آثار مقترح منع النقاب داخل مؤسسات الدولة الذي تقدم به النائب محمد أبو حامد لمجلس النواب جدلًا واسعًا بين مؤيد ومعارض، فهناك من يرى أنه يدعم ازدياد معدل الجرائم في المجتمع ويهدد أمن الوطن لما فيه من بيئة صالحة للإرهاب الذي يستخدم هذا الرداء كأداة ووسيلة لممارسة أعمال إجرامية، ومن ثم يصعب علي الأجهزة الأمنية تحديد هويتهم، فيما يعتبره آخرون حرية شخصية.
"بوابة الأهرام" أجرت عدة لقاءات مع خبراء أمنيين، وعلماء دين، وأساتذة علم اجتماع، للوقوف علي الجانب الأمني لارتداء النقاب داخل مؤسسات الدولة، ومعرفة أصل النقاب في الشريعة الإسلامية، وتأثير منعه علي المجتمع.
النائب محمد أبو حامد عضو لجنة التضامن الاجتماعي بمجلس النواب قال في تصريحات لـ"بوابة الأهرام" إن أسباب أمنية دفعته التقدم إلى المجلس بطلب منع ارتداء النقاب داخل مؤسسات الدولة، حيث يتم استغلال هذا الرداء من قِبَل الإرهابيين والخارجين على القانون لارتكاب الجرائم، إضافة إلى أنه يعوق التواصل بين المواطنين في مؤسسات العمل وبين الطلاب وهيئة التدريس في المؤسسات التعليمية، وكذلك بين المرضي وهيئة التمريض داخل المستشفيات مؤكدًا تقدمه بالمقترح لرئيس الحكومة ومذكرة أكثر تفصيلًا .
يهدد أمن الوطن
من الناحية الأمنية قال اللواء مجدي البسيوني مساعد وزير الداخلية الأسبق في تصريحات لـ"بوابة الأهرام" أنه يؤيد عدم ارتداء النقاب داخل مؤسسات الدولة سواء مؤسسات العمل أو المؤسسات التعليمية لما فيه من وسيلة قد يستخدمها الخارجون على القانون في ممارسة أعمال إجرامية تروع المواطنين وتعرض حياتهم للخطر بل قد تذهب بأرواحهم خاصة أن مصر مستهدفة أمنيًا ولها من الأعداء مالا حصر له الذين يتربصون لهدم المجتمع فيها وزعزعة استقرارها لافتًا إلي دعاء سيدنا ابراهيم عليه السلام عندما قدم فيه الأمن عن الرزق وعبادة الأصنام في قوله :" رب اجعل هذا البلد آمنًا وارزق أهله من الثمرات " مستشهدًا بهذا الدعاء في ضرورة الأمن للوطن وأن النقاب يتعارض مع تحقيقه مشيرا إلي التحديات الأمنية التي تواجه الدولة في ملاحقة الإرهابيين والمتطرفين وأن النقاب أصبح أداة تسهل عليهم ارتكاب الجرائم وتسهم في إفلاتهم من قبضة يد رجال الشرطة لتغطية وجوههم به .
وطالب "البسيوني" بمنع النقاب داخل جميع مؤسسات الدولة وخاصة الجامعات لأنها تضم ثروة المجتمعات وهم الشباب وكذلك المستشفيات لأنها تحمل أرواحًا يسهل علي المجرمين إزهاقها متسترين خلف النقاب وكذلك داخل المصالح الحكومية لسهولة تعرف المواطن علي الموظفة التي تعنتت في تقديم الخدمة له أو قامت بسلوك أضر به حيث حينها يكون النقاب عائقًا في التعرف عليها ووصف ملامحها أثناء تقديم شكوته وهو ما يهدر حقه ليصبح النقاب حينها وسيلة تبيح الفساد والبيروقراطية قائلًا :" النقاب في جميع المؤسسات مرفوض تمامًا ولا مبرر له علي الإطلاق".
النقاب
بيئة صالحة للإرهاب
فيما قال العقيد حاتم صابر خبير مكافحة الإرهاب الدولي في تصريحات لـ"بوابة الأهرام" أن ارتداء النقاب حرية شخصية وأن الدستور يضمن هذه الحرية :" لا توجد قوانين في الدولة تمنع ارتداء النقاب"
وأوضح أن قرار
منع النقاب داخل مؤسسات الدولة في حال الإجماع عليه فإنه يتطلب تشريعًا من البرلمان ينص علي ذلك وهذا التشريع يجب أن يتوافق مع الدستور والدستور لا يحد من الحريات الشخصية إذن سيواجه التشريع هنا تعارضًا مع الدستور .
وفي محاولة لإيجاد حل لقضية النقاب ودفع الضرر الذي قد يحدث من تغطية وجه المرأة داخل مؤسسات الدولة قال خبير مكافحة الإرهاب الدولي أن المؤسسات التعليمية وكذلك مؤسسات العمل يمكنها من خلال شركات الأمن والحراسة الخاصة تفتيش مرتدين النقاب والتحقق من شخصياتهن ومعرفة ما إذا كن نساء أم خارجين على القانون ومتخفين في هذا الرداء .
وقد شهد العام الدراسي 2014 قرارًا جريئًا بمنع المنتقبات من التدريس ليصبح الدكتور جابر نصار رئيس جامعة القاهرة آنذاك أول من تطرق لهذه القضية بتحرك علي أرض الواقع من خلال قرار أصدره وأيدته محكمة القضاء الإداري ومن ثم شهدت الجامعة تطبيقه إلا أن القرار لم يسلم من المعارضة والانتقاد فقمن بعض عضوات هيئة التدريس المنتقبات برفع دعوة أمام محكمة القضاء الإداري وكان الغريب أن المحكمة رفضت الدعوة وأيدت قرار رئيس الجامعة بمنع النقاب داخل الحرم الجامعي لما فيه من تهديد للأمن إذ قد يتسلل المجرمون والإرهابيون إلي الحرم الجامعي بين الشباب متسترين في النقاب وهو ما يهدد حياتهم وأمن المؤسسة التعليمية .
وعن دوافع اتخاذ هذا القرار قال الدكتور جابر نصار رئيس جامعة القاهرة السابق في تصريحات خاصة لـ"بوابة الأهرام" أن النقاب يعوق العملية التعليمية حيث 70% من إمكانات التواصل بين الطالب والمعلم تعتمد علي تعبيرات الوجه مضيفًا في استنكار: "أنا مُتعجب .. كيف يحكم القضاء بصحة قرار رئيس جامعة القاهرة في 2014 بمنع النقاب داخل الجامعة ولم تطبق الجامعات الأخرى وكذلك التدريس هذا القرار "
وتابع دوافعه بأن القرار كان مسبوقًا بدراسات ومرفق به الأسباب والمبررات ولذلك لقي تأييدًا لأول مرة من محكمة القضاء الإداري التي كانت ترفض قرارات كثيرة تعلقت بقضية النقاب وبعد مرور نحو 7 أشهر أصدر قرارًا بمنع عمل المنتقبات سواء من عضوات هيئة التدريس أو الممرضات في كلية الطب لما في ذلك من تناقض مع الإجراءات الصحيحة للعمل في المستشفيات سواء ما يتعلق بالعدوي أو حسن معاملة المرضي إذ من حق المريض رؤية الشخص الذي يتعامل معه كما أن تغطية وجه الممرضة يجعل صعوبة في العثور عليها حال حدوث مشكلة طبية أثناء تعاملها مع المريض أو حدوث تصرف سلبي وحتي لو كانت هذه الممرضة تحمل بطاقة بها اسمها فإن صعوبة التعرف عليها تظل قائمة لأن هناك مرضي لا يجيدون القراءة ولا الكتابة .
وشدد "نصار" في تصريحاته علي منع النقاب داخل الجامعات والمستشفيات والأماكن العامة معللًا ذلك بأنه ضرورة أمنية وأن ثمة جرائم ترتكب باسم النقاب متعددة الأشكال لافتًا إلي أن مواجهة هذه الظاهرة تفتقر إلي القيادات التي تستطيع اتخاذ قرارًا حاسمًا :" كنا نتخذ القرارات في جامعة القاهرة من أجل المصلحة العامة وكان يؤيد من يؤيد ويعارض من يعارض لكن في النهاية كان المردود إيجابيا علي المؤسسة والعملية التعليمية".
النقاب
أنت حر ما لم تضر
ومن الناحية الاجتماعية قالت الدكتورة هالة يسري أستاذة علم الاجتماع في تصريحات لـ"بوابة الأهرام" إن المرأة لها حرية ارتداء ما تريد "أنت حر ما لم تضر" لكن النقاب يشكل خطرًا أمنيًا علي الوطن وهو ما يجعل حرية ارتدائه تضر بأمن المجتمع كما أنه ليس من الشريعة الإسلامية وذلك حسبما أقرت المؤسسات الدينية وفي مقدمتها الأزهر الشريف .
وأشارت إلي المنطقة العربية وأنها تمر بمرحلة تغيرات سياسية وثمة إرهاب عاصف يتربص لها وكم من الحالات التي ارتدي فيها الإرهابيون والمتطرفون ومن علي شاكلتهم رداء النقاب للتخفي والتستر لفعل أعمالهم الإجرامية والإرهابية التي تؤثر في أمن واستقرار الوطن مما يروع المواطنين لذا يجب أن تتخذ الدولة الإجراءات الحازمة والحاسمة لمنع النقاب في جميع مؤسساتها وخاصة تلك التي تتعامل مع الجمهور مثل المصالح الحكومية والمستشفيات كما طالبت بمنع قيادة السيارة بالنقاب وعللت ذلك بأن رخصة القيادة تظهر فيها المرأة بوجهها وتلك الرخصة تعني أنها بدونها لا يمكنها قيادة السيارة وبناء علي ذلك يجب منع قيادة السيارة بالنقاب.
وأكدت أن قضية ارتداء النقاب داخل مؤسسات الدولة ليست اجتماعية فحسب وإنما أمنية من الطراز الأول وتأتي الاحتياجات الإستراتيجية الأمنية أولوية في مصر والمنطقة العربية لما لها من حساسية فائقة وخاصة فيما يرتبط بالإرهاب لذا علي جميع الجهات الرسمية وغير الرسمية أن تضع قوانينها لكي تحافظ علي أمنها وأمن أعضائها ليس من خلال التفتيش والتحقق من الشخصية ولكن بمنعهن من الدخول إليها :" النقاب حرية شخصية لكن ارتدائه داخل مؤسسات الدولة يضر بأمنها ".
النقاب
ترحيب ديني
ومن الناحية الدينية رحبت الدكتورة آمنة نصير أستاذ العقيدة والفلسفة بجامعة الأزهر بمقترح منع النقاب داخل مؤسسات الدولة وعللت ذلك في تصريحات لـ"بوابة الأهرام" بأن النقاب ليس من الشريعة الإسلامية بل إن الشريعة تأمر بغض البصر كما جاء في قوله تعالي: "قل للمؤمنين يغضوا من أبصارهم ويحفظوا فروجهم ذلك أزكي لهم إن الله خبير بما يصنعون.. وقل للمؤمنات يغضضن من أبصارهن ويحفظن فروجهن ولا يبدين زينتهن إلا لبعولتهن أو آبائهن أو آباء بعولتهن أو أبنائهن أو أبناء بعولتهن أو إخوانهن أو بني إخوانهن أو بني أخواتهن أو نسائهن أو ما ملكت أيمانهن أو التابعين غير أولي الإربة من الرجال أو الطفل الذين لم يظهروا علي عورات النساء، ولا يضربن بأرجلهن ليعلم ما يخفين من زينتهن وتوبوا إلي الله جميعًا أيها المؤمنون لعلكم تفلحون".
وعن أصل النقاب قالت "نصير" إنه شريعة يهودية زحفت لمنطقة الجزيرة العربية عندما كانت القبائل العربية واليهودية متجاورات، وإن الإسلام عندما جاء أمر بغض البصر كما في سورة النور الآيات من 30 : 31 مؤكدة أن هذه هي الروشتة الصحيحة للإسلام أما رغبة الرجل في إخفاء المرأة ووضعها في هذا الموضع بألا يراها أحد ولا تري أحد جعل هناك تشجيع وتحميس وإصرار علي النقاب موجهة اللوم علي المرأة قائلة: "العيب علي المرأة في تقبلها هذا الوضع من إخفائها كاملًا لأنها لا تعرف ما يريد منها الشرع الإسلامي" مؤكدة أن الإسلام أمر كل من المرأة والرجل بغض البصر مضيفة في استنكار: "كيف يطلب القرآن غض البصر لكل من المرأة والرجل ثم يطالب البعض بالنقاب"؟
فهم خاطئ
وأشارت أستاذ العقيدة والفلسفة إلي قول الله تعالي: "يا أيها النبي قل لأزواجك وبناتك ونساء المؤمنين يدنين عليهن من جلابيبهن ذلك أدني أن يعرفن فلا يؤذين وكان الله غفورًا رحيمًا " فقالت أن الإدناء ليس المقصود به غطاء الرأس وإنما كساء الجسد إلي الأرض، كما أوضحت أن قوله: "ذلك أدني أن يعرفن فلا يؤذين" يعود إلى أن النساء في هذه الفترة الزمنية لم يكن لديهن حمامات فكن يذهبن إلي الصحراء لقضاء حاجتهن، وكان بعض الشباب المتسكع يتعقبوهن، فجاء الأمر بالإدناء الذي هو كساء الجسد إلي آخره لكن البعض استخدم الإدناء في النقاب.
كما أشادت برأي الدكتور محمد سيد طنطاوي شيخ الأزهر السابق في قضية النقاب حيث كان يقول إنه عادة وليست فريضة قائلة: "أتمني أن أجد في المعاصرين الآن من يسير على هدى فضيلة الإمام سيد طنطاوي رحمة الله عليه".