الغاية تبرر الوسيلة".
مطالب بوقف عرضها
وأثبتت بعض الدراسات الحديثة أن برامج المقالب بتلك المحتوى والمضمون تعيق عملية التعلم وتعمل على وقف نمو التكفير، بل وتصيب مشاهديها بالبلادة الحسية، بحسب ما أكده الدكتور وليد هندي، مناشدا كافة المسئولين عن عرض هذه البرامج الهدامة والتي تطل برأسها علينا في بيوتها من خلال الشاشة الفضية بوقف تلك البرامج ومراجعة محتوى مجموعة من البرامج الأخرى إعلاء لبعض القيم الأخلاقية والروحية التي تتماشى مع طبيعة الشخصية المصرية وطبيعة هذا الشهر الفضيل.
وفي هذا الشأن، اتفق معه الدكتور جمال فرويز استشاري الطب النفسي، حيث طالب بسرعة وقف برامج المقالب في هذا الشهر الكريم لما تسببه من انحدار في الثقافة المصرية، فلا يوجد بها أي مصدر للكوميديا والبهجة أو التعلم والتسلية، ولكنها جاءت استغلال للانحدار الثقافي الذي نعيشه هذه الفترة، وأصبحت تتسبب في تعليم الشباب العنف والسادية.
تأثير البرامج على الأطفال
وعن تأثير برامج المقالب على الأطفال، يؤكد الدكتور جمال فرويز، أن الكارثة الحقيقة في مشاهدة الأطفال لبرامج المقالب أنهم يتعلمون التقليد، حيث إن الطفل وليد التقليد، وبالتالي يقلدون ما يحدث بصورة أو بأخرى، وينعكس ذلك على القيام بكوارث قد تؤدي بحياة الأخرين، خاصة أن الأطفال أقل خبرة وذكاء في التعامل مع هذه الأمور.
ويضيف أن من يدعم هذه البرامج يتعامل مع الفكرة من جهة الإلهاء ويدمر الثقافة المصرية، وهذه تعتبر حملة ممنهجة نتج عنها أننا أصبحنا مدمرين ثقافيا، لذلك لابد من وقف مثل تلك البرامج فورا وعدم عرضها على شاشات التليفزيون.
فجاجة البرامج
فيما يرى الدكتور صفوت العالم أستاذ الإعلام بجامعة القاهرة، أن برامج المقالب تبث حالة من العنف الذي يتسم بالسطحية والفجاجة المباشرة، وتعظم من السادية والعنف المباشر الذي خول للبعض أي يستخدم آليات التعذيب في أي خلاف اجتماعي أو عائلي كما تعلم من البرامج التي جعلت لديه خبرات في كيفية إهانة وتعنيف الآخرين.
ووصف أستاذ الإعلام بجامعة القاهرة برامج المقالب هذا العام، بأنها الأسوء على الإطلاق، لما تستخدمه من قهر وتعذيب وإذلال في سبيل المال مما يهبط بكل من يشارك بهذه المهزلة، حيث إنهم لا يحتاجون لشهرة زائدة ولا أموال للموافقة على بث الإهانة بهم، متسائلا لو فعل هؤلاء الشخصيات هذا الأسلوب لكسب المال فماذا يفعل الفقراء؟!
وضع آلية عقاب
ويطالب "العالم"، بمنع هذه الممارسات من التكرار مهما كانت الموانع، وحتى إذا كانت تبث على قنوات خاصة، فإنها تمارس بأشخاص مصريين داخل الأراضي المصرية، فلابد من الالتزام بضوابط المهنية السليمة، ووضع آلية عقاب واضحة وهي منع لأي تكرار من نوعية المقالب لأنها تمثل أزمة أخلاقية جديدة.