Close ad

"جراج تحت الأرض ومنطقة خضراء".. الحكومة تبحث مربع الوزارات لإحياء "باريس الشرق"

31-1-2019 | 17:53
جراج تحت الأرض ومنطقة خضراء الحكومة تبحث مربع الوزارات لإحياء باريس الشرقالقاهرة الخديوية
إيمان فكري

قبل مائة وخمسين عاما أنشئت القاهرة الخديوية، طلب الخديوي إسماعيل خلال زيارته لباريس عام 1876 من الإمبراطور نابليون الثالث أن يقوم المهندس الفرنسي "هاوسمان"، الذي خطط باريس، بتخطيط القاهرة الخديوية لتكون "باريس الشرق"، وبعد مرور سنوات كثيرة أصبحت هذه المنطقة في حاجة لإعادة صياغة ترفع مستوى أدائها وتتناسب مع ما تقدمه من أدوار ثقافية وسياحية مستهدفة، في إطار تأكيد الهوية والحداثة معا.

موضوعات مقترحة

إحياء القاهرة الخديوية

وفي عام 2014 قررت الحكومة إحياء مشروع القاهرة الخديوية في محاولة لإعادة الوجه الحضاري لقلب العاصمة وتحويلها إلى متحف مفتوح لتنشيط السياحة مجددا، وتم تطوير أكثر من 200 عقار حتى وقتنا هذا، وذلك بعد سنوات طويلة من الإهمال، وقررت الحكومة استغلال مربع الوزارات وتطويريها، بعد نقل الوزارات إلى العاصمة الإدارية الجديدة، حيث ناقشت اللجنة القومية تطوير وحماية القاهرة التراثية مؤخرا، برئاسة المهندس شريف إسماعيل مساعد رئيس الجمهورية للمشروعات القومية والإستراتيجية، خطط تطوير "مربع الوزارات" بمنطقة وسط البلد، ووضعت مقترحات لاستغلال القصور والمباني التراثية غير المستغلة في القاهرة.

وتبلغ مساحة "مربع الوزارات" نحو "900 متر× 500 متر"، وتضم مباني وزارية وإدارية، وقسمت اللجنة الفنية لتطوير المنطقة، المباني في ذلك القطاع إلى ثلاثة أنواع، الأولى مسجل كآثار، والثاني كطراز معماري مميز، أما الثالث مبان حكومية غير مسجلة، مستعرضا اقتراحات مختلفة لاستغلال كل نوع من هذه المباني، كما قسمت المنطقة إلى عدة نطاقات لاستغلالها وفقا لمواقعها الجغرافية، واقترح تخصيص المربع المجاور لمباني الجامعة الأمريكية لشركات ريادة الأعمال، خاصة الشركات التي تعمل في مجال التكنولوجيا والصناعات الإبداعيةـ حيث يمثل الموقع فرصة جاذبة للمستثمرين في هذا المجال.

ويحتوي "مربع الوزارات" على الكثير من المباني الأثرية والتاريخية العريقة، كمجمع التحرير، والمجمع العلمي، والجمعية الجغرافية المصرية، ومجلس الوزراء، ومجلس النواب، ووزارة الصحة، ووزارة الإسكان، ووزارة التعليم، وبين الأمة أو ضريح سعد زغلول، وقصر إسماعيل المفتش، ووزارة العدل، ومقر وزارة الداخلية القديم، وظلت هذه المباني شامخة بتصاميمها الفريدة، رغم ما طرأ على المعمار عالميا من تغيرات دائما تلتزم بطبيعة كل عصر، وبالرغم من مرور عقود على تدشين مبانيها.

عودة "باريس الشرق"

وضعت اللجنة القومية لتطوير وحماية القاهرة الخديوية، رؤية جديدة لعودة القاهرة الخديوية والتاريخية، لما كانت عليه في القدم من مدينة ذكية خضراء، وكأنها "باريس الشرق"، وذلك عن طريق تطوير كافة المناطق بمنطقة وسط البلد سواء كان تطوير المباني أو الميادين والطرق وكذلك مربع الوزارات، على حد قول المهندس محمد أبو سعدة، رئيس جهاز التنسيق الحضاري، وأمين عام اللجنة القومية لتطوير وحماية القاهرة الخديوية.
 

حل مشكلة الكثافة المرورية

كما أن هناك بعض المقترحات لإنشاء مناطق خضراء، كما تم في شارع الألفي، لرفع القيمة الاستثمارية للمنطقة بأكملها، فضلا عن أنه يتم عمل دراسة للقيام بتعديلات مرورية، وإنشاء جراج للسيارات تحت الأرض لحل مشكلة "الركن" التي قد تقف عقبة أمام الاستغلال الاستثماري للمنطقة، حيث إن الحركة المرورية تمثل حجر الأساس لخطة إعادة استغلال "مربع الوزارات، كما تتم دراسة إنشاء محاور خاصة بالمشاة لتيسير الحركة داخل المنطقة، وربطها بالمناطق الأثرية الأخرى، مما يتيح للمشاة حركة هادئة وممتعة، ويجعل هناك شخصية مميزة للمكان.

مبنى مجلس النواب
مائة وخمسون عاما تقف شاهدة على عراقة البرلمان المصري، والذي يقدم بتاريخه العريق نموذجا فريدا بين برلمانات العالم في إرساء دعائم الأطر المؤسسة لتدشين أسس الحياة النيابية السليمة، وترجع نشأته التي ترجع إلى عام 1877، ويعد منارة تنويرية لنشر الثقافة البرلمانية ونبراسا مضيئا تشع من خلاله قيم الممارسة الديمقراطية السليمة التي استلهمت من فيضها الشعوب العربية والأفريقية نموذجا يحتذي به في بناء تجربتها البرلمانية.

3 آلاف مبنى تاريخي بمصر
ويضيف "رئيس جهاز التنسيق الحضاري" في تصريحاته لـ "بوابة الأهرام"، أن هناك بعض المباني التاريخية المسجلة، كمجلس النواب، سيتم الحفاظ عليها كما هي وتطويرها، ومن الممكن تحويلها إلى متحف أثري، أما المباني الوزارية الحديثة سوف يتم هدمها وإعادة بنائها مرة أخرى لاستغلالها، كما سيتم تطوير مجمع التحرير والمجمع الجغرافي المصري، وبيت الأمة مع مقر الوزارات كوزارة العدل، ووزارة الداخلية، والصحة، والإسكان، والتعليم.

مبنى مجمع التحرير
يعد "مجمع التحرير" هو أكبر مبنى إداري في الشرق الأوسط، تم إنشائه في مصر قبل ثورة يوليو 1952، بعد أن وافق الملك فاروق عام 1949 على إنشاء مبنى إداري ضخم يتميز بالفخامة، ويضم كل الخدمات التي تمكن المواطنين من تخليص أوراقهم من مختلف الهيئات الحكومية في مكان واحد، وبالفعل وضع التصميم ونفذه المهندس المصري محمد كمال إسماعيل، وحتى يومنا هذا يعد تصميم هذا المبنى أحد شواهد عبقرية الهندسة المعمارية المصرية.

وتحتوي مصر على 3000 مبنى تاريخي وأثري، منها 700 مبنى في منطقة وسط البلد فقط، بحسب ما أوضحه المهندس محمد أبو سعدة، مفيدا أنه يتم عمل الدراسات اللازمة حاليا لتطوير منطقة وسط البلد حتى تصبح باريس الشرق مرة أخرى، وأن تكون محمية عمرانية، وتم وضع شروط خاصة للمباني التي يتم دهانها في المنطقة.

الاستخدام الاستثماري للمنطقة
أصبحت القيمة الثقافية لتاريخ وتراث القاهرة الخديوية غائبة بشكل كبير جدا في المجتمع، ورجوع استخدامها بشكل استثماري له عائد كبير على الدولة المصرية، وبحسب قول دكتور هاني أبو العلا أستاذ نظم المعلومات الجغرافية، والخبير في الهيئة العامة للتخطيط العمراني، لـ "بوابة الأهرام"، إن مصر لديها تاريخ كبير يمكن استغلاله في تحسين مردود السياحة، خاصة منطقة وسط البلد لما فيها من تراث وآثار ترجع لمئات السنوات، ورجوع الاهتمام بالقيمة الثقافية لهذه المنطقة يفيد المواطنين والدولة بشكل كبير جدا.

ويقترح "الخبير في الهيئة العامة للتخطيط العمراني"، استغلال مربع الوزارات في إقامة معارض دولية وفنادق على أعلى مستوى تراثي، تليق بتاريخ الدولة المصرية، واستغلال المباني التراثية كمجلس الشعب في عمل متاحف تخدم الجانب السياحي التراثي المصري، مؤكدا أن بهذا الشكل سيكون نقل الوزارات إلى العاصمة الإدارية الجديدة له منفعة على المنطقة ومردود اقتصادي كبير على الدولة.

قصر إسماعيل باشا المفتش
يعد هذا القصر، تحفة معمارية وأثرية في وسط القاهرة، وسمى بهذا الاسم نظرًا لصاحبه إسماعيل باشا الذي كان يعمل مفتشا عاما على أقاليم القطر المصري عام 1876، وكان يلقب بالخديو الصغير، ويتكون القصر من 3 أدوار تضم 18 غرفة رئيسية و42 غرفة صغيرة للحريم وفناء واسعا، والقصر عبارة عن جزءين جزء شمالي وجزء جنوبي وتتوسط القصر نافورة رائعة.

حدوث خلل في المنطقة
ويوضح "أبو العلا"، أن نقل الوزارات إلى العاصمة الإدارية سيؤدي إلى حدوث خلل في بعض الخدمات، نظرا لأن الكثير من الخدمات كانت قائمة وتابعة على الخدمات الوزارية، لذا سيقوم الجميع بتغيير نشاطهم، ولكن تطوير المنطقة واستغلالها بهذا الشكل العظيم سوف يعود بالمنفعة على الجميع، إذا تم التخطيط والتنفيذ بشكل منضبط وصحيح.

زيادة عدد السكان
زيادة عدد السكان يصعب أمل رجوع منطقة وسط البلد لما كانت عليه منذ عشرات السنوات، ويوضح أستاذ نظم المعلومات الجغرافية، أن سابقا كان عدد السكان صغيرا والمنطقة غير مزدحمة بعكس الوقت الحالي أصبح هناك ملايين من المصريين يعيشون في القاهرة، وهذا يعود أيضا نتيجة هجرة المواطنين من الأقاليم إلى القاهرة الكبرى، حيث أصبح معظم سكان القاهرة من الأقاليم، فمن الممكن تطوير وتحسين المنطقة، إلا أنه من المستحيل رجوعها إلى ما كانت عليه سابقا.

تطوير الأسطح "كراكيب البيوت"
كما اقترح عمل جراج عملاق تحت الأرض للقضاء على الكثافة المرورية في هذه المنطقة، وتخطيط الجراج بشكل جيد جدا، بحيث تكون هناك مخارج للشوارع متعددة الاتجاهات لكل مكان في المدينة، كما يجب عمل مساحات خضراء بالمنطقة للحفاظ على جودة الحياة، وتغير ثقافة استخدام أسطح المنازل، ففي القدم كانت تتم زراعة الأسطح واستغلالها بشكل مثالي، أما الآن أصبحت "كراكيب البيوت"، لذا لابد من عمل تنمية بشرية للمواطنين للحفاظ على بلدهم.

المجمع العلمي
أعرق المؤسسات العلمية المصرية التي تم إنشاؤها منذ أكثر من مائتي عام، حيث أنشئ بقرار من نابليون بونابارت في القاهرة عام 1798، وتم نقله إلى الإسكندرية، ثم عاد للقاهرة عام 1888، وتضمنت مكتبته 200 ألف كتاب، وفي ديسمبر 2011 احترق مبنى المجمع بشارع قصر العيني خلال الاضطرابات السياسية التي شهدتها مصر عقب ثورة 25 يناير، وأنهت النيران على 70% من إجمالي الكتب والمخطوطات التي كان يحويها المجمع، فلم ينج من محتوياته التي تضم مخطوطات وكتبا أثرية سوى قرابة 25000 فقط.

مربع الوزارات "محمية تراثية"
بنيت مباني منطقة وسط البلد على أحدث الطرق المعمارية، خاصة مباني "مربع الوزارات" حيث توجد بها مباني نادرة تشمل طرازا معماريا فريدا من نوعه، وتعد من المحميات التراثية المصرية، على حد قول الدكتور فتحي مصلحي عضو المجلس الأعلى للتخطيط والتنمية العمرانية، مؤكدا أن منطقة وسط البلد قديما كان لها نمط حياة مختلف عن نمط الحياة الحالية، حيث كانت جزءا من القاهرة الخديوية.

متحف سعد زغلول.. بيت "الأمة المصري"
يحتل متحف سعد زغلول أو "بيت الأمة" كما يطلق عليه، موقعا متميزا في نفوس المصريين والعرب، نظرا لكونه يخص واحدا من أشهر زعماء الحركة الوطنية والسياسية في مصر، وشرع الزعيم الوطني في بنائه منتصف عام 1901، بمنطقة المنيرة، واستكمله في أوائل العام التالي، وانتقل للعيش فيه في أبريل عام 1902، وبعد وفاة زوجته "أم المصريين"، قررت الحكومة المصرية تحويل المنزل إلى متحف قومي يخلد المقتنيات والأثاث والأدوات الخاصة بزعيم الأمة وزوجته، ويضم أثاثا فرنسيا من طراز حقبة لويس الخامس عشر، وأثاثا عربيا مطعما بالعاج، ومقتنيات فنية عتيقة.

مقترحات لاستغلال المربع
وهناك الكثير من الطرق لاستغلال وتطوير مربع الوزارات والاستفادة منه، بحسب مصلحي، الذي يقترح تحويل المباني الحديثة في المربع إلى محميات تراثية ومراكز ثقافية وأتيليهات للفنون المختلفة، ومركز ثقافي من نوع خاص يحتوي على سلع تراثية والمشغولات اليدوية التراثية، واستغلال المباني القديمة بعمل متحف يحي ذاكرة المكان، ومتحف للفنون الشعبية المنقرضة التي لابد من إحيائها مرة أخرى.

كما اقترح عمل مسرح مكشوف يقص القصص الثقافية التراثية عن هذه المكان، ومركز يحتوي على جميع المهن التراثية في كل أنحاء الجمهورية، وتخصيص أماكن للموسيقيين والفنانين لجميع من لديهم الذوق الراقي الثقافي المهتمين بتراث مصر العتيق، مفيدا أن هذا التطوير له عائد اقتصادي وإنساني وتراثي، كما أنه يعيد جزءا من القوى الناعمة للدولة، واستفادة كبيرة للسياحة الثقافية، حيث يتم إحياء جزء جديد للسياحة، يجذب الكثير من السياح المهتمين بالتراث المصري القديم.

غلق المربع للمشاة فقط
ويختتم عضو المجلس الأعلى للتخطيط والتنمية العمرانية، حديثه بأنه لابد من عمل دراسة دقيقة ورؤية متكاملة وتخطيط جيد لاستغلال الأمثل لهذا المربع، على أن تكون خطة مستديمة تحافظ على الحياة المعمارية للمكان، مشددا على ضرورة غلق هذا المربع للمشاة فقط ومنع دخول المركبات فيه، حيث إن دخولها لهذا المكان بعد تطويره يبعث الفوضى، ويؤثر على المسمع الموسيقى والهدوء في المكان، ولابد من منع دخول المتسولين والمتسكعين للمكان، وأن تكون إدارة المربع حازمة.


  مبنى مجمع التحرير بميدان التحرير . مبنى مجمع التحرير بميدان التحرير .

مجلس النوابمجلس النواب
كلمات البحث
اقرأ ايضا:
الأكثر قراءة