Close ad

"أدوية الموت" تهدد صحة المصريين .."بوابة الأهرام" تفتح ملف غش الدواء وتكشف مافيا قتل المرضى

14-2-2019 | 10:42
أدوية الموت تهدد صحة المصريين بوابة الأهرام تفتح ملف غش الدواء  وتكشف مافيا قتل المرضىادوية
داليا عطية

"الدواء فيه سم قاتل " هذه المقولة الشهيرة التى صارت من التراث الشعبى المتداول منذ أن وردت في الفيلم العربي الشهير "حياة أو موت" عام 1954 للعظماء يوسف وهبى ومديحة يسرى وعماد حمدي لتجسد واقعا لأدوية الموت التى يتم تداولها فى الأسواق ولعل المشهد الشهير فى الفيلم حين يتعرض رجل للإصابة بأزمة قلبية فيرسل ابنته للحصول على الدواء ولكن يكتشف الصيدلي تسببه بالخطأ في تركيب الدواء ليصبح "سم قاتل " فيحاول بمساعدة الشرطة البحث عن الرجل وإنقاذه قبل تناول الدواء – هذا المشهد مع فارق التشبيه - يعكس حال ما يحدث في قطاع الدواء بمصر باعتراف وزارة الصحة التي أصدرت قبل أيام تقريرا تحذر فيه من تداول أدوية ومستحضرات تجميل بعضها يصيب بالعمى والبعض الآخر يسبب أمراضا خطيرة. 

موضوعات مقترحة
وربما ما خفى كان أعظم إذ أن كل المعلومات والأدلة تؤكد أننا أمام جريمة مكتملة الأركان ترتكب في حق صحة المصريين الذين باتوا ضحايا لمافيا الأدوية المغشوشة التى لا يحركها سوى جمع الأموال دون وازع من دين أو دافع من ضمير وما بين مصانع "الموت" وتجار الغش توارت الحقيقة واختفت الرقابة وسقط المريض المصرى ضحية الداء والدواء ..وفي التحقيق التالي تفاصيل "أدوية الموت.
ما هو الدواء المغشوش ؟
يوجد دواء بديل ويقصد به المثيل ويكون بنفس المادة الفعالة ولكن يتم إنتاجه بواسطة شركة أخري ويوجد دواء مغشوش وهو نوعان الأول به خطأ في التصنيع والثاني متعمد إذ لا يتم غش المادة الفعالة فقط بل يتم الاستعانة بمادة فعالة أخري تغير من طعم وشكل الدواء ويكون غير مسجل لدى وزارة الصحة ويدخل مصر عن طريق التهريب ويتم كشفه عن طريق التحليل .
وتحدث عملية تصنيع الأدوية المغشوشة داخل مصانع "بير السلم" أو ورش غير مرخصة في مناطق عشوائية تقوم ببيع منتجاتها لشركات معروفة لتحقيق مكاسب كبيرة عن طريق استغلالها لاسم منتج آخر وهو المنتج الأصلي .
ظاهرة عالمية.
يؤكد البروفيسور مارك جيلينى رئيس جمعية مكافحة غش الدواء بباريس في تصريحات له في 2017 إنه ما بين 700 ألف و800 ألف شخص يموتون سنوياً بسبب الغش فى الدواء، وإن الأمر لا يقتصر على الفقراء فقط، ومن المعروف أن ملك البوب مايكل جاكسون مات بسبب جرعة دواء خاطئة، لافتاً إلى أن الموت بسبب الأدوية المغشوشة في الولايات المتحدة نسبته أعلى من الموت عن طريق حوادث الطرق .

مصانع "بير السلم"
ويقول الدكتور محيي حافظ رئيس لجنة الصحة والدواء باتحاد المستثمرين في تصريحات خاصة لـ "بوابة الأهرام" أن الخطير في الأمر هو صعوبة التفرقة بين الدواء الأصلي والمغشوش حتى أن الأمر يلتبس على الصيدلي نفسه موضحًا أن الأدوية المغشوشة يتم تصنيعها في مصانع "بير السلم" أو ورش في مناطق شعبية لديها إمكانيات تصنيع بدائية لكنها تستطيع تصنيع الدواء بشكل يقارب الأصلي لذا يطالب بمحاربة هذه التجارة السامة والقاتلة من خلال ضبط هذه المصانع سواء عن طريق حملات من وزارة الصحة أو الداخلية أو عن طريق التبليغ وأيضًا من خلال ضبط المعدات والآلات المستخدمة في التصنيع والتي تباع في الأسواق بدون قيود كما يطالب "حافظ" بمنح المطابع الخاصة بطباعة علب الدواء ومواد التعبئة والتغليف تراخيص لشركات الأدوية التي تحددها وزارة الصحة فقط وبذلك ستجد مصانع "بير السلم" عائقًا في تغليف الأدوية المغشوشة وبالتالي لن تتمكن من ضخها في السوق وهذا بالنسبة للأدوية المصنعة محليًا أما بالنسبة للمصنعة خارج مصر وتدخل عن طريق التهريب فيطالب "حافظ" بتشديد الرقابة على منافذ الدخول للكشف عن الأدوية المستوردة وحقيقة شرعيتها من حيث كونها مسجلة لدى وزارة الصحة أم لا .
شركات كبري في قفص الاتهام
عملية غش الدواء ليست قاصرة فقط علي المطابع التي تسهل على هذه المافيا ضخ أدويتها المغشوشة في السوق بإمدادها بالعبوات والتغليف وإنما توجد شركات معروفة تتعامل مع مصانع "بير السلم" أو الورش وتأخذ منها الأدوية المغشوشة وتبيعها على أنها الأصلية وذلك بهدف الربح إذ تحصل عليها بأسعار مخفضة  وتبيعها بنفس سعر الدواء الأصلي وبذلك تتكسب هذه الشركات على حساب حياة المرضي .
برنامج وطني لمكافحة الظاهرة.
ينادي رئيس لجنة الصحة والدواء باتحاد المستثمرين من خلال "بوابة الأهرام" بسرعة إنشاء ما يسمي بالبرنامج الوطني لمكافحة غش وتزييف وتدليس الدواء موضحًا أنه يشمل كيفية التعامل مع الأدوية المهربة والمصنعة في الداخل ووضع الضوابط التي تحول بين استمرار عملية غش الدواء ووصول هذه الأدوية القاتلة إلى المواطنين لافتًا إلي أن جميع الدول التي حاولت أن تجد حلًا لظاهرة غش الدواء قامت بإنشاء برنامج وطني للحفاظ على سلامة الدواء لديها ووضع ضوابط ومعايير لمحاربة هذه الظاهرة كما شدد علي سرعة إصدار قانون مزاولة المهنة لما يتضمنه من عقوبات مغلظة في حال ضبط دواء مغشوش وهو ما يضمن وجود عبرة لتجار الموت .

أضرار تناولها.
بحسب أطباء متخصصين تحدثوا لـ"بوابة الأهرام" فإن الأضرار الواقعة علي المريض من تناول الأدوية المغشوشة في غاية الخطورة فأقل هذه الأضرار هي عدم شفاء المريض من المرض الذي يعاني منه كما أن الأمر في كثير من الأحيان يصل إلي الوفاة وحدوث مشاكل في أعضاء حيوية مثل الكبد والكلي .
دواء مغلف بالسموم.
تؤكد ذلك غادة ميشيل رئيس قطاع الاتصالات والخدمات المجتمعية بباريس من خلال تصريحات لها في 2017 قالت فيها إن الأدوية المقلدة توجد فى كل مكان فى العالم وتتراوح بين الخليط من المواد السامة والضارة، والتركيبات غير الفعالة مؤكدة أن الأدوية المزيفة يمكن أن تتسبب فى فشل العلاج أو الوفاة.

تشديد الرقابة والتفتيش.
شهدت السنوات الماضية تصاعدًا لظاهرة غش الدواء في مصر ومن يراجع المشهد إعلاميًا يجد أنه لم يمر الشهر إلا وأعلنت وزارة الصحة عن ضبطها لمصانع "بير السلم" وكميات من الأدوية المغشوشة يتم تداولها في السوق محذرة المواطنين من تناولها وحول ذلك يقول الدكتور إيهاب الطاهر عضو مجلس النقابة العامة للأطباء في تصريحات خاصة لـ"بوابة الأهرام" أنه لا يمكن منع الغش بنسبة 100% لكن علينا تشديد الرقابة باعتبارها الحل الأمثل للتقليل قدر المستطاع من هذه الظاهرة .
كارثة الإعلانات التليفزيونية.
يشير "الطاهر" إلي ترويج الأدوية المغشوشة عبر الإعلانات التلفزيونية فيقول إنها كارثة لا يمكن السكوت عنها إذ أن هذه الأدوية المعلن عنها مجهولة المصدر ولا نعلم ما إذا كانت مسجلة لدى وزارة الصحة أم لا وفي الغالب تعتبر هذه الإعلانات "بيزنس" للنصب على المرضى والحصول على أموالهم من خلال خداعهم وإيهامهم بأن هذه الأدوية مستوردة .
علامة استفهام ؟
لمواجهة خطورة هذه الإعلانات يطالب عضو مجلس النقابة العامة للأطباء من خلال هذا التحقيق بضرورة تفعيل دور المجلس الأعلى للإعلام وخاصة القرار الصادر عنه والذي يفيد بتشكيل لجنة من وزارة الصحة ممثل فيها عضو من نقابة الأطباء لمراجعة أي إعلان عن الدواء قبل عرضه في الفضائيات وذلك لمنع النصب علي المواطنين متسائلًا :" لماذا لم تُفعّل هذه اللجنة إلي الآن ؟! " تاركًا بهذا التساؤل علامة استفهام للجهات المسئولة .
الركوض وراء الموت.
بعض الأطباء يشاركون دون قصد في عملية خداع المريض في الأدوية المغشوشة وهنا يلفت "الطاهر" إلي "الروشتة" فيقول إن بعض الأطباء يكتبون للمريض أدوية مستوردة غير متوفرة محليًا وهو ما يساعد "مافيا غش الدواء" على خداع المريض وإيهامه بأن الدواء المغشوش الذي يبيعونه له هو الأصلي الذي يبحث عنه فيلهث عليه المريض أملًا في شفائه ولا يعلم أنه يلهث وراء الموت .
11% من الأدوية المباعة مغشوشة.
طبقاً لإحصائيات منظمة الصحة العالمية، فإن 11% من الأدوية المباعة تعتبر مغشوشة وبعيدًا عن الإحصائيات هناك آلاف البشر يموتون سنويًا في جميع الدول بسبب تناولهم جرعات لأدوية مغشوشة وبحسب تصريحات لـ "جوفروا بوسوخ" نائب رئيس مجلس إدارة شركة "سانوفى" العالمية للأدوية فقد يموت ما بين 72 ألفاً و169 ألف طفل من الالتهاب الرئوى كل عام بعد تلقيهم عقاقير مغشوشة، كما أن نسبة 23% من الأدوية المباعة علي الإنترنت مغشوشة وهناك 50 ألف موقع إلكتروني تبيع الدواء المغشوش كما أن الحكومات تخسر 1.7 مليون يورو سنوياً من دخلها بمعدل 90 ألف وظيفة سنوياً بسبب الغش فى الدواء وهو ما أكده الدكتور محيي حافظ رئيس لجنة الصحة والدواء باتحاد المستثمرين لـ"بوابة الأهرام" بقوله إن حجم تجارة وتداول الدواء في العالم بلغ تريليون و 250 مليار دولار ونسبة 2 إلي 10 % من هذه الأرقام متعلقة بالأدوية المغشوشة .

سياسة تتبع الدواء.
وحول ذلك يقول الدكتور عادل العدوى وزير الصحة السابق في تصريحات خاصة لـ"بوابة الأهرام" أن ظاهرة غش الدواء ليست قاصرة على مصر فقط ولكن أساليب مكافحتها تختلف من دولة إلي أخري مطالبًا من خلال هذا التحقيق بضرورة وجود إجراءات عاجلة لمكافحة الأدوية المغشوشة لافتًا إلي تطبيق الميكنة فيما يتعلق بسياسة تتبع الدواء موضحًا أن لكل دواء منشأة ورقم تشغيل خاص به يجب الاطلاع عليه ففي حال عدم وجوده نصبح أمام دواء غير مسجل لدي وزارة الصحة وهو الدواء المغشوش مؤكدًا أن اتباع هذه السياسة يُمكّن الدولة من كشف الأدوية المزيفة ومكافحة الغش .
تطبيق نظام الباركود.
وشدد "العدوي" على ضرورة التطبيق العاجل لنظام "الباركود" على العلب الدوائية لمنع الغش وتعميمه على كافة الشركات المنتجة للدواء والصيدليات وأيضًا توصيل الصيدليات بعضها البعض بشبكة إلكترونية وهو ما يسهل كشف غش الأدوية .
نداء للمجلس الأعلى للإعلام.
حول عقوبة الغش الدوائي يقول الدكتور أحمد مهران مدير مركز القاهرة للدراسات السياسية والقانونية في تصريحات لـ"بوابة الأهرام إننا لسنا بحاجة إلى تشريعات جديدة لتغليظ العقوبات على المخالفين في تصنيع الدواء وإنما بحاجة إلي آليات تنفيذ حقيقية لمواجهة ظاهرة غش الدواء التي أصبحت منتشرة ولعل ما ساعد علي ذلك الإعلانات التلفزيونية التي تدعي أن هذه الأدوية مرخصة من وزارة الصحة والحقيقة أنها حاصلة على ترخيص من معهد التغذية على أنها مكملات غذائية وهنا نكون أمام كذب وتضليل للمريض وتحايل عليه بهدف الحصول على أمواله .


مخالفة قانونية
يوضح مدير مركز القاهرة للدراسات السياسية والقانونية أنه بحسب الأصل فإن القانون يمنع الإعلان عن الدواء في التلفزيون وما نشاهده الآن عبر الشاشات يعد مخالفًا للقانون مخاطبًا المجلس الأعلى للإعلام بمنع هذه الإعلانات لأنها تساهم في قتل المواطنين من أجل تحقيق مكاسب مالية لمافيا غش الدواء .

توصيات
في نهاية التحقيق تجدر الإشارة إلي أننا أمام ظاهرة عالمية وهي "غش الدواء" تعاني منها جميع دول العالم لكن آليات مكافحتها تختلف من دولة لأخرى وتبقي التوعية أقوي سلاح في محاربتها لذا يجب علي الدول والحكومات رفع الوعي لدي مواطنيها من خلال أجهزة الإعلام المختلفة لتحصينهم من "مافيا غش الدواء" وعدم الوقوع في هذه الظاهرة الوبائية التي تذهب بأرواحهم .

كلمات البحث
اقرأ ايضا: