Close ad

"الفرار من لعنة العصر".. شاب يروي قصته مع الإدمان وسماسرة الموت ومصحات "التعذيب" | فيديو

24-9-2018 | 12:45
الفرار من لعنة العصر شاب يروي قصته مع الإدمان وسماسرة الموت ومصحات التعذيب | فيديومدمن هروين
داليا عطية

في سجل مصحات الإدمان الكثير من المُدمنين الذين وجدوا ضالتهم، وأرادوا العودة قبل فوات الأوان.. قصص وروايات للعائدين من رحلة الإدمان رأت "بوابة الأهرام" من خلال عرض قصة (محمد.م) أن تقدم درسًا لمن تسول له نفسه السير في هذا الطريق المُدمر..

موضوعات مقترحة

البداية

"البداية كانت سيجارة حشيش".. هكذا قال (محمد . م) البالغ من العمر 26 عاما لـ"بوابة الأهرام"، صمت قليلا ثم تابع "كنت طالبا بالثانوية العامة عندما بدأت قصتي مع الحشيش.. كان مجرد تجربة وفضول، لم أعلم وقتها أن التجربة والفضول سينتهيان إلي عالم مظلم أصبحت فيه بقايا إنسان".

طريق آخر

بنبرة حزن وأسف، تابع الشاب حديثه لـ"بوابة الأهرام": "لم أكن أعلم أن سيجارة الحشيش التي يتناولها كثير من الشباب، ستكون بداية لتناولي مخدرات لم أكن أتخيلها.. كل ما في الأمر، أن سن المراهقة أثار داخلي فضول التجربة، وكل من أحاط بي من الأصدقاء في هذه الفترة كانوا يتعاطون الحشيش كما كانوا يتناولون السجائر العادية، فلم يكن الأمر خطيرًا، ولم أشاهد أحدًا أصابته أزمة صحية، أو سقط قتيلًا مثلًا لسيجارة الحشيش فتشجعت، وأقبلت علي تعاطيها".

 يتابع محمد بحزن "سيجارة الحشيش تشبه السيجارة العادية في تناولها، وكثافة الدخان المنبعث منها تكسبني شعورًا بالقوة والنضج يدخلني إلى عالم يملؤه الفراغ، ولا شيء سوي الفراغ، لأظل حينًا من الزمن بعيدًا عن الحياة وضجيجها، عن البشر ومشكلاتهم، عن المواقف التي لم تعجبني في الواقع، فأهرب بتلك السيجارة، وأستشعر اللامبالاة. الحشيش لا يغير هرمونات الجسد من الألم إلي السعادة مثلًا، وإنما يفصلني فقط عن التفكير في هذا الألم بعض الوقت لكنني بعد انتهاء السيجارة وانطلاق الأصدقاء كلٌ إلي منزله أعود إلي الواقع الذي هربت منه فأجده ينتظرني كما هو دون تغيير".

بداية الهيروين

يُطقطق الشاب أصابعه لتسكين توتره الواضح ويستكمل: "سحبتني تلك السيجارة التي استهنت بها إلي مرحلة جديدة في رحلتي مع المخدرات التي بدأتها بمجرد فضول.. لم أكن راغبًا في تدمير جسدي ولا حياتي، أعلم جيدًا أن المخدرات تقود إلي الموت، أعلم أنها تُنهي حياة الفرد في لمحة بصر بمجرد تناول جرعة زائدة، أعلم أنها تُهدد حياة أسرة بالكامل حينما يسقط ابنهم قتيلًا لهذه السموم فتقتلهم معه حزنًا وألما علي فراقه، كل هذه الأمور أعلمها جيدًا لكنه الفضول قادني إلي التجربة، ودفعني حديث العقل آنذاك فكان بداخلي شيئًا يقول (أنت مش صُغير وهتعرف توقّف) وكانت البداية الجديدة".

يستطرد محمد "تعاطيت جميع أنواع المخدرات.. كنت أتعاطاها عن طريق البودرة، وليس الحُقن، لكنني عندما وصلت إلي الهيروين خفت.. عوامل كثيرة لهذا الخوف كنت أدركها.. أعلم جيدًا أن الهيروين فيه (أوفر دوز)، وعند تناول جرعة زائدة منه يسقط الإنسان قتيلا في التّو، أعلم أنه إذا تمكن من جسد الإنسان يجعل منه شخصًا فاقدا لرؤية الحياة باستثناء حصوله علي الجرعة التي اعتادها، لكنني أدمنت لدرجة أنني كنت أذهب مع أصدقائي كل يومين أو ثلاثة للشراء من طريق مصر إسماعيلية الصحراوي".

يستجمع محمد قواه ويستكمل "هناك موقف لن أنساه فقد راح أحد أصدقائي ضحية للهيروين بسبب تعاطيه جرعة زائدة، إلا أنني لم أهتز لذلك، فكل ما كان يشغلني في هذا الحين حصولي فقط علي الجرعة.. كنت أشعر باللامبالاة".

المخدرات تخون صاحبها

يضيف محمد "شعور مختلف ومخيف في الوقت ذاته.. لذة غامرة تأخذني عند تناول الجرعة لكنها لا تستمر سوى دقائق وتتركني مع واقع أردت الهروب منه.. المخدرات كلها تخون صاحبها بعد دقائق وتتركه وحيدًا بين آلامه ومشكلاته بعدما استنزفت نقوده ونالت من جسده وصحته.. شعور مُخيف لأننا المتعاطين لا نري في هذا الوقت إلا أنفسنا ورغبتنا في التعاطي، ونكون علي استعداد تام لتخطي كل العقبات التي قد تحول بيننا وبين الجرعة.. ليس بعيدًا أن يسرق الشخص ليوفر ثمن المخدر، أو يتطاول علي أهله لعدم توفير النقود المطلوبة.. لكنني علي الرغم من تناولي المخدرات لم أرتكب جرمًا في حق غيري، لم أسرق ولم أتطاول من أجل الحصول علي الجرعة، وعندما كنت أحتاج إلي النقود كنت أحصل عليها بسهولة من أهلي، وعندما كان يتعذر عليهم ذلك كنت أوفر ثمن كتب الجامعة والمذكرات وأوقات كثيرة كنت أقوم بتأجير سيارتي.

الأم توفر نقود الهيروين

بخطوات هادئة تأتي الأم لتشاركنا الجلسة بعد أن كانت تراقب حديثنا من بعيد فتقول لـ"بوابة الأهرام"، إنها لم تبخل عليه بالمال مادام متوفر لديها، فعندما كان يطلب النقود كانت تعطيه ما يريد، وبنظره تفجر منها الحنان قالت، إن ولدها لم يظهر عليه أية علامات تشير إلي أنه يتعاطي المخدرات، لم يتطاول عليها أبدًا ولم يرهقها في الحديث، ولم يسرق شيئًا من المنزل كما يسمعون عن سلوك المتعاطي "ابني مش مجرم".

قرار التعافي

بقلب محترق علي شباب ولدها تابعت الأم حديثها قائلة، إن ولدها كان شديد التعلق بوالده الذي توفي منذ عامين فساءت حالته النفسية، وبخجل ممزوج بالندم التقط الشاب أطراف الحديث ليقول، إنه ارتبط كثيرًا بوالده وإن وفاته كانت دافعًا آخر لقرار التعافي من الإدمان، ولا ننس أن الدافع الأول عبرت عنه تلك الجملة "لما وصلت للهيروين خفت".

بنفس الخطوات الهادئة التي جاءت بها الأم وشاركتنا الحديث عاودت إلي جِلستها الأولي بعيدا لتراقب حديثنا.. واستكمل الشاب حديثه لـ"بوابة الأهرام": قررت التعافي، وأول ما فعلته هو الذهاب لشقيقي الأكبر، أخبرته أنني أتعاطي المخدرات.. فشعرت به يتجمد من الصدمة.. كنت أدرك تمامًا أنه يحاول استيعاب الموقف.. كنت أُقدِّر صدمته في شقيقه الأصغر الذي طالما كان يشاهده مرحًا.. وكأنه يقول (كيف له أن يذهب إلي عالم الموت كيف له أن ينساق وراء سموم تسلبه وتسلبنا معه الراحة وتشتت شمل العائلة).. تحدث شقيقي الأكبر بعد أن استجمع تركيزه فأخبرني أنه لن يتركني وأنني سأكون بخير" .

محاولة يائسة

يسند الشاب ظهره إلي كرسي الطاولة التي يدور حولها حديثنا، وكأنه يرجع بذلك إلي أحداث ذلك الوقت، فيقول، إن شقيقه تواصل مع إحدى المستشفيات الحكومية التابعة لوزارة الصحة متخصص في علاج الإدمان، ذهبنا معًا إليها، وقابلنا طبيبا مختصا بعد أن انتظرنا كثيرًا حتي يأتي الدور.. سأل الطبيب عن عمري ونوع المخدر الذي أتعاطاه ومتى بدأت التعاطي.. ثم أخذ يمسك بالورقة والقلم ويكتب العقاقير ويحدد موعد تناولها طالبًا مننا معاودة التواجد مره أخري في الأسبوع المقبل.

يتابع محمد "بقيت أنا وشقيقي نذهب إلي المستشفي يومًا كل أسبوع لمدة شهر ولم يتغير شيئا.. فكل ما يفعله الطبيب هو تغيير العقاقير المكتوبة في الروشتة.. ويغير الجرعة المحددة مع تغيير مواعيد تناولها حتي أنه طيلة الشهر لم يطلب الطبيب أية تحاليل وهو ما جعل شقيقي الأكبر يتجه إلي المصحات الخاصة".

دخول المصحة

قطع حديثنا دخول الشقيق الأكبر لمحمد، الذي قال، "إنه نادم علي لجوئه إلي مصحة خاصة في علاج شقيقه لكن إهمال المستشفي التي ذهب إليها في البداية هو الذي قاده إلي تلك المصحة التي يعلم تمامًا أنها غير مُرخصة، وغير تابعة لوزارة الصحة، وغير آمنة علي وجود شقيقه، لكنها كانت تبدو الملاذ الوحيد وقتها للشفاء، فتواصل معها وجاء مندوبوها لاصطحاب الشاب إليها".

قطع محمد حديثنا ليكمل الحكاية "لم أكن راغبا في الذهاب معهم إلى المصحة، وأخبرت شقيقي الأكبر بذلك، ووافقني: "قلت له هبطل أشرب بس وأنا في وسطكم في البيت من غير ما أدخل مصحة وقال لي (ماشي) إلا أنني فوجئت بهم داخل المنزل يريدون ذهابي معهم والمؤلم والقاسي أنني عندما رفضت قاموا باصطحابي بالقوة والعنف، قاموا بتكبيل يدي وقدماي وحملوني رغمًا عني وعن إرادتي، تجاهلوا مشاعري بالألم وإيذائي النفسي بفِعلَتهم هذه، وأكثر ما آلمني في هذا الموقف هو صمت أخي وأمي، هم يظنون أنهم بذلك يخدمونني يظنون أن هؤلاء الذين جاءوا لحملي رغمًا عني سيأخذونني إلي طريق الشفاء وطريق الخير وطريق المصلحة، لكنهم لا يعرفون أنني أتألم، فهذا الموقف آذاني نفسيًا وجسديًا ومعنويًا جعلني أشعر بالندم علي مصارحتي لهم بأنني أتعاطي، في الأخير انتقلت من منزلي إلي المصحة".

آلام بلا حدود

مررت بعدة محاولات للتعافي، وتنقلت بين المصحات، واجتزت مرحلة "الديتوكس"، وهي سحب السموم من الجسم، وكانت أصعب ما واجهته في الحياة هو أول خمسة أيام في "الديتوكس"، لقد مرت تلك الأيام بقسوة وعناء، فإن جسدي الذي اعتاد الهيروين يمتنع عنه الآن.. والجرعة التي أدمنتها تبتعد عني.. ما أصعب أن يُدمن جسدك شيئًا حتي أنك في غيابه تتغير هرمونات جسدك فتصبح كالباحث عن قطرة ماء في صحراء تتعامد عليك الشمس فيها وتزيدك أشعتها احتياجًا للماء.. أكثر شعور لا يمكن وصفه في هذه المرحلة القاسية -التي قد يتهاون البعض بكونها 4 أو 5 أيام- لكن الثانية الواحدة مرت وكأنها عام من شدة العناء.

يتابع "استعنت بالمهدئات والمسكنات وعقاقير التأهيل للنوم، كل هذه المسكنات كانت رفيقًا لي في تلك الأيام الصعاب، لكنها مرت والحمد لله، اجتزت مرحلة (الديتوكس) تم سحب السموم من جسدي، والآن أنا في مرحلة "have way" أحتاج تأهيلًا نفسيًا وتعديلًا سلوكيًا لكيفية الاندماج مع المجتمع".

عذبوني في المصحة

يمسح محمد وجهه بكلتا يديه، وكأنه يريد أن يمحو تلك الذكرى المريرة، ويقول "عندما ذهبت إلي المصحة الأخيرة التي كان ذهابي إليها قهرًا وجبرًا وغصبًا، وجدت عالمًا أسوأ من عالم المخدرات، عالمًا لا يحترم الإنسان، ولا يصلح لأن يكون سببًا في الشفاء.. قد تقذف المخدرات بالسموم داخل جسم الإنسان وتعرضه للموت، لكنه يموت في الحال ولا يتألم كثيرًا، أما داخل هذه المصحة التي قادتني رغبة أخي إليها، فإن الإنسان يتعرض إلي أبشع أنواع العذاب والإهانة.. يتعرض إلي السب والقذف والضرب، يتعرض إلي الشعور باللاآدمية عندما يتحكم في إرادتك طبيبًا أو مُدعيًا يقوم بحقنك بحقنة (كوربوكسول) تلك الحقنة التي يعاقبون بها من يعترض علي أسلوبهم في التعامل مع المدمنين.. فيقولون للشخص المدمن الذي يري أنهم يخالفون قواعد الإنسانية في التعامل معه أثناء تعافيه، ويرون هم أنه متمرد علي طريقتهم في العلاج (هتقعد ساكت وللا نلوحك ؟) هكذا تفعل حقنة (كوربوكسول) تلك التي تجعل الشخص ثابتًا علي وضع معين لساعات طويلة وغير قادر علي الحركة أو تغيير هذا الوضع".

قرار الهروب

خطط الشاب للهروب مع اثنين من زملائه الذين تعرف عليهما داخل المصحّة، وأصبحت بينهم ثقة متبادلة، وبعد أن خفض برأسه إلي الأسفل، وشدّ علي يديه بقوة، وكأنه يُسكّن الألم الذي مر به وتستعيده الذاكرة بسبب حديثه، قال "عذبوني في المصحة.. لم أعد أتحمل ما يحدث داخل المصحة، أكثر من 80 شخصًا يريدون التعافي، ورغم ذلك سمعت أحد المسئولين يقولون (لو 5 بس تعافوا نبقي إحنا كده مكان ناجح ).

ويستكمل "قررت الهروب رغم رغبتي في التخلص من المخدرات، لكن المعاناة داخل المصحة لم تعد تحتمل.. طلبت (قصافة) لتنظيف أظافري، وذلك في المساء، وفي الساعة التاسعة صباح اليوم التالي، صعدنا أنا وزملائي إلي السطح، المصحة عبارة عن فيلا ثلاثة أدوار، من ينظر إليها من الخارج يراها مكانًا سكنيًا عاديًا، ويظن أن هناك أسرة ما تسكنها، لكن من الداخل عبارة عن غرف، كلٍ منها بها حكايات ومآسي لا يعلمها سوى أصحابها.. في الأسفل يوجد مكان به سلك يغلب عليه الصدأ، وهذا المكان يصلح لمرور الأشخاص منه، ولكن زحفًا علي بطونهم، نجحت في قطع السلك بالقصافة وساعدني في ذلك الصدأ الذي كان عليه فتم قطعه بسهولة، ولم تكن هناك مواسير للنزول عليها فقمنا بربط (ملايات السرير) واستخدمناها في الهروب، ونجحت خطتنا بعيدًا عن أعين تجار البشر الذين يعملون داخل جدران العذاب، ويطلقون علي أنفسهم مصحة للتعافي من الإدمان".

سمسار الموت

"منهم لله"، جملة قالتها أم محمد بقلب محترق علي ولدها، والعذاب الذي تعرض له داخل المصحة.. جاءت الأم بخطواتها الهادئة، واحتضنت ولدها من الخلف، وهو جالس علي كرسيه، خافضًا برأسه إلي الأسفل ندمًا على تجربة قادته إلي مصير لم يكن يريده، ولعله آسف علي حزن أمه واحتراق قلبها عليه، وعلي آلامه التي مر بها داخل المصحة، وبعد أن عبرت دموع كل منهم عن مشاعر الأسف، قالت الأم، إن بداية التعرف علي تلك المصحة كانت مع "أكرم رحومه"، إنه شخص متعافي وقع في طريق الأم التي كانت تبحث عن سبيل لعلاج ابنها، وإنقاذ شبابه، بعدما عانوا إهمال المستشفي الحكومي، أقنعها أكرم بأن هناك مصحة جيدة للتعافي من الإدمان، وأن ولدها سيكون بخير، وثقت به لأنها تراه أمامها متعافي تمامًا، ويقف صحيحًا دون علة، أو تصرف يثير القلق.

لم يكن أمام الأم المنفطر قلبها علي ولدها سوي التسليم لـ"أكرم رحومه".. تقول أم محمد "اتفقنا على الثمن فأخذ آلاف الجنيهات مقابل إقامة ولدها في المصحة شهريًا، وحصل علي 1000 جنيه مقابل شخصي له ليصبح أكرم رحومه سمسارًا للموت: "قاللي 1000 جنيه ليا وطلع بياخد 500 جنيه بس علي الرأس" لم تر الأم المصحة ولم تلمحها عيناها، أقنعها "رحومه" أن تلك الأماكن سرية، ولا يجب أن يطلع أحد عليها".

سألناها "كيف لك أن تستأمنين شخصًا غريبًا علي اصطحاب ولدك إلي مكان لا تعلمين عنه شيئًا؟"..  فأجابت الأم في أسى "الغرقان بيتعلق بقشايه".. يالها من معاناة عاشتها هذه الأم على ولدها الذي درس الحقوق بجامعة القاهرة لمدة عامين، ولم يستقم طريقه في الدراسة فانتقل إلي أكاديمية خاصة، ولا زال في الصف الثاني بعدما أوقفت المخدرات تقدمه.

آسف جدًا

استجمع الشاب قواه وأكمل "عندما هربت من المصحة لم يكن معي هاتف ولا نقود ولا أي شيء.. أول من تذكرتهم هم أصدقائي.. وأول ما فعلته ذهبت إلي (سايبر) وفتحت الإنترنت من أحد الأجهزة وفتحت فيس بوك وبدأت في كتابة أرقام أصدقائي في ورقة ثم تواصلت معهم.. وذهبت إليهم وقصصت ما حدث لي".

هنا سألته "لماذا لم تفكر في أهلك أولًا؟" فكانت الإجابة "بسبب ما حدث معي.. مش قادر أنسي أخويا الكبير لما خلاهم ياخدوني المصحة غصب عني.. مش قادر أنسي الطريقة اللي خدوني بيها.. مش قادر أنسي إنها آذتني" كان طبيعيًا أن يسود الصمت بعد هذه الكلمات القاسية.. لكن الشاب قطعه  قائلا "بعدما قصصت علي أصدقائي ما حدث لي داخل المصحة من عذاب ومعاناة بأبشع الطرق، نصحني أحدهم بالعودة إلي أهلي فرفضت.. رفضت لأنني لازلت أحمل قسوة الموقف داخلي، وغير قادر علي اجتيازه، لكن ما قاله لي هذا الصديق ألجمني: "ارجع عشان والدتك.. والدتك ملهاش غيرك".

يتابع محمد وقد سالت دموعه خلسة "أُحب أمي كثيرًا، أتمنى أن أحمل التراب من تحت قدميها وأضعه علي رأسي إن كان هذا يرضيها، هي نقطة ضعفي في الحياة، أثناء مراحل علاجي من الإدمان التي مررت بها في أماكن مختلفة، كانت دموع أمي هي الدافع لي، عندما كنت أضعف وأشعر بأن إرادتي علي وشك التأثر سلبًا كانت عيون أمي الحزينة هي المحرك لقوي الخير داخلي، هي الصوت النقي الذي يهمس لي فيقول: "لازم تبقي كويس".

يستطرد الشاب "عدت إلي المنزل من أجل أمي، فقد جذبني حبي لها، فقفزت من جلستي مع أصدقائي، وانطلقت نحو المنزل، وألقيت بنفسي بين ذراعيها، ما هذا الألم يا أمي، ما هذه القسوة التي أستشعرها بين أحضانك، ربما قسوة الفراق الذي كان بيننا، وربما قسوة آلامي التي مررت بها داخل المصحة، فذكرني بها حضنك هذا الذي لا يحمل سوي الحب والرحمة والأمان سامحيني.. سامحي ضعفي وقلة حيلتي سامحي إرادتي التي تأثرت أمام السموم، سامحي خيانتي عندما كنت آخذ منك النقود وأنفقها علي الهيروين بدلًا من دراستي، سامحي مراهقتي التي تناولت فيها الحشيش وشبابي الذي تعاطيت فيه المخدرات، سامحي العناء الذي سببته لك ولإخوتي: "آسف جدًا".

ضوء الشمس

ذهب الشاب بعد عودته لأمه إلي الريف، حيث الفضاء الذي تضيئه أشعة الشمس التي تعامدت عليه قبل الظهيرة فبدت وكأنها تطهر جسده من السموم، وأصابت تلك الأشعة عيناه البنية فتحولت من اللون الداكن إلي لون أشعة الشمس، التي وكأنها أزالت غمامة سوداء من علي بصره فأصبح نقيًا شفافًا مستعدًا لرؤية الخير، ومن ثم استشعاره.

بداية حياة

ربما انتهت حكاية الشاب مع "بوابة الأهرام"، وانتهي سرد الأحداث، لكن حياته تبدأ الآن.. محمد ذهب لإجراء "انترفيو" بإحدى الشركات باحثًا عن فرصة عمل، وفي انتظار الرد، وبالنسبة لدراسته، فقد عزم ألا يهملها بعد الآن، أما عن صحته فهي جيدة تمامًا، وكل ما يحتاجه هو طبيب نفسي مختص وجيد لمتابعة مرحلة الـ have way، بعدما فقد الثقة في جميع المستشفيات وكافة الأطباء، إلا أنه لازال لديه أمل في استكمال الطريق، واجتياز هذه المرحلة الأخيرة من العلاج، وفي نهاية اللقاء، لم ينس محمد زملاءه في المصحة الذين يريدون التعافي من الإدمان، فناشد المسئولين بإنقاذهم من قبضة يد سماسرة الموت ومصحات العذاب.

نداء للمسئولين

"بوابة الأهرام" لديها بيانات المصحة لمن يريد من المسئولين التواصل معها لإنقاذ حياة شبابنا، وإيداعهم في مكان تتابعه عيون الدولة، ليكون أكثر أمانًا علي هذه الأرواح التي يمكن جدًا صلاحها وجعلها قدرات فائقة تفيد المجتمع.

خلاصة التجربة

ودّع محمد "بوابة الأهرام" قائلًا: المخدرات كذبة كبيرة لسرقة العقول والنقود، وسلب الحياة منّا، وسحب بساط المستقبل من تحد أقدامنا.. البداية بتكون حشيش، والنهاية إما أن نكتبها نحن فتكون حميدة، وإما أن يُسدِل ستائرها القدر فنكون حينها ضحية الكذبة الكبيرة، أمّا من يتألم الألم الكبير والحقيقي لسنا نحن المدمنين، وإنما الأهل والأحبة !

كلمات البحث
اقرأ أيضًا:
الأكثر قراءة