لا تزال واقعة شهيد التذكرة تثير الجدل وتطرح العديد من التساؤلات حول الأسباب والتداعيات وقد جاء قرار النائب العام أمس بإحالة رئيس القطار للمحاكمة العاجلة كاشفا لأدلة الإدانة ومجسدا لجريمة أكبر، تقدم فى حد ذاتها دلائل إدانة لانحراف البعض عن الكثير من المبادئ الأخلاقية التى ظلت لقرون أحد أهم سمات المجتمع المصرى ففى مشهد لا يصدقه عقل، قام الشابان محمد عيد وأحمد سمير بالقفز من القطار وحدث ما حدث, أمام أعين الركاب.
تحولت الواقعة رغم كونها فردية إلى قضية رأى عام إذ اهتزت لها مشاعر الجميع لما حملته من مشهد غير إنسانى يعكس سلوكًيات تحمل علامات استفهام حول "الكمسري" وسلوكيات بعض الركاب الذين حضروا الواقعة. لذا تسأل "بوابة الأهرام" هل "شهيد التذكرة" ضحية كمسرى أم مجتمع؟
واقعة يرفضها المجتمع
من الناحية الاجتماعية تقول الدكتورة هالة يسرى أستاذ علم الاجتماع بمركز بحوث الصحراء أن ما حدث ضد المنطق والقانون ووصفت الواقعة بالبشعة واللا إنسانية. واستنكرت تصرف الكمسرى تجاه الشاب المتوفى محمد عيد فقالت من المعروف عن المصريين الشهامة والوقوف جانب بعضهما البعض فضلًا عن اتسامهم بالعاطفة فكيف يقبل الكمسرى نزول الشاب من القطار أثناء سيره وهو يعلم خطورة ذلك على حياته.
وأكدت أن الحادث جرح مشاعر جموع المواطنين ووصفته بالفردى، إذ لم يعتـده المجتمع من قبل لافتة إلى عرض الكمسرى على مصلحة الطب الشرعى للخضوع لتحليل المخدرات: "اللى يسيب حد ينزل من القطر وهو ماشى مش ممكن يكون طبيعي".
من ناحية أخرى لفتت أستاذ علم الاجتماع إلى استقلال بعض المواطنين للمواصلات العامة دون دفع الرسوم المقررة وأن هذه السلوكيات تضيع حق الدولة وبالتالى المواطنين إذ تذهب هذه الأموال إليهم فى الأخير على هيئة خدمات ودعم، وتناشد الجميع باحترام القانون، لأنه يحفظ لكل من المواطن والدولة حقوقهما وواجباتهما، مؤكدة أنه رغم المخالفة القانونية التى ارتكبها الشابان بركوب القطار دون تذاكر، إلا أن هذا لا يبرر تعريض الكمسرى حياتهما للخطر.
الكمسرى
تصرف رئيس القطار "الكمسري" تجاه الشاب له دوافع يكشفها الدكتور وليد هندى استشارى الطب النفسى قائلا إن شخصية الكمسرى تحكمت فى الحلول التى اختارها لمواجهة ركوب الشابيـن بدون تذاكر، كما أن الكمسرى يتمتع بميزة الضبطية القضائية، وهى صلاحية إلقاء القبض على أى شخص مخالف داخل القطار، وهذه الميزة تعطيه الشعور بالكفاءة النفسية وارتفاع الروح المعنوية لديه، وخاصة مع مستواه التعليمى المنخفض وكذلك المستوى الاجتماعى المتواضع، فتمنح ميزة الضبطية القضائية هنا الكمسرى الشعور بالاستعلاء، فنجده يتعامل مع الجمهور من منطلق أمنى.
ويضيف استشارى الطب النفسى أن الكمسرى غالبًا ما يقضى يومه منعزلًا عن العالم الخارجى حيث طبيعة عمله التى تجعله طول الوقت متنقلًا بين عربات القطار، فينقطع الاتصال بينه وبين المجتمع وما يدور فيه الأمر الذى جعله كما هو منذ سنوات طائلة لم يتغير، حيث الهيئة الكلاسيكية التقليدية والبدلة الزرقاء كما هى منذ عهد "الاشتراكية" وطريقة حديثه وقدومه على الجمهور وكأن آلة الزمن لم تمر عليه الأمر فتغير الزمن والناس وبقى هو ثابتًا على طريقته وهيئته.
وعلى ضوء ذلك يرى استشارى الطب النفسى أن الكمسرى غير مهيأ علميًا ولا ثقافيًا ولا نفسيًا للتعامل مع الناس والمشاكل وإيجاد حلول لها وأنه بحاجه ضرورية إلى التدريب.
ركاب القطار
وعن ركاب القطار يقول استشارى الطب النفسى، أن الناس تأثرت بثورة 25 يناير التى خلفت سلبيات إلى جانب ما حقتته من إنجازات لافتًا إلى مشاهد العنف التى شهدتها تلك الثورة، الأمر الذى أثر فى ردود أفعال البعض وسرعة تفاعلهم مع الحدث، مما تسبب في تبلد الإحساس لديهم.
كما خلق ظهور "السوشيال ميديا" حالة من الهوس لدى البعض الذين يسعون وراء جمع "اللايكات" و"الكومنتات" حتى أنهم فى بعض المواقف القاسية والتى تمثل مشكلة حقيقية يمسكون بهواتفهم لتصوير الحدث ومشاركته الجمهور عبر "السوشيال ميديا" بدلًا من مد يد العون والمساهمة الحقيقية فى حل الأزمة ما جعل "شهيد التذكرة" ليس ضحية لسلوك الكمسرى، فحسب وإنما أيضًا لسلبية بعض ممن كانوا حوله، ومن ثم يمكننا القول بأن السوشيال ميديا تسببت فى هدم جزء من الشخصية المصرية المعروفة بالنخوة والشهامة وخلفت تبلد الإحساس لدى الكثير".
شهيد التذكرة
أما عن الشاب محمد عيد والذى اشتهرت واقعته إعلاميًا بـ"شهيد التذكرة" فيقول استشارى الطب النفسى أنه اختار النزول من القطار أثناء سيره بدلًا من تسليمه إلى الشرطة لأن هذا التصرف أقرب إلى شخصية الباعة الجائلين المشهورين بالقفز من عربات القطار أو مترو الأنفاق والهروب من الرقابة الأمنية وما ساعده على القبول بهذا الاختيار كونه لا يملك بطاقة شخصية فخشى بلا شك من الملاحقة القضائية.
روح القانون
من جانبه انتقد رئيس محكمة سابق تصرف الكمسرى الذى يعد مخالفة صارخة للقانون إذ ينص القانون فى حال وجود ركاب مخالفين دفعهم الغرامة المقررة أو تسليمهم للشرطة القطار فى أقرب محطة وتحرير محضر بالمخالفة. وأشار رئيس المحكمة الأسبق الذى فضل عدم ذكر اسمه إلى أن التعنت ليس حلًا وأن روح القانون تتواجد فى مثل هذه الحالات خاصة فى حال التأكد من أن ظروف قهرية وراء الركوب بدون تذكرة إلا أن الكمسرى استخدم سلطة الخوف بدلًا من سلطة القانون وهو سلوك فردى نأمل ألا يتكرر.
وأكد رئيس المحكمة أن العنصر البشرى بهيئة السكة الحديد بحاجة ضرورية إلى التطوير والتدريب باعتبارهم يتعاملون مع حياة البشر مشيدًا بتصريحات وزير النقل بشأن البدء فى تطوير عمال هذه الهيئة متمنيًا أن يشمل هذا التدريب والتطوير العاملين بكافة هيئات ومؤسسات الدولة وليس هيئة السكة الحديد فقط.
الدكتور وليد هندي